"Dropsite": أطباء السودان يعملون في حاويات مخفية تحت الأرض بسبب الحرب

أطباء السودان مجبرون على العمل في حاويات نقل مخفية تحت الأرض بعد تعرّض مرافق الرعاية الصحية لهجوم عنيف خلال الصراع الدائر بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني.

  • "Dropsite": أطباء السودان يعملون في حاويات مخفية تحت الأرض بسبب الحرب

موقع "Dropsite News" ينشر تقريراً يتحدث فيه عن معاناة الأطباء في السودان، ولا سيما في مدينة الفاشر المحاصرة، بسبب الحرب المستمرة منذ عام 2023، ويشرح التقرير كيف لجأ الأطباء إلى العمل في حاويات مخفية تحت الأرض هرباً من الهجمات.

أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:

في غرفة طوارئ مؤقتة مظلمة ومخفية تحت الأرض في مدينة الفاشر المحاصرة في غرب السودان، تعتني الطبيبة النسائية إيلاف محمد بمريضتها الثالثة خلال اليوم. في حين يهزّ دوي انفجار الأرض ويصطدم صاروخ بسطحها. وخلال حديثها إلى موقع " Drop Site News" عبر الهاتف، قالت الدكتور إيلاف: "نقوم بإجراء عمليات جراحية، يصل عددها أحياناً إلى 12 عملية يومياً، في هذه الملاجئ الموجودة تحت الأرض. كذلك نجري عمليات طارئة للنساء المصابات بأعيرة نارية أو قذائف، فضلاً عن عمليات قيصرية، وكل ذلك في ظل نقص حاد في المعدات الطبية". 

كانت قوات الدعم السريع شبه العسكرية قد كثّفت قصفها على مدينة الفاشر خلال الأسابيع الأخيرة، سعياً منها للاستيلاء على عاصمة ولاية شمال دارفور من الجيش السوداني. وقد أدّى هذا الصراع المرير على السلطة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، والذي اندلع في نيسان/أبريل 2023، إلى دفع السودان نحو حافة الانهيار وتسبّب بأكبر أزمة نزوح في العالم مع تهجير أكثر من 14 مليون شخص من منازلهم وقتل عشرات الآلاف وتدمير البنية التحتية المدنية في البلاد. وتستفحل المجاعة في أجزاء من البلاد، مع أكثر من 750 ألف شخص مهدد بالموت جوعاً.

وشهدت مدينة الفاشر، التي يقطنها نحو مليون شخص، نزوح أكثر من 700 ألف نازح فار من أعمال العنف الدائرة في أماكن أخرى داخل البلاد. ومنذ أيار/مايو، شهدت المدينة حصاراً من قبل قوات الدعم السريع، التي شنت هجمات عشوائية أسفرت عن مقتل مئات المدنيين، واستهداف المستشفيات والمرافق الطبية بشكل منهجي.  

بالإضافة إلى ذلك، تعرّض المستشفى السعودي التعليمي للأمومة، وهو المستشفى العام الوحيد العامل في المدينة والذي يقدم خدمات الجراحة والصحة الإنجابية، للهجوم 15 مرة منذ بدء الصراع. وخلال الأسبوع الفائت، في 24 كانون الثاني/يناير، أغارت طائرة مسيّرة على قسم الطوارئ بالمستشفى، واتهم مسؤولون محليون قوات الدعم السريع بتنفيذ هذا الهجوم الذي أودى بحياة أكثر من 70 شخصاً. وجاء هذا الهجوم بعد أيام من توجيه قوات الدعم السريع إنذاراً للقوات المتحالفة مع الجيش السوداني بإخلاء المدينة. 

وقد أجبرت أعمال العنف العشوائية الدكتورة إيلاف وزملاءها على الذهاب إلى غرف الطوارئ الموجودة تحت الأرض التي تم بناؤها على مسافة قصيرة من المستشفى السعودي. وأصبحت الملاجئ تحت الأرض التي تحولت إلى غرف طوارئ سيئة التجهيز والإضاءة، المواقع الآمنة الوحيدة للأطباء لتقديم الرعاية الصحية المطلوبة بشدّة في مواجهة القصف المستمر للمدينة. 

