"Dropsite News": آلاف القنابل الإسرائيلية غير المنفجرة حوّلت غزّة إلى حقل ألغام

نتيجة انفجار قنابل إسرائيلية لم تنفجر حين ألقيت، أُصيب 5 أطفال فلسطينيين مؤخّراً بجروح في أثناء قيامهم بالبحث عن الحطب وسط أنقاض مدينة غزّة.

0:00
  • زين نور وجود الأنقر يتعافيان في مستشفى الشفاء بمدينة غزة بعد إصابتهما بعبوة غير المنفجرة
    زين نور وجود الأنقر يتعافيان في مستشفى الشفاء بمدينة غزة بعد إصابتهما بعبوة غير منفجرة

موقع "Dropsite News" ينشر تقريراً يوثّق الكارثة الإنسانية الناتجة عن الذخائر الإسرائيلية غير المنفجرة في قطاع غزة بعد الحرب، من خلال قصة إنسانية مؤلمة لعائلة فلسطينية فقدت أطفالها بسبب انفجار قنبلة لم تنفجر أثناء القصف، لتصبح مثالاً على الخطر المستمر الذي يهدّد السكان حتى بعد وقف إطلاق النار.

أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:

يقول محمد نور لموقع "دروب سايت"، وهو العائد مع عائلته من خان يونس إلى مدينة غزّة في الـ13 من الشهر الماضي، بعد 3 أيام من دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، برفقة آلاف الفلسطينيين الآخرين: "بمجرّد إعلان الهدنة وفتح الطريق إلى مدينة غزّة، عُدنا فوراً، وكُنّا من أوائل العائدين بسبب مُعاناتنا في النزوح".

وقد نصبت العائلة خيمةً خلف مستشفى الشفاء مباشرةً، في منطقة امتلأت، كما هو الحال في معظم أنحاء المدينة، بأكوام كبيرة من الأنقاض والحطام في إثر القصف الجوي الإسرائيلي المركّز. يضيف نور: "كانت الساعة حوالي العاشرة أو الحادية عشرة صباحاً، فقلت للأطفال: اذهبوا وأحضروا بعض الكرتون والخشب وبعض البلاستيك لنشعل ناراً. أردنا أن نُحضر شيئاً للأطفال ليأكلوه. كُنّا قد وصلنا توّاً، ولم يكن لدينا ما نحرقه ونشعله".

ذهب ابنه البالغ من العمر 11 عاماً، مع ابنَي عمّته وولدين في مثل سنّهما، مسافة 10 أمتار تقريباً من الخيمة، وبدأوا البحث بين الأنقاض. قال نور: "ما إن سحب أحد الأطفال قطعة خشب، حتى انفجر شيء ما، وطار الأطفال جميعهم في الهواء، وفجأةً رأيت الناس يطيرون. لم أكن أدرك أنّهم أطفالنا. ركضت نحوهم، فوجدت ابني مُعلَّقاً على السياج، وابن أختي وابن أخي جميعهم بجانبه، وكانت حالتهم مُزريةً جدّاً".

وفي مختلف أنحاء غزّة، وتحت ملايين الأطنان من الأبنية المدمَّرة، وقضبان الحديد الملتوية، لا توجد آلاف الجثث فحسب، بل آلاف الذخائر غير المنفجرة أيضاً. تقول غدير، شقيقة محمد نور: "هرعتُ إلى الخارج عندما سمعت دويَّ الانفجار، وكان ابني يركض ويصرخ وسط الغبار. لم أتعرَّف عليه، كان مُغطّى بالكامل بالدماء ومصاباً بالشظايا، ووجهه مغموراً بسواد الرماد والحطام، عرفته فقط من لون قميصه الأزرق".

حملوا أطفالهم بين أذرعهم إلى مستشفى الشفاء، مُلطَّخين بالدماء، وساقا زين، ابن نور، مصابتان بجروح بالغة حيث تمزَّق اللحم عن العظم. أمّا جود، ابن شقيقته، فقد تمزَّق جزء من إحدى ساقيه. لم يكونوا يصرخون ولا يبكون أثناء نقلهم إلى المستشفى، بل كانوا في حالة صدمة. أمّا الصبية الثلاثة الآخرون، الذين كانت إصاباتهم أقلَّ خطورة، فقد أُدخلوا أيضاً، ووُضعوا على أرضية المستشفى أو على أسِرَّة معدنية من دون مراتب.

في اليوم التالي، لفتت دائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلِّقة بالألغام الانتباه إلى الحادثة، وأعلنت في بيان: "أفادت التقارير بإصابة خمسة أطفال، اثنان منهم في حالة حرجة للغاية، أثناء مواجهتهم ذخائر غير منفجرة وسط الأنقاض بالقرب من مستشفى الشفاء في غزة". وبعد وقف إطلاق النار، لا يزال خطر الذخائر غير المنفجرة قائماً، ومع نزوح مئات الآلاف من المدنيين والعاملين في المجال الإنساني، تتزايد هذه الأخطار.

كذلك وثّقت دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلّقة بالألغام مقتل 52 فلسطينياً وإصابة 267 آخرين على الأقلّ بانفجار هذه الذخائر الكامنة في غزّة خلال العامين المنصرمين. وكان قد قال رئيس دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلّقة بالألغام في الأرض الفلسطينية المحتلة لوك إيرفينغ، في مؤتمر صحفي عقد في وقت سابق من هذا الشهر، "نتوقّع أن يكون هذا الرقم أقلَّ بكثير من الواقع". وأضاف، "للأسف، يُمكننا تقدير أنّ عدداً أكبر بكثير من الأشخاص قد أصيبوا أو قتلوا بسبب الذخائر المتناثرة في غزّة خلال العامين الماضيين".

لقد ألقت "إسرائيل" عشرات آلاف أطنان القنابل، ومعظمها أميركية الصنع على غزّة، وهي تفوق مجموع وزن القنابل التي ألقيت على لندن ودريسدن وهامبورغ خلال الحرب العالمية الثانية بأكملها. وحذّرت دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلّقة بالألغام من أنّ ما بين 5% و10% من الأسلحة التي أطلقت على غزّة لم تنفجر، ممّا حول القطاع إلى حقل ألغام بالفعل.

وقال إيرفينغ أيضاً إِنّ دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلّقة بالألغام، "تشعر بقلق عميق إزاء الخطر المتزايد الذي تشكّله هذه الذخائر في الأيام والأسابيع والأشهر والسنوات المقبلة" بينما يقوم الناس في غزة بفرز الأنقاض والبدء في إعادة البناء".

وأفاد موقع "ذا ماركر" الإخباري الإسرائيلي الملحق المالي لصحيفة "هآرتس"، أنّ سلاح الجو الإسرائيلي كان على علم بوجود ما لا يقلّ عن 3000 قنبلة غير منفجرة في غزّة حتى نيسان/أبريل الماضي. الآن، تمكّنت دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلّقة بالألغام من تحديد ما لا يقلّ عن 560 ذخيرةً غير منفجرة في المناطق التي تمكّنت الدائرة من الوصول إليها. يضيف إيرفينغ، "مع ذلك، لن نعرف المدى الكامل للتلوّث في غزّة إلا بعد إجراء مسح شامل، بينما ستزداد التهديدات مع تنقّل الناس، وخاصة مع بدء جهود البناء وإعادة الإعمار والإنعاش".

في الأسبوع الماضي في مدينة غزّة، عملت جرّافة منفردةً على إزالة أكوام الأنقاض من شارع النصر لإعادة فتحه بدفعها إلى جوانب الطريق قبل أن تجمعها وتضعها في شاحنة متوقّفة. وقد استخدم البعض المكانس لدفع القطع الصغيرة بعيداً عن واجهات المباني القليلة القائمة. وبحث الرجال بين الأنقاض عن حطب أو أيّ شيء يمكنهم إنقاذه واستخدامه.

يقول محمد مشتهى أحد النازحين العائدين، بصراحة، "صُدمنا بحجم الدمار بين النزوح الأول والثاني. بعد النزوح الثاني، كان الدمار شاملاً. بدت المنطقة كأنّها فيلم رعب، والشوارع مغلقة بالدمار مشينا حتى وصلنا إلى المنزل. وكان الأمر صعباً بسبب الصخور والمعادن، كانت هناك أيضاً أشياء مثل بقايا ذخائر لم تنفجر، لذلك "كُنّا نخشى المشي خوفاً ممّا قد يكون بين الركام في طريقنا".

وإلى جانب استمرارها في قصف وإطلاق النار على الفلسطينيين بشكل يومي تقريباً منذ دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، منعت "إسرائيل" الحدّ الأدنى من المساعدات الإنسانية والمعدّات والموارد من الدخول إلى غزّة، في انتهاك للاتفاق، ممّا يجعل من المستحيل تقريباً البدء في التعامل مع الكميات الهائلة من الذخائر غير المنفجرة التي حوّلت جغرافية غزّة إلى منطقة قاتلة.

يقول المتحدّث باسم الدفاع المدني محمود بصل لموقع "دروب سايت"، "نتحدّث عن 71 ألف طنّ من المتفجّرات الموجودة حالياً في قطاع غزّة". وأضاف، "لا تزال هذه الذخائر موجودةً، وقد تنفجر في أيّ لحظة. قد يحدث ذلك عندما يعبث بها الأطفال، أو في أثناء عمل فرق الدفاع المدني على انتشال الجثث. قد يحدث تصادم، ويؤدّي إلى انفجار"

كما أنّ فرق الدفاع المدني ليست مُكلَّفةً بإزالة الذخائر غير المنفجرة، لكنّها تساعد على تنسيق الجهود، وهي الجهة الرئيسية في غزّة التي تحاول انتشال آلاف الجثث المدفونة تحت الأنقاض. يضيف بصل، "لقد قتل الاحتلال الإسرائيلي 90% من أفراد وحدة الهندسة التي كانت تعمل في غزّة، ودمّر الموارد اللازمة لنقل مُخلّفات القنابل من منطقة إلى أخرى، والمطلب الملحُّ الآن هو تشكيل فرق مُتخصصة لمعالجة هذه المشكلة، وتزويدها بالمعدّات والإمكانات والمركبات اللازمة لنقل هذه الصواريخ شديدة الانفجار والكبيرة الحجم المتبقّية المُهدِّدة لحياة السكّان في القطاع".

بعد أكثر من أسبوعين من الانفجار، لا يزال الطفلان زين وجود يتعافيان في مستشفى الشفاء. جسداهما مغطيان بالجروح والحروق، وأرجلهما وأجزاء من أيديهما وأصابعهما ملفوفة بضمادات سميكة. تقول نور شقيقة محمد، ليتني مكان الأطفال، لقد كانت مأساة. هذه واحدة من انتهاكات الاحتلال، لقد "كان الأمر صعباً للغاية علينا. ورؤية الأطفال يتألمون كانت كالصاعقة تضرب قلوبنا".

نقله إلى العربية: حسين قطايا.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.