"Responsible Statecraft": مصلحة واشنطن في لبنان كبح جماح "إسرائيل"
حزب الله يقول للولايات المتحدة إنّه ليس من مصلحتكم دعم الاعتداءات الإسرائيلية، ومن المثير للاهتمام أن مجتمع الاستخبارات الأميركي يتفق مع ذلك.
-
غارة إسرائيلية على بيروت بعد وقف إطلاق النار
مجلة "Responsible Statecraft" الأميركية تنشر مقالاً يتناول التحوّل في خطاب حزب الله اللبناني تجاه الولايات المتحدة، حيث دعا الشيخ نعيم قاسم إلى الضغط على واشنطن لوقف الاعتداءات الإسرائيلية، مؤكداً أنّ استقرار لبنان يخدم المصالح الأميركية.
يشير النص إلى أنّ الخلاف بين حزب الله والولايات المتحدة سياسي أكثر منه أيديولوجي، ويرى أنّه من مصلحة واشنطن الضغط على "إسرائيل" للامتناع عن التصعيد.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
أكد الأمين العام لحزب الله اللبناني الشيخ نعيم قاسم، مؤخراً، أنّ استمرار حالة عدم الاستقرار في لبنان لا يخدم المصالح الأميركية.
جاءت تصريحات قاسم عقب غارة جوية إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت، زعمت "إسرائيل" أنها استهدفت مستودع أسلحة لحزب الله.
قال الشيخ نعيم مخاطباً كبار المسؤولين اللبنانيين: "اضغطوا على أميركا وأفهموها أنّ لبنان لا يمكن أن ينهض إذا لم يتوقّف العدوان". وأضاف أنّ لواشنطن مصالح في لبنان، وأنّ "الاستقرار يحقّق هذه المصالح".
تُمثّل هذه التصريحات تحوّلاً ملحوظاً عن الخطاب اللاذع المناهض لأميركا الذي دأب كبار مسؤولي الحركة الشيعية اللبنانية على استخدامه. كما تُمثّل إقراراً علنياً نادراً بمصالح الولايات المتحدة في لبنان. وهذا يُتيح فرصةً جديرةً بالدراسة من قِبَل إدارة ترامب، ويمنحها دافعاً قوياً للضغط على "إسرائيل" للامتناع عن شنّ هجمات على أهداف لبنانية.
بخلاف الهجمات الإسرائيلية السابقة على العاصمة اللبنانية عقب اتفاق وقف إطلاق النار في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، لم تدّعِ "إسرائيل" أنّ هجومها الأخير كان نتيجة أي عمل مزعوم لحزب الله. وكان "الجيش" الإسرائيلي قد شنّ أول هجوم له على بيروت بعد وقف إطلاق النار في آذار/مارس الماضي بعد إطلاق صاروخين على "إسرائيل" من جنوب لبنان.
رغم تكبّده خسائر فادحة في حربه الأخيرة مع "إسرائيل"، لا يزال حزب الله لاعباً أساسياً في لبنان، ولا سيما بفضل دعمه الواسع داخل الطائفة الشيعية، أكبر طائفة في البلاد. وقد انعكس هذا الدعم في موكب تشييع زعيمه السابق، السيد حسن نصر الله، الذي قُتل في غارة جوية إسرائيلية في أيلول/سبتمبر الماضي. ووفقاً لوكالة "رويترز" للأنباء، شارك مئات الآلاف في هذا الموكب. وقدّرت وسائل إعلام موالية لحزب الله العدد بـ 1.4 مليون شخص.
ولكن على الرغم من كلّ هذا، فإنّ الأحداث في سوريا المجاورة، حيث تعرّضت بعض الطوائف العلوية والدرزية للقتل والمجازر في ظل النظام الجديد الذي يقوده السنة، قد عزّزت الدعم الشيعي اللبناني لحزب الله باعتباره حاميهم الأكثر موثوقية.
نتيجةً لذلك، من المرجّح أن يُترجم اعتراف حزب الله العلني بالمصالح الأميركية في لبنان إلى قبول شعبي أوسع بكثير في جميع أنحاء البلاد. علاوةً على ذلك، هناك ما يدعو للاعتقاد بأن الحركة الشيعية ستلتزم بوعدها. فبينما كانت العلاقات بين الولايات المتحدة، التي لا تزال تعتبر الحزب منظمةً إرهابية، وحزب الله عدائيةً تاريخياً، فإنّ هذا العداء ينبع في المقام الأول من دعم واشنطن لـ "إسرائيل"، وليس من معاداة أميركا الأيديولوجية.
على حدّ تعبير بول بيلار، وهو عميل سابق مخضرم في وكالة المخابرات المركزية وزميل غير مقيم في معهد كوينسي، فإن الحركة الشيعية اللبنانية "لم تسعَ قط إلى إثارة المعارك مع الولايات المتحدة بناءً على أيديولوجية عابرة للحدود الوطنية شبيهة بتنظيم القاعدة". ويوضح بيلار أيضاً أنّ هجوم ثكنات مشاة البحرية في بيروت عام 1983 الذي أسفر عن مقتل 241 جندياً أميركياً ونُسب إلى حزب الله، على الرغم من أنه لم يكن موجوداً بالفعل كمنظمة رسمية في ذلك الوقت، كان نتيجة لدعم أميركي واضح للهجوم الإسرائيلي على لبنان واحتلال "إسرائيل" للجزء الجنوبي من البلاد.
