"Responsible Statecraft": "آزوف" يهدد أيّ سلام في أوكرانيا

تزايد عدد أفراد ميليشيا "آزوف" اليمينية المتطرفة بهدوء ليصل إلى عشرات الآلاف في الجيش الأوكراني. وسيؤثر توسّع هذا التشكيل المؤثّر، المتهم باحتضان أيديولوجيات متطرّفة، على أيّ اتفاق سلام مستقبلي.

  • جنود في فيلق
    جنود في فيلق "آزوف" الأوكراني

مجلة "Responsible Statecraft" الأميركية تنشر تقريراً يتناول صعود "آزوف" في أوكرانيا منذ نشأته ككتيبة ميليشيا صغيرة عام 2014 وحتى تحوّله إلى فيلقين قتاليين رئيسيين داخل الجيش الأوكراني والحرس الوطني بحلول 2025. ويركّز التقرير على أنّ للفيلق "آزوف" خطراً سياسياً–أيديولوجياً على أيّ سلام مستقبلي مع روسيا.

أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:

خلال الأسابيع القليلة الماضية، نجح الجيش الروسي في اختراق الدفاعات الأوكرانية شمال شرق بوكروفسك، ساعياً إلى عزل القوات الأوكرانية المدافعة عن المدينة.

ولمنع هذا الاختراق، نشرت القوات الأوكرانية عدداً كبيراً من التشكيلات، بقيادة فيلق الحرس الوطني الأول "آزوف".

في حين أنّ نتائج القتال لا تزال غير مؤكّدة حتى كتابة هذه السطور، إلّا أنّ وجود فيلق "آزوف" بأكمله والفيلق الشقيق له في الجيش النظامي كان مفاجأة لكثير من المراقبين. يتذكّره معظمهم كفوج واحد قوامه قرابة ألف رجل، ويصدمون عندما يكتشفون أنّه تطوّر إلى تشكيلين متعدّدي الألوية يضمّ كلّ منهما ما بين 20,000 و40,000 جندي.

قد يكون لنمو هذا التشكيل وميله اليميني المتطرف تأثير على مستقبل أي اتفاق سلام في أوكرانيا.

تأسست ميليشيا "آزوف" على يد أندريه بيليتسكي، الذي اتهمه الكثيرون باعتناق آراء عنصرية. في مرحلة ما، مُنعت من تلقّي المساعدات الأميركية من قِبل الكونغرس بسبب آرائها المتطرفة. اكتسبت الوحدة صيتاً جيّداً بفضل نجاحها في ساحة المعركة بعد استيلائها على ماريوبول (على بحر آزوف، الذي اشتُق منه اسمها) في أوائل عام 2014 من انفصاليي دونباس.

ومن المفارقات، أنّ سمعتها آنذاك ربما كان مبالغاً فيها. فلا توجد سوى مقاطع فيديو قليلة للمعارك الفعلية، وقد سُجّل مقتل جندي منها بعد شهر واحد خلال معركة مارينكا. ربما كان هذا نتيجة برنامج دعاية ممتاز أطلقته "آزوف".

بموجب اتفاقيات مينسك، كان من المفترض حلّ الميليشيات الأوكرانية. لكن بدلاً من ذلك، ضمّتّ أوكرانيا "آزوف" في عام 2015 إلى هيكل الحرس الوطني. وكان الهدف من ذلك إضفاء طابع احترافي على الميليشيات واستئصال الفكر المتطرّف من صفوفها. من الصعب تقييم مدى نجاح الخطة اللاحقة، إذ تمّّّّّّّ الاحتفاظ بمعظم الضباط والجنود. الاحترافية العسكرية والأيديولوجيات المتطرفة لا تتعارضان، كما أثبتت قوات الأمن الخاصة الألمانية (Waffen SS)، التي استوحى منها آزوف رمزيته، في الحرب العالمية الثانية.

