"Dropsite": ترامب يصعّد حربه غير المعلنة ضد أفقر دولة عربية
في الوقت الذي تعهّد ترامب باستخدام "قوة مميتة ساحقة" لوقف الحصار البحري الحوثي الذي يستهدف حرب "إسرائيل" على غزة، قُتل العشرات من المدنيين في القصف الأميركي الذي طال مختلف أنحاء اليمن.
-
عشرات اليمنيين قضوا نتيجة الهجمات الأميركية
موقع "Dropsite News" ينشر تقريراً يتناول الهجوم الأميركي على اليمن المستمر منذ أيام، ويتطرّق إلى تأثير هذا الهجوم على الدولة اليمنية واليمنيين، مشيراً إلى أنّ هذه الهجمات هي نيابة عن "إسرائيل" ولن تثني اليمنيين عن مواصلة دعمهم لغزة.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
يوم السبت، كان ناصر محمد سعد يتناول وجبة الإفطار في منزل صديقه عندما تلقّى مكالمة هاتفية من عائلته تفيد بتعرّض منزله في منطقة الجراف، شمال العاصمة اليمنية صنعاء، لأضرار جسيمة من جرّاء غارات جوية أميركية استهدفت منزلاً على بُعد 50 متراً فقط. هرع سعد، البالغ من العمر 45 عاماً، إلى منزله ليرى ما خلّفه هذا العدوان من دمار. وقال لموقع "دروب سايت نيوز": "تحطّمت نوافذ المنزل، وانخلعت الأبواب، وأصيبت خزانات المياه ببعض الشظايا". وكانت زوجته واثنان من أبنائه داخل المنزل وقت حدوث الهجوم.
في وقت متأخّر من ليل السبت الفائت، قصفت طائرات حربية أميركية صنعاء و7 محافظات يمنية أخرى، في ما وصفه مسؤولون في وزارة الدفاع الأميركية بأنه بداية حملة عسكرية واسعة النطاق ضدّ الحوثيين. وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن هذه الضربات أصابت رادارات ودفاعات جوية وأنظمة صواريخ وطائرات مسيّرة، في حين زعم مسؤولون أميركيون أنها استهدفت قائداً حوثياً كبيراً واحداً على الأقل، من دون إعطاء أيّ تفاصيل إضافية. كما استهدفت الغارات البحرية والجوية مناطق سكنية، ولا سيما في العاصمة صنعاء ومحافظة صعدة.
ورداً على هذه الغارات، قالت القوات المسلحة اليمينة يوم الأحد إنها استهدفت حاملة الطائرات "يو أس أس هاري أس ترومان" (U.S.S. Harry S. Truman) الموجودة في البحر الأحمر بـ18 صاروخاً باليستياً وصاروخاً موجّهاً وطائرة مسيّرة.
وتمثّل الهجمات الأميركية التي بلغ عددها حتى صباح الأحد فقط 47 غارة، واحدة من أكبر الضربات التي وجّهتها الولايات المتحدة إلى اليمن في يوم واحد منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023. وقد بلغت الحصيلة الأولية لهذه الهجمات 32 قتيلاً وأكثر من 100 جريح. ففي صنعاء، أشارت التقارير الأولية إلى مقتل 13 شخصاً على الأقل وإصابة 9 آخرين من جرّاء الغارات. وفي محافظة صعدة، شمالي العاصمة، أفادت التقارير بمقتل 4 أطفال وامرأة وإصابة 15 آخرين في غارات استهدفت منزلين. وقال أنيس الأصبحي، المتحدّث باسم وزارة الصحة في صنعاء، لموقع "دروب سايت": "معظم الإصابات من الأطفال والنساء"، مشيراً إلى أنّ فرق الإنقاذ لا تزال تنتشل الضحايا من تحت الأنقاض، وأنّ عدد القتلى مرشّح للارتفاع.
وقد أظهرت المشاهد المصوّرة داخل مستشفى صعدة حالة من الفوضى، حيث كان المسعفون ينقلون المصابين، بمن فيهم أطفال ونساء، على نقّالات إلى المستشفيات وعبر الممرات. وكان الأطفال المصابون بجروح بالغة يصرخون، وبعضهم كانت وجوههم ملطّخة بالدماء ومحترقة. بينما كان آخرون مُغطّين بالغبار والدماء، في إشارة إلى انتشالهم من تحت الأنقاض. وبعض الضحايا الصغار تفحّموا لدرجة يصعب معها التعرّف إليهم.
وأفاد ناصر بأنّ 4 غارات جوية أصابت المنزل المجاور لمنزله بشكل مباشر، ما أدّى إلى تضرّر جميع المنازل المحيطة تقريباً. وأشار إلى أنه ليس على علم بوجود أيّ مواقع عسكرية في المنطقة المستهدفة، وقال إنّ "المنزل الذي قُصف يعود لمواطن لا علاقة له بأيّ شيء"، واصفاً الهجمات بأنها "عدوان وحشي وبربري يستهدف المدنيين وليس منشآت عسكرية أو حكومية. وهذه الهجمات لم تستهدف سوى الأبرياء من الأطفال والنساء وكبار السن المروّعين".
وقد جاءت هذه الغارات رداً على استئناف الحوثيين حصارهم البحري على السفن الإسرائيلية العابرة للبحر الأحمر، في وقت صرّح قائد أنصار الله، السيد عبد الملك الحوثي، بأنّ هذا الإجراء جاء رداً على إعادة فرض "إسرائيل" حظراً شاملاً على إيصال المساعدات إلى قطاع غزة المحاصر في 2 آذار/مارس، في انتهاك لاتفاق وقف إطلاق النار الذي وقّعته "إسرائيل" وحماس في كانون الثاني/يناير. وبمجرّد الإعلان عن اتفاق غزة، أوقف الحوثيون هجماتهم على الممرات البحرية تماماً. وفي 8 آذار/مارس، هدّد زعيم الحوثيين باستئناف العمليات البحرية خلال 4 أيام إذا لم تسمح "تل أبيب" بدخول المساعدات إلى قطاع غزة. وفي 13 آذار/مارس، أصدرت القوات المسلحة اليمينة بياناً أعلنت فيه أنّ أيّ سفينة إسرائيلية تحاول اختراق الحصار ستتعرّض للاستهداف حتى تسمح "إسرائيل" بدخول المساعدات الإنسانية، بما في ذلك الغذاء والدواء، إلى غزة.
وكان الرئيس دونالد ترامب قد أعطى الضوء الأخضر لبدء الهجوم يوم الجمعة عقب اجتماعات رفيعة المستوى في البيت الأبيض مع كبار المسؤولين الأمنيين. وفي منشور له على منصة "تروث سوشل" (Truth Social)، وصف ترامب الهجمات بأنها "عمل عسكري حاسم وقوي"، واتهم الحوثيين بشنّ "حملة متواصلة من القرصنة والعنف والإرهاب ضد السفن والطائرات والطائرات المسيّرة الأميركية وغيرها". كما ألقى اللوم على الرئيس السابق جو بايدن، واصفاً إياه بأنه "ضعيف بشكل مثير للشفقة"، وأشار إلى أنه سيصعّد الهجمات الأميركية على اليمن بشكل كبير. وكتب ترامب: "إلى جميع الإرهابيين الحوثيين، انتهى وقتكم، ويجب أن تتوقّف هجماتكم ابتداءً من اليوم. إن لم تفعلوا، جهنم ستُمطر عليكم كما لم تروا من قبل!"
وادّعى ترامب أنه قد مرّ أكثر من عام منذ أن أبحرت سفينة تجارية تحمل العلم الأميركي بسلام عبر قناة السويس أو البحر الأحمر أو خليج عدن بسبب هجمات الحوثيين. وأشار إلى أنّ آخر سفينة حربية أميركية عبرت البحر الأحمر، قبل 4 أشهر، استُهدفت أكثر من 12 مرة. وكتب: "لقد كلّفت هذه الهجمات المتواصلة الاقتصاد الأميركي والعالمي مليارات الدولارات، وعرّضت في الوقت نفسه أرواح الأبرياء للخطر. لن نتسامح مع هجوم الحوثيين على السفن الأميركية وسنستخدم القوة المميتة الساحقة لتحقيق هدفنا".
اقرأ أيضاً: "وول ستريت جورنال": في اليمن.. ترامب يهاجم جماعة صمدت أمام أعداء أقوياء
في المقابل، استنكر المتحدّث باسم الحوثيين وكبير المفاوضين محمد عبد السلام ما أسماه بـ"وصف ترامب الكاذب والمضلل" للعمليات البحرية الحوثية. وقال إنّ "الحصار البحري الذي أعلنته اليمن دعماً لغزة اقتصر على الملاحة الإسرائيلية فحسب حتى وصول المساعدات الإنسانية لأهالي غزة، وفقاً لاتفاق وقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية وكيان العدو". ولم تتعرّض أيّ سفن تجارية أو عسكرية أميركية للهجوم منذ كانون الأول/ديسمبر، أي قبل تنصيب ترامب. وأضاف أنّ "الضربات الجوية الأميركية تمثّل عودة إلى عسكرة البحر الأحمر، وهو التهديد الحقيقي للملاحة الدولية في المنطقة".
من جانبه، أصدر المكتب السياسي لأنصار الله بياناً أوضح فيه أنّ الهجوم الأميركي سببه دعم اليمن لفلسطين، ونُفّذ بالنيابة عن "إسرائيل". وجاء في البيان: "نؤكّد أنّ العدوان لن يمرّ من دون ردّ وأنّ قواتنا المسلحة على أتم الجاهزية لمواجهة التصعيد بالتصعيد حتى تحقيق النصر بإذن الله. ونؤكد أن هذا العدوان لن يثني الشعب اليمني عن الاستمرار في دعم فلسطين والقيام بواجباته الدينية والإنسانية في نصرة أهل غزة ومقاومتها ومجاهديها الأبطال".
ولم يكتفِ ترامب بتهديد الحوثيين، بل خاطب إيران، حليفة الحوثيين التي اتهمها بدعم الهجمات بشكل مباشر، قائلاً: "لا تهدّدوا الشعب الأميركي ولا رئيسه، ولا ممرات الشحن العالمية. وإن فعلتم ذلك، فاحذروا؛ لأن الولايات المتحدة ستحاسبكم ولن نتهاون معكم في هذا الشأن!" وعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية، اقترح ترامب والقادة الإيرانيون إمكانية إجراء محادثات مباشرة، على الرغم من أن ترامب صرّح علناً بأنه لن يقبل أبداً امتلاك إيران للأسلحة النووية.
ورداً على ذلك، نفى الجنرال حسين سلامي، رئيس حرس الثورة الإيراني، وقوف إيران وراء عمليات الحوثيين، قائلاً إنّ طهران "لا تؤدّي أيّ دور في تحديد السياسات الوطنية أو العملياتية" لحلفائها في محور المقاومة. وقال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقتشي إنّ الولايات المتحدة "لا تملك أيّ سلطة لرسم مسار السياسة الخارجية الإيرانية. فقد انتهى ذلك العهد عام 1979"، مضيفاً: "أوقفوا دعمكم للإبادة الجماعية والإرهاب الإسرائيلي. أوقفوا قتل الشعب اليمني".
في أعقاب الحرب الإسرائيلية على غزة والدعم العسكري الذي قدّمه الحوثيون لفلسطين، من خلال مهاجمة السفن الإسرائيلية والأميركية وحلفائهما في الممرات المائية اليمنية وتوجيه الضربات لـ"إسرائيل"، شكّلت الولايات المتحدة تحالفاً لاستهداف ترسانات الأسلحة الحوثية وحماية حركة الملاحة البحرية. ومع ذلك، لطالما أقرّ الخبراء والمسؤولون الأميركيون بأنّ الهجمات التي تقودها الولايات المتحدة على اليمن لم تُضعف قدرات الحوثيين أو تُوقف عملياتهم البحرية. ويُعتقد أنّ الحوثيين يمتلكون ترسانة أسلحة ضخمة تحميها سلاسل الجبال اليمنية، ومخزّنة في أعماق الأرض. ولسنوات، واجه محلّلو الاستخبارات الأميركية صعوبة في تحديد مواقع هذه الترسانة أو ابتكار طرق للقضاء عليها.
وأشار ترامب وفريقه الأمني إلى أنّ الهجمات العسكرية ستستمرّ في حال ردّ الحوثيون، ما قد يؤدّي إلى تعطيل حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر، الذي يمرّ عبره 15% من التجارة العالمية. وقد حثّ المكتب الحكومي في صنعاء المجتمع الدولي على معالجة "هذا التهور الأميركي- الإسرائيلي"، محذراً من أنّ الفشل في كبح جماح التصرفات الأميركية والإسرائيلية "قد يفتح الباب على مصرعيه لعواقب لن يقتصر تأثيرها على طرف معيّن، بل سيؤثّر على الجميع، في حال لم يتمّ وقف هذا التهور والغطرسة الأميركية - الإسرائيلية".
وفي هذا السياق، انتقد إريك سبيرلينغ، المدير التنفيذي لمجموعة المناصرة "جاست فورين بوليسي" (Just Foreign Policy)، قرار ترامب بتصعيد الحرب في الشرق الأوسط ووصفه بأنه "متهور وغير دستوري"، قائلاً إنه "يتجاهل الأزمة الإنسانية المدمّرة في اليمن والإرادة الواضحة للناخبين الأميركيين الذين يريدون إنهاء الحرب التي لا نهاية لها". وأضاف سبيرلينغ، وهو موظف سابق في الكونغرس يعمل على سياسة اليمن منذ عام 2015، "إنّ هذا التصعيد لن يثني قيادة صنعاء، بل سيزيد من معاناة اليمنيين الأشدّ تأثّراً فحسب".
لقد سلّط دعم الحوثيين لفلسطين، وما تلاه من ردّ أميركي، الضوء على اليمن، أفقر دول المنطقة وأكثرها عزلة. فقد خرج ملايين اليمنيين إلى الشوارع بعد صلاة الجمعة تضامناً مع فلسطين في ظل الحرب الإسرائيلية على غزة. وحظي موقف الحوثيين بدعم شعبي في المنطقة العربية، حيث لم يحرّك الكثير من الحكّام ساكناً في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر على فلسطين. وقد أشادت حماس وفصائل فلسطينية أخرى باليمن، معتبرةً إياه داعماً صادقاً وصامداً في وجه "إسرائيل"، رغم موارده المحدودة. وأعربت حماس في بيان لها، مساء السبت، عن تضامنها الكامل مع اليمن والشعب اليمني الشقيق، مثمّنةً خطواتهم المباركة في دعم صمود شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة في مواجهة حرب الإبادة التي تُمثّل وصمة عار على جبين الإنسانية".
بعد وقوع هذه الهجمات، انتقلت عائلة ناصر إلى صنعاء. وقال: "هناك ساحات للمواجهة، فليواجهنا العدو في ساحة المعركة. إن الهدف من هذه الغارات هو قتل أكبر عدد ممكن من الأبرياء وارتكاب مجازر مروّعة، كتلك التي يرتكبونها في غزة، لترويع الناس".
نقلته إلى العربية: زينب منعم