كما صرّح مسؤولو حزب الله مؤخراً علناً بأنّ مشكلاتهم مع الولايات المتحدة لا تنبع من العداء تجاه واشنطن بحد ذاتها، بل من سياساتها، وخاصة دعمها لـ "إسرائيل". في مقابلة مع مجلة "ريسبونسبل ستيتكرافت" في آذار/مارس، أشار النائب عن حزب الله، علي فياض، إلى أنّ الحركة الشيعية اللبنانية "لم تكن لديها مشاكل ثنائية مع الأميركيين"، وأنّ سياسات واشنطن المؤيدة لـ "إسرائيل" هي سبب هذا العداء.
في الوقت نفسه، حذّرت وثائق حكومية أميركية من أن تجدّد العمليات العسكرية الإسرائيلية في لبنان يهدّد المصالح الأميركية، مما يُشير إلى ضرورة سعي واشنطن لكبح جماح "إسرائيل". وحذّر التقييم السنوي للتهديدات الذي أجرته أجهزة الاستخبارات الأميركية في آذار/مارس من أنّ "استئناف العمليات العسكرية المطوّلة في لبنان قد يُؤدّي إلى تصاعد حادّ في التوتر الطائفي، وتقويض قوات الأمن اللبنانية، وتفاقم الأوضاع الإنسانية بشكل كبير".
في الواقع، يُهدّد تجدّد الإجراءات الإسرائيلية أحادية الجانب ضد لبنان المصالح الأميركية، ولا سيما أنّ واشنطن استثمرت بكثافة في دعم قائد الجيش السابق جوزاف عون في انتخابه رئيساً في كانون الثاني/يناير. وينبع هذا الدعم من دعم واشنطن طويل الأمد للجيش اللبناني، بأكثر من 3 مليارات دولار منذ عام 2006، وهو أحد أقرب شركاء واشنطن الإقليميين.
إنّ تصاعد النزعة الطائفية، إلى جانب تدهور الأوضاع الأمنية والإنسانية، من شأنه أن يُقوّض موقف عون بشكل خطير، وبالتالي موقف الولايات المتحدة. ولعلّ الأهم من ذلك، إن إضعاف جهاز أمن الدولة اللبناني يُقوّض هدف واشنطن المُعلن المتمثّل في تحمّل الدولة المسؤولية الكاملة عن أمن البلاد.
كما أنّ كبح جماح "إسرائيل" من شأنه أن يُسهّل جهود عون لحلّ مسألة ترسانة حزب الله الهائلة، وهي مسألة خلافيّة، والحصول على احتكار الدولة لحيازة الأسلحة. وقد أكد الرئيس اللبناني عزمه على معالجة هذه المسألة من خلال حوار وطني يضمّ الحركة الشيعية، بدلاً من اتباع نهج أكثر صدامية. بل إنّ عون اقترح دمج مقاتلي حزب الله في الجيش اللبناني.
إنّ الضغط على "إسرائيل" للامتناع عن التصعيد غير الضروري من شأنه أن يعزّز موقف عون وربما يجعل حزب الله أكثر تعاوناً مع مبادرات الرئيس اللبناني.
رفض بعض المحلّلين في واشنطن نهج عون ووصفوه بأنه غير عملي. وجادل تحليل سياسي أجراه ديفيد شينكر من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، المؤيّد لـ "إسرائيل"، بأنّ دمج مقاتلي حزب الله في الجيش لن يتوافق مع هدف نزع سلاح الحركة الشيعية اللبنانية. كما أكد أنّ دمج قوات حزب الله من شأنه أن "يضعف" الجيش اللبناني، وأنّ الوقت قد حان لنزع سلاح حزب الله، بالقوة إذا لزم الأمر.
تُعطي هذه الحجة الأولوية لنزع سلاح الحركة الشيعية اللبنانية على اعتبارات أخرى، مما يجعلها أقرب إلى أهداف "إسرائيل" منها إلى أهداف الولايات المتحدة. ومن شبه المؤكد أنّ أي محاولة من جانب الجيش اللبناني لنزع سلاح حزب الله بالقوة ستؤدي إلى صراع أهلي وإضعاف الجيش اللبناني بتقسيمه على أسس طائفية، أو إثارة انشقاق ضباط وجنود شيعة في صفوفه، مما يُضعف بشدة المؤسسة الوطنية التي استثمرت واشنطن الكثير في تعزيزها.
علاوة على ذلك، يُمكن القول إنّ دمج مقاتلي حزب الله في الجيش اللبناني سيُعزّز المؤسسة بدلاً من إضعافها. فالعديد من مقاتلي الحزب مُحنّكون في المعارك نتيجة مشاركتهم في عمليات عسكرية ضد "إسرائيل" أو خلال الحرب الأهلية في سوريا. وقد بُدّدت أيّ مخاوف من تسلل إيران إلى الجيش اللبناني عبر حزب الله في مثل هذا السيناريو برفض عون مؤخّراً لنموذج يُشبه الحشد الشعبي العراقي في لبنان.
وبعبارة بسيطة، فإنّ مبادرات الرئيس اللبناني تستحقّ الدعم الأميركي، لأنّ هذا من شأنه أن يتوافق مع المصالح الأميركية في دولة لبنانية مستقرة وموحّدة قادرة على وضع الأساس لإنعاش الاقتصاد، وجذب الاستثمارات الأجنبية التي تشتدّ الحاجة إليها، والتعامل مع مشكلات الفساد والمحسوبية التي طال أمدها.
يُحسب لإدارة ترامب ميلها لتقديم مصالح الولايات المتحدة على مصالح "إسرائيل"، كما يتضح من المحادثات النووية الجارية مع إيران (رغم تأجيل الجولة التالية منها). وهذا يُتيح تفاؤلاً حذراً بإمكانية اتباعها نهجاً مماثلاً في لبنان، مما يُتيح فائدة إضافية تتمثّل في تسهيل التفاهم مع طهران.
نقلته إلى العربية: بتول دياب.