وقالت الدكتورة إيلاف لموقع " Drop Site": "إنّ القصف لا يتوقف، وحتى أثناء العمليات يمكننا سماع صوت تساقط القذائف"، مضيفة أنّ 20 من أصل 28 منشأة طبية عامة في الفاشر باتت غير صالحة للعمل نتيجة الصراع الدائر. كما تتزايد المخاطر التي يتعرض لها المرضى والكوادر الطبية مع اشتداد القتال. وقد أصيبت الدكتورة إيلاف ذات مرة برصاصة في ساقها أثناء عملها داخل المستشفى. 

وتجدر الإشارة إلى أنّ الملاجئ تحت الأرض المخصصة للأطباء بُنيت في حزيران/يونيو، بعد شهر من الحصار الذي فرضته قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، من قبل مجموعة من المتطوعين، وفقاً لحواء داوود، وهي عضو في هذه المجموعة. وقالت حواء لموقع " Drop Site": "أُنشئت هذه الملاجئ بعد تعرض جميع المستشفيات الرئيسة في المدينة للهجوم، ولم يتبقّ سوى مستشفى واحد فقط من بين المستشفيات الرئيسة الثلاثة العاملة، وهذا المستشفى يعمل بشكل جزئي فحسب". 

وأشارت حواء إلى أنّ الغرف الموجودة تحت الأرض تم إنشاؤها باستخدام حاويات النقل التي تُركت في المقر الرئيس للـ"يوناميد"، وهي البعثة المختلطة للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور التي أُنشئت خلال السنوات التي أعقبت اندلاع الحرب الأهلية السودانية في عام 2003 وأنهت مهمتها في عام 2020. وأوضحت حواء قائلةً: "لقد قام المتطوعون بدفن هذه الحاويات تحت الأرض وتغطيتها بأكياس الرمل لإخفائها وحمايتها". وأضافت أن المجموعة التطوعية، إلى جانب المنظمات الإنسانية الأخرى، تكافح من أجل تقديم الدعم والحماية للطاقم الطبي والمرضى على حد سواء، مُشيرةً إلى أن الوضع خطير للغاية ويتطلب تدخلاً فورياً لإنقاذ قطاع الرعاية الصحية. 

وفي ظل الهجمات المتكررة على مستشفيات الفاشر، بما في ذلك المداهمات المسلحة، قام المتطوعون بحفر خنادق حول المستشفى السعودي في محاولة لحماية المرضى والطاقم الطبي، بحسب عواطف إسحاق، متطوعة أخرى.

وفي بيان لها أمام مجلس الأمن في أيلول/سبتمبر، أشارت جويس مسويا، القائمة بأعمال وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، إلى أنّ جميع "أطراف النزاع لا تبذل أي جهود لحماية المرافق الصحية أو المدنيين الذين تستضيفهم هذه المرافق". 

وقالت الدكتورة إيلاف إن الهجمات المتكررة على المستشفى السعودي أدت إلى توقف مركز غسيل الكلى الوحيد في المنطقة، ما أدى إلى وفاة عدد لا يحصى من المرضى، وأنّه "حتى مع إسقاط الإمدادات الطبية جواً، فإن الموارد ليست كافية على الإطلاق"، في إشارة إلى الدعم الجوي الذي يقدمه الجيش السوداني شهرياً للمساعدة في سد الفجوة الحادة في المعدات الطبية الأساسية. ففي البداية، قام الجيش السوداني بإسقاط الذخائر وقذائف المدفعية جواً على قواته الموجودة على الأرض في الفاشر، إلا أنه منذ آب/ أغسطس، ومع تدهور الوضع بشكل مطرد، أسقط الجيش أيضاً المعدات والإمدادات الطبية.

ومع ذلك، ألقت الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان باللوم على الجانبين في الهجمات العشوائية التي أدت إلى مقتل مدنيين. وقال رئيس عمليات الطوارئ في منظمة "أطباء بلا حدود"، ميشيل أوليفييه لاشاريتيه، في بيان صدر في آب/ أغسطس، إنّ "القصف من الجانبين أثر على المدينة وأدى إلى سقوط أكثر من 2500 ضحية في المستشفيات التي تدعمها منظمة أطباء بلا حدود، ووفاة أكثر من 370 من هؤلاء المرضى متأثرين بجراحهم. ولا يزال عدد ضحايا هذا الصراع غير معروف". 

وبحسب المدير العام لوزارة الصحة بولاية شمال دارفور، الدكتور إبراهيم خاطر، فإنّ الحرب تركت قطاع الرعاية الصحية في حالة يرثى لها. وفي حديثه إلى موقع " Drop Site"، قال: "يُظهر الطاقم الطبي بمساعدة المتطوعين قدرة هائلة على التحمل، لكنّهم لن يكونوا قادرين على الصمود لفترة أطول من دون إمدادات ثابتة وكافية من المعدات الطبية والحماية". 

وقد توقف معظم الطاقم الطبي في المستشفى عن العمل بسبب الظروف الأمنية المقترنة بالأجور الزهيدة والحصار المستمر، وفقاً للدكتور أيوب آدم، الطبيب العام في المستشفى السعودي. وفي هذا السياق، قال الدكتور أيوب: "يتكون طاقم المستشفى عادة من 6 إلى 10 أطباء، ومن 30 إلى 50 ممرضاً وممرضة، وعشرات الأطباء العامين والمتخصصين. أما اليوم، فنحن نعمل بفريق مصغر مكوّن من 5 أطباء متخصصين، و4 متخصصين مساعدين، و10 أطباء عامين، و15 طبيباً مقيماً، مع عدد قليل من الممرضين والممرضات وفنيي التخدير، على الرغم من عبء العمل المضاعف". وأضاف أنه تم تحويل بعض غرف المرضى إلى أماكن إقامة مؤقتة لاستيعاب العاملين في المجال الطبي الذين يضطرون للعيش داخل المستشفى بسبب المخاطر المحدقة والقيود المفروضة على حرية التنقل داخل المدينة.

علاوة على ذلك، يواجه المرضى خطراً كبيراً في طريقهم للحصول على الرعاية الطبية. فقد وصفت مروى إبراهيم، وهي أم تبلغ من العمر 27 عاماً وضعت مولودها في إحدى غرف الطوارئ المؤقتة تحت الأرض مطلع كانون الثاني/يناير، رحلتها للوصول إلى المستشفى بالخطيرة. وقالت: "لقد مشيت مسافة 10 أميال تقريباً (نحو 16 كيلومتراً)، وهي المسافة من منزلي إلى المستشفى، أثناء المخاض، وتجنّب طائرات من دون طيار تابعة لقوات الدعم السريع والمسلحين الذين يستهدفون المدنيين". وتابعت مروى قائلة: "لقد كانت رحلة مرعبة، إلا أنّ كل شيء سار على ما يرام في نهاية المطاف، وذلك بفضل الأطباء الذين أجروا عملية قيصرية وأنقذوا ابني". 

وفي أكتوبر/تشرين الأول، اتهم تحقيق للأمم المتحدة قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها بارتكاب "جرائم عنف جنسي وعنف قائم على النوع الاجتماعي، والاغتصاب، والاستعباد الجنسي على نطاق واسع". وخلص التقرير إلى أنّ الجيش الوطني السوداني وقوات الدعم السريع "ارتكبا انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي" طوال الصراع.

على الرغم من بناء ملاجئ وخنادق تحت الأرض لحماية العاملين في مجال الرعاية الصحية والمرضى، فإنّ المستشفى العام الوحيد القائم في شمال دارفور يكافح من أجل الاستمرار في خدمة المجتمع. وفي هذا السياق، قالت الدكتورة إيلاف: "إنّ البقاء على قيد الحياة أثناء القيام بهذه المهمة هو صراع في حد ذاته. لكننا مستمرون في أداء واجبنا الإنساني". 

نقلته إلى العربية: زينب منعم

منتصف نيسان/أبريل 2023 تندلع مواجهات عنيفة في الخرطوم وعدة مدن سودانية، بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، وتفشل الوساطات في التوصل لهدنة بين الطرفين.