تجدر الإشارة أيضاً إلى أنّ أوكرانيا لديها جيشان: أحدهما تابع لوزارة الدفاع، والآخر تابع لوزارة الداخلية، ويهدف إلى إنفاذ القوانين المحلية بدلاً من الدفاع الخارجي. يُطلق على هذا الجيش الثاني اسم الحرس الوطني. لا تتشابه هذه القوات مع الحرس الوطني الأميركي الذي تديره حكومات الولايات ويتم توزيعه على المستوى الفيدرالي بحسب الحاجة، بل هي وحدات قتالية منتظمة تخضع لوزير الداخلية وليس الدفاع.

منذ الغزو الروسي عام 2022، خاض فيلق آزوف معارك باحترافية وشجاعة فائقة في ساحات معارك متعددة. بدأ في ماريوبول، برفقة اللواء البحري الخامس والثلاثين الذي دافع عن المدينة لعدة أشهر حتى استسلم أخيراً على أنقاض مصنع "أزوفستال". في هذه الأثناء، أنشأ المؤسس الأصلي للفيلق عدة تشكيلات أخرى حول كييف، وأطلق عليها أيضاً اسم آزوف، وساهمت بنجاح في الدفاع عن المدينة. في نهاية المطاف، اندمجت هذه الوحدات في اللواء الهجومي الثالث للجيش الأوكراني.

كان إنجاز جميع هذه المهام إنجازاً رائعاً للدعاية. وقد أبدع "آزوف" في الترويج لأدائه القتالي. وبحلول عام 2023، تحوّل فيلق "آزوف" إلى لواءين يتمتعان بكفاءة عالية: لواء الهجوم الثالث التابع للجيش بقيادة أندريه بيليتسكي، المؤسس الأصلي لميليشيا آزوف، ولواء الحرس الوطني الثاني عشر بقيادة دينيس "ريديس" بروكوبينكو، الذي قاد فوج آزوف دفاعاً عن ماريوبول قبل أن يتمّ أسره ويُبادَل في نهاية المطاف في صفقة تبادل أسرى.

إضافة إلى ذلك، شُكِّل فوج القوات الخاصة "كراكن" ضمن مديرية الاستخبارات الرئيسية التابعة لوزارة الدفاع (HUR) على يد قدامى مقاتلي آزوف. تجدر الإشارة إلى أنّه على الرغم من تميّز مقاتلي آزوف، إلّا أنّ قيادتهم رفضت إشراكهم في معارك قد تُسفر عن خسائر فادحة، حتى لو تطلّب الأمر عصيان الأوامر.

على سبيل المثال، في عام 2023، عندما أُرسلت قيادة لواء الهجوم الثالث التابع لآزوف لاستعادة خطوط أفدييفكا، أدركت عبثية العملية فانسحبت بدلاً من أن تُهزم في دفاعٍ لا يُقهر. وسيظل هذا هو نمط الأداء القتالي لآزوف. سيُستعان به لاستقرار الوضع، ويشن هجوماً مضاداً لإبعاد الروس من المواقع المتقدّمة، ولكنه لن يبقى أبداً في موقف دفاعي لمواجهة القوة النارية الروسية.

نتيجةً لذلك، اكتسبت آزوف سمعةً أسطوريةً لعملياتها الهجومية، مع الحفاظ على جوهرها من المحاربين القدامى. وعندما بدأت أوكرانيا في شباط/فبراير 2025 بتشكيل فيالق من أنجح الألوية، كانت آزوف في طليعة التشكيلات. وتمّ تشكيل الفيلق الثالث للجيش والفيلق الأول للحرس الوطني حول وحدات آزوف، مع ترقية قادة الألوية السابقين إلى قيادة الفيلق.

حتى اليوم، تتولى قيادة آزوف مسؤولية تسعة ألوية، وفوج قوات العمليات الخاصة "كراكن"، والعديد من وحدات الدعم الأخرى، بإجمالي يتراوح بين 40 ألفاً و80 ألف رجل أو 10% من القوات المسلحة الأوكرانية. وهذا لا يشمل التشكيلات الأخرى المرتبطة باليمين المتطرف في أوكرانيا مثل اللواء "الميكانيكي 67".

يُعتبر آزوف الآن أحد آخر التشكيