"Responsible Statecraft": الملك الأردني يقف في وجه فوهة البندقية

بدا الملك الأردني غير مرتاح وتهرّب من أسئلة الصحافيين، في حين كرّر ترامب الدعوة إلى إخلاء غزة وإجبار الأردن على قبول مليون لاجئ.

0:00
  • لقاء الملك الأردني بترامب في البيت الأبيض
    لقاء الملك الأردني بترامب في البيت الأبيض

مجلة "Responsible Statecraft" الأميركية تنشر مقالاً للكاتبة والباحثة والدبلوماسية السابقة في وزارة الخارجية الأميركية أنيل شيلين تناولت فيه زيارة الملك الأدرني عبد الله الثاني إلى البيت الأبيض، والأزمة السياسية التي قد تحصل إذا أجبر ترامب الأردن على قبول مليون لاجئ من غزة.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

لقد التقى الملك الأردني عبد الله الثاني بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، وبعد ذلك خلال مؤتمر صحافي قصير، تجنّب الإجابة عن أسئلة الصحافيين حول إصرار ترامب على قبول اللاجئين الفلسطينيين من غزة.

وقال عبد الله إنّه سيحتاج إلى انتظار زعماء عرب آخرين، بمن في ذلك ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قبل الردّ بشكل مباشر. سيجتمع الرئيس السيسي وقادة عرب آخرون في القاهرة في 27 شباط/فبراير، لاقتراح بديل لخطة ترامب لإخراج الفلسطينيين بالقوة من غزة، وهو ما سيكون جريمة حرب.

من جانبه، أكد ترامب أنّ الفلسطينيين لا يريدون البقاء في غزة، وسيكونون سعداء بالمغادرة، وأنهم لن يرغبوا في العودة. لم يتطرّق ترامب إلى الأسئلة حول كيفيّة تعامله مع حقيقة أنّ العديد من الفلسطينيين سيرفضون المغادرة. جالساً إلى جانب الملك عبد الله، الذي بدا غير مرتاح، بدا ترامب وكأنه يتراجع عن نيّته إجبار الأردن على قبول الفلسطينيين من خلال حجب المساعدات الأميركية للمملكة، وهو ما يفعله بالفعل.

إنّ الأردن في موقف صعب، نظراً لاعتماد البلاد على الدعم الأميركي، الذي يشكّل نحو 10% من ميزانيتها الوطنية. وبالمثل تعتمد مصر على المساعدات الأميركية. فقد بدأت الدولتان في تلقّي المزيد من الدعم المالي من الولايات المتحدة بعد توقيع معاهدتي السلام مع "إسرائيل" في عامي 1979 و1994 على التوالي.

وعندما سأله بريت بيير من قناة "فوكس نيوز" عن الكيفيّة التي سيقنع بها الأردن ومصر باستقبال نحو مليون لاجئ فلسطيني لكلّ منهما، قال ترامب: "نحن نعطيهما مليارات ومليارات الدولارات سنوياً". ويشمل خفض ترامب للمساعدات الخارجية 1.45 مليار دولار ترسلها الولايات المتحدة إلى الأردن سنوياً. ومن الواضح أنّ الأردن مدينة للولايات المتحدة من وجهة نظر ترامب، وبالتالي ينبغي أن تكون على استعداد لاستقبال اللاجئين الفلسطينيين.

قد لا يدرك ترامب أنه بمحاولته إرغام الملك عبد الله على قبول الفلسطينيين، فإنه لا يخاطر بالعلاقة بين الولايات المتحدة والأردن فحسب، بل وربما يخاطر أيضاً باستعداد الدول العربية الأخرى للشراكة مع أميركا. يبدو أنّ ترامب يعتقد أنّ الولايات المتحدة ترسل مساعدات عسكرية وإنسانية إلى الأردن ودول أخرى ولا تتلقّى سوى القليل في المقابل، بدلاً من إدراك أنّ الدعم الأميركي للدول الأخرى أدّى دوراً رئيسياً في الحفاظ على الزعامة الأميركية، وعندما تُجبر على قبول الانتحار السياسي من أجل دعم أجندة ترامب الإقليمية، فإن دولاً مثل الأردن ستسعى بشكل متزايد إلى شركاء آخرين.

وعلاوة على ذلك، يبدو أنّ ترامب لا يدرك أنه يشكّل تهديداً وجودياً لحكم عبد الله واستقرار حليف رئيسي غير عضو في حلف شمال الأطلسي. نحو نصف عدد سكان الأردن بالفعل من الفلسطينيين، بسبب عمليات الطرد الإسرائيلية السابقة للفلسطينيين في عامي 1948 و1967. الأردنيون غاضبون من حرب "إسرائيل" على غزة. 94% من السكان يقاطعون البضائع الأميركية نتيجة لدعم الولايات المتحدة لحرب "إسرائيل" على غزة. وقعت بالفعل ثلاث هجمات على الحدود أو السفارة الإسرائيلية. إذا أُجبر مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين الجدد على الذهاب إلى الأردن، فمن المرجّح أن ينهار الوضع الراهن الهشّ. إنّ حكومة عبد الله قد تتعرّض للإطاحة، ونظراً للنجاح الذي حقّقه الإخوان المسلمون في الانتخابات البرلمانية في أيلول/سبتمبر الماضي، فإنّ الحكومة التي من المرجّح أن تحلّ محلّها لن تكون مهتمة بتوقيع معاهدة سلام أخرى مع "إسرائيل"، أو تكون على استعداد لاستضافة القوات الأميركية.

وبالإضافة إلى عدم الاستقرار السياسي الذي قد ينتج عن ذلك، فإنّ الأردن ببساطة لا يملك الموارد الكافية لاستيعاب اللاجئين الإضافيين. فالأردن يفتقر إلى المياه الكافية لسكانه الحاليين، وهو الندرة التي تفاقمت بسبب عبء اللاجئين الذي تحمّله الأردن نتيجة للصراعات السابقة، بما في ذلك الغزو الأميركي للعراق في عام 2003 وسنوات الحرب الأهلية في سوريا. وظلّ الأردن معقلاً للاستقرار النسبي على الرغم من الاضطرابات الإقليمية، ويرجع هذا إلى حد كبير إلى مساعدة الولايات المتحدة وأوروبا في دفع تكاليف استضافة الأردن للاجئين.

وعلى الرغم من هذا الدعم، فإنّ ديون الأردن بلغت بالفعل 90% من الناتج المحلي الإجمالي. ويعاني 22% من سكان الأردن من البطالة. 

ومن وجهة نظر الملك عبد الله، فإنّ الأردن يفعل الكثير بالفعل من أجل الولايات المتحدة. وبناءً على حثّ واشنطن، حافظ الأردن على معاهدة سلام مع "إسرائيل" على مدى السنوات الثلاثين الماضية، على الرغم من عدم شعبيتها العميقة بين السكان الأردنيين. إنّ الأردن تستضيف 15 قاعدة عسكرية أميركية مختلفة ونحو 4 آلاف جندي أميركي.

عندما كنت في الأردن آخر مرة في تشرين الأول/أكتوبر لتقييم تأثير الحرب على غزة، أطلقت إيران صواريخ فوق الأراضي الأردنية على "إسرائيل". وأصدر الجيش الأردني بياناً يفيد بأنه عمل مع الجيش الأميركي للمساعدة في إسقاط بعض الصواريخ الإيرانية. حتى أنّ أحد هذه الصواريخ سقط وقتل أردنياً. وفي اليوم التالي، أعرب الأردنيون عن غضبهم: لماذا تساعد حكومتهم الولايات المتحدة في الدفاع عن "إسرائيل"، حتى على حساب سلامتهم؟

لقد كان شركاء أميركا من المملكة العربية السعودية إلى الإمارات العربية المتحدة إلى مصر على استعداد للرضوخ لرؤية الولايات المتحدة للشرق الأوسط، وهي الرؤية التي تعطي الأولوية لرغبات "إسرائيل" على حساب وجود الفلسطينيين، لأنها تخدم مصالحهم الخاصة. وبفضل الدعم والأسلحة الأميركية، نجح العرب في تعزيز قبضتهم على السلطة. ويعتمد تعاونهم مع الولايات المتحدة على مساعدة الولايات المتحدة لهم في البقاء في السلطة.

وعندما فشلت إدارة أوباما في إنقاذ نظام مبارك من الانتفاضة الشعبية التي أطاحت به في عام 2011، أصيب العديد من العرب بالصدمة إزاء ما اعتبروه خيانة من جانب أوباما لشريك رئيسي للولايات المتحدة. وإذا لاحظوا أنّ ترامب لم يفشل فقط في دعم شريك للولايات المتحدة بل وأرغمه بنشاط على اتخاذ قرار قد يؤدي إلى الإطاحة به، فقد يعيد الحكّام من الرياض إلى الرباط النظر في شراكتهم مع الولايات المتحدة.

نقلته إلى العربية: بتول دياب.