"Dropsite": ترامب وغزة وتجربة أوسلو المُكررة
تدفع الولايات المتحدة خطتها الاستعمارية، فيما تُواصل "إسرائيل" القتل. يُغيّر محمود عباس قوانين الانتخابات لحظر حماس، وتشتعل معركة حول من يُمثّل قضية التحرير الفلسطينية.
-
"Dropsite": ترامب، غزة، وتجربة أوسلو المُكررة
موقع "Dropsite News" ينشر مقالاً يتناول خطة إدارة دونالد ترامب في مرحلتها الثانية في غزة بعد قرارٍ غير مسبوق لمجلس الأمن يؤيد أجندته، ويركّز على مشروع وصاية دولية بقيادة الولايات المتحدة و"إسرائيل"، يهدف إلى تجريد غزّة من السلاح وفرض إدارة خارجية عليها تحت مسمى "مجلس السلام"، كاشفاً أنّ ما يُسمى "وقف إطلاق النار" ليس سوى غطاء لاستمرار الحرب والاستعمار بكيفية جديدة.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
في أعقاب قرار غير مسبوق لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي أيد أجندة الرئيس دونالد ترامب بشأن غزة في 17 تشرين الثاني/نوفمبر، تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها الآن إلى المضي قدماً في "المرحلة الثانية" من خطتهم لاستعمار غزة وتحويلها إلى مركز للاستثمار الدولي. الهدف هو استخدام قوة دولية، تعمل تحت ما يسمى "مجلس السلام" التابع لترامب، كوسيلة لنزع سلاح المقاومة الفلسطينية في غزة بالكامل وفرض وصاية إمبريالية على قطاع غزة. وفي حين تنص الخطة على أنّ "إسرائيل لن تحتل غزة أو تضمها"، فإنها تمنح "إسرائيل" سلطة واسعة النطاق، وهي مليئة بالغموض الذي قد يبقي القوات الإسرائيلية متمركزة في غزة إلى أجل غير مسمّى.
حظيت خطة ترامب المكونة من 20 نقطة بتأييد مجموعة متنوعة من الدول العربية والإسلامية ومحمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية البالغ 90 عاماً، والذي لا يحظى بشعبية كبيرة، لكنها قوبلت برفض واسع من الفصائل والأحزاب السياسية الفلسطينية الأخرى.
قالت ديانا بوتو محامية حقوق الإنسان التي عملت سابقاً مستشارة للمفاوضين الفلسطينيين: "إنها خطة إسرائيلية أُعيدت تسميتها بخطة ترامب". وأضافت: "جميع الضمانات تُمنح لإسرائيل، ولكن لا توجد ضمانات تُمنح للفلسطينيين. الحقيقة هي أن السيطرة كلها في أيدي إسرائيل. لا يُتنازل عن أي سيطرة لأي شخص آخر؛ يبدو لي تماماً كخطة إسرائيلية أُعيد تسميتها بخطة ترامب، وليس العكس". وتابعت بوتو لموقع "دروب سايت": "لقد كانت خطة مصممة لتخفيف الضغط عن إسرائيل، وفي الوقت نفسه، السماح لها بمواصلة قتل الفلسطينيين، السماح لها بمحاولة تطهير غزة عرقياً. إنها تتطابق تماماً مع ما قالته إسرائيل منذ البداية".
انتهكت "إسرائيل" مراراً وتكراراً اتفاق "وقف إطلاق النار" في غزة، الذي دخل حيز التنفيذ في 10 تشرين الأول/أكتوبر، وهي تشن غارات داخل غزة يومياً، وقد قتلت أكثر من 350 فلسطينياً، 136 منهم على الأقل أطفال. بعد مرور أكثر من شهر على إعلان وقف إطلاق النار وإطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين الأحياء، لا تزال السلطات الإسرائيلية ترتكب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة المحتل، هذا ما اتهمتها به منظمة العفو الدولية في إحاطة إعلامية نُشرت في 27 تشرين الثاني/نوفمبر. وتواصل "إسرائيل فرض ظروف معيشية متعمدة تهدف إلى تدميرهم جسدياً، من دون أي إشارة إلى أي تغيير في نياتها".
ترفض "إسرائيل" السماح بدخول الكميات المتفق عليها من الغذاء والدواء وغيرها من مستلزمات الحياة الأساسية إلى القطاع، ولم تُعِد فتح معبر رفح الحدودي مع مصر حتى الآن. وقد توغلت القوات الإسرائيلية إلى ما وراء ما يُسمى "الخط الأصفر": المواقع المتفق عليها التي ستعيد فيها نشر قواتها في إطار تبادل الأسرى. في غضون ذلك، لا تزال "إسرائيل" تحتل أكثر من نصف غزة، وتواصل عمليات الهدم الشامل في جميع أنحاء شرق غزة، حيث هدمت أكثر من 1500 مبنى منذ 10 تشرين الأول/أكتوبر. وتُنشئ "إسرائيل" بنية تحتية عسكرية هناك استعداداً لما وصفه المسؤولون بأنه وجود غير محدد المدة.
تحدث مسؤولون أميركيون عن إقامة "منطقة خضراء" لإغراء الفلسطينيين بمغادرة المناطق الغربية من غزة، مع وعد بتوفير الغذاء والدواء والمأوى، ما سيؤدي فعلياً إلى إنشاء كانتونين. في المنطقة غير الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي، يتوقع المحللون أن تشن "إسرائيل" ضربات عسكرية منتظمة باسم سحق حماس، فيما تحرم السكان المتبقين من الغذاء والدواء الكافيين.
يقول سامي العريان، الأكاديمي والناشط الفلسطيني البارز ومدير مركز الإسلام والشؤون العالمية في جامعة إسطنبول الزعيم: "سيواصلون قتل الفلسطينيين، على أمل أن يؤدي ذلك إلى طرد جماعي أو نزوح جماعي للفلسطينيين". ويضيف: "سنشهد إبادة جماعية محدودة؛ فبدلاً من مقتل 100 إلى 200 فلسطيني يومياً، كما شهدنا في العامين الماضيين، سيصل العدد إلى 15، 20، 25، 30، 35، بحسب شعور الإسرائيليين في ذلك الصباح".
هذا هو أسلوب "إسرائيل" في لبنان، حيث واصلت القصف بانتظام باسم محاربة حزب الله، رغم اتفاق وقف إطلاق النار المدعوم أميركياً والمُوقّع في تشرين الثاني/نوفمبر 2024.
يقول الدكتور مصطفى البرغوثي، القيادي السياسي الفلسطيني البارز ورئيس المبادرة الوطنية الفلسطينية: "ما يحدث الآن، بوضوح وصراحة، هو أن الحرب لم تنتهِ. إسرائيل لم توقف الحرب، ولم تلتزم بوقف إطلاق النار، فماذا يعني أن تُفرض جميع الشروط الآن على الجانب الفلسطيني؟".
عندما تم التوصل إلى اتفاق "وقف إطلاق النار" مطلع تشرين الأول/أكتوبر في شرم الشيخ في مصر، أبلغت حماس الوسطاء بأنّ صلاحياتها محدودة للتفاوض على شروط إنهاء حرب غزة وإجراء تبادل الأسرى. أما بقية الشروط الشاملة الواردة في اقتراح ترامب، فتحتاج إلى توافق بين جميع الفصائل الفلسطينية، وليس فقط حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني.
في هذه الخطة، تُعدّ "هيئة السلام" السلطة السيادية، وهذا في جوهره شكل من أشكال الوصاية على الشعب الفلسطيني، ونحن لا نقبل الوصاية. يجب أن يمتلك الشعب الفلسطيني السيادة"، هذا ما قاله محمد الهندي، أحد مؤسسي حركة الجهاد الإسلامي وكبير مفاوضيها السياسيين، في مقابلة مع موقع "دروب سايت". وأضاف: "المرحلة الثانية تتعلق بالانسحاب ومستقبل غزة وإدارتها، وحكمها، ومن يحكمها، وعلاقتها بالضفة الغربية، والوضع الفلسطيني العام، وقضية السلاح. هذه القضايا لا تخص فصائل المقاومة وحدها؛ بل تخص جميع الفلسطينيين".
وفقاً لخطة ترامب، ستُدار غزة من قِبل لجنة مكونة من 15 عضواً من التكنوقراط الفلسطينيين غير الحزبيين تحت إشراف هيئة ترامب. قال ترامب في حفل عشاء في البيت الأبيض تكريماً لولي العهد السعودي والحاكم الفعلي للمملكة، محمد بن سلمان، في 18 تشرين الثاني/نوفمبر: "الجميع يرغب في الانضمام إلى المجلس، وسيصبح في النهاية مجلساً كبيراً، لأنه سيضم رؤساء كل دولة كبرى". وأضاف ضاحكاً: "غزة، على الرغم من أنها تبدو فوضوية بعض الشيء، كما كانت لسنوات عديدة، إلا أنها تقترب كثيراً من الكمال".
هذه اللجنة التكنوقراطية الفلسطينية، بحكم تصميمها، ليست مخصصة للعمل كحكومة فعلية، بل لعقد اجتماعات مع البيروقراطيين المحليين لتنفيذ إملاءات مجلس ترامب. وستكون "مسؤولة عن إدارة الخدمات العامة والبلديات يومياً" تحت "إشراف ورقابة" المجلس الذي يرأسه ترامب.
ستبقى اللجنة التي يرأسها ترامب، والتي من المقرر أن تضم أيضاً رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، السلطة العليا في غزة، إلى أن تُجرى "إصلاحات" كافية للسلطة الفلسطينية وتتمكن من "استعادة السيطرة على غزة بشكل آمن وفعال"، وفقاً للخطة. لا تسيطر السلطة الفلسطينية، التي لا تحظى بشعبية كبيرة، إلا على جزء صغير من الضفة الغربية المحتلة، وتعمل بمنزلة منفذ محلي للاحتلال الإسرائيلي، وينظر إليها الفلسطينيون على نطاق واسع على أنها فاسدة وغير ديمقراطية وغير شرعية. لا توضح خطة ترامب الإجراءات المحددة التي يتعين على السلطة الفلسطينية اتخاذها أو جدولاً زمنياً لهذه العملية.
"من يقرر أنّ السلطة الفلسطينية قد أنجزت هذه الإصلاحات؟". سأل الهندي، مشيراً إلى أنّ "مجلس ترامب سيخضع للإملاءات الإسرائيلية، وهذا الغموض هو العقبة الحقيقية التي ستؤدي إلى فشل الخطة التي اقترحها ترامب وستحول دون أي استقرار في المنطقة".
على المستوى التقني، ثمة جوانب في خطة ترامب بشأن غزة تُشبه، ظاهرياً، بعض المفاهيم التي أعربت حماس وفصائل فلسطينية أخرى عن دعمها لها؛ فقد رحّبت بمقترحات نشر قوة دولية، وإنشاء صندوق دولي لإعادة إعمار غزة، وتشكيل هيئة مؤقتة من خبراء فلسطينيين مستقلين لتولي مسؤولية غزة. ورغم وجود نسخ من هذه المقترحات في خطة ترامب، فإنها تخدم الاستعمار والسيطرة الأجنبية، وترافقها مطالبة بنزع السلاح الكامل عن غزة ونزع سلاحها.
قال إحسان عطايا، عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي، في مقابلة مع موقع "دروب سايت": "نتعامل دائماً مع أي قرار أو موقف أميركي بحذر شديد، لأنّ الولايات المتحدة تُدير الحرب على شعبنا الفلسطيني، وهي شريك أساسي للعدو الصهيوني في الحرب الأخيرة على غزة". وأضاف: "يسعى ترامب لتحقيق مكاسب معينة لمصلحة إسرائيل، التي عجزت حتى مع حلفائها، وفي مقدمتهم أميركا، وبكل قوتهم العسكرية عن تحقيقها خلال حرب ضارية استمرت عامين، وهذا أمر لا يمكن للمقاومة قبوله". لم تشهد قضية التحرير الفلسطينية منذ اتفاقيات أوسلو في تسعينيات القرن الماضي مثل هذه اللحظة التاريخية؛ فقد رسّخت اتفاقيات أوسلو تجميد الحقوق والتنازل عن المطالب الفلسطينية، وسهّلت التوسع الدراماتيكي لحرب الغزو والإبادة الإسرائيلية، والتي بلغت ذروتها بإبادة غزة.
يدور في قلب الحوار الفلسطيني الداخلي حالياً صراعٌ محتدم حول من يتحدث باسم فلسطين؛ فبينما يتحكم عباس رسمياً في زمام السلطة داخل منظمة التحرير الفلسطينية، التي اعترفت بها "إسرائيل" رسمياً "كممثل شرعي ووحيد" للشعب الفلسطيني في التسعينيات، من السخافة الادعاء بأن النسخة الحالية من منظمة التحرير الفلسطينية هي الجسم الديمقراطي الذي يمثل إرادة شعبه.
تأسست السلطة الفلسطينية عام 1994 خلال مفاوضات أوسلو من قبل منظمة التحرير الفلسطينية، وكان من المفترض أن تكون مشروع "حكم ذاتي" مؤقتاً لمدة خمس سنوات. ولا تزال منظمة التحرير الفلسطينية هي الجسم الفلسطيني الوحيد المعترف به دولياً والمكلف بالتفاوض على المعاهدات أو إنشاء السفارات. عباس هو رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ورئيس السلطة الفلسطينية، وزعيم حركة فتح.
تحت ضغط من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، يسعى عباس حالياً إلى حظر الأحزاب الفلسطينية التي لا ترضخ لمطالب الاعتراف بـ"إسرائيل"، والتي لن تتخلى عن المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي. على الجانب الآخر من الحوار الفلسطيني الداخلي، تقف تقريباً كل حركة سياسية مهمة أخرى في فلسطين، بما في ذلك قطاعات من حركة فتح الحاكمة التي يتزعمها عباس. وتطالب هذه الحركات بإعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية بالكامل، بما يضمن عملها بما يتناسب مع الإرادة الديمقراطية للمواطنين.
وصف مسؤول كبير في منظمة التحرير الفلسطينية، مقرب من عباس، فلسطين مؤخراً بأنها في "مرحلة اتفاق انتقالي"، فيما تصفها حماس وحركات مقاومة أخرى بأنها "مرحلة تحرير وطني".
أوضحت الولايات المتحدة أنها مهتمة فقط بالتعامل مع "شريك" فلسطيني مُفرّغ ومرن لتنفيذ أجندة ترامب. السؤال المحوري هو: كيف ستتعامل حماس والسلطة الفلسطينية والجهات الفلسطينية الفاعلة الأخرى مع هذه المطالب، التي تُطرح تحت تهديد استئناف حرب شاملة؟ يبدو أن السلطة الفلسطينية تحت ضغط، ليس من الولايات المتحدة فحسب، بل أيضاً من القوى الأوروبية والعديد من الدول العربية التي تسير على طريق الاستسلام لأجندة ترامب. إنّ كل الفصائل الفلسطينية الأخرى تقريباً تدين بصوت عالٍ الطبيعة الاستعمارية للخطة، وتدعو إلى الإجماع الوطني قبل إضفاء الطابع الرسمي على أي اتفاق.
نقله إلى العربية: الميادين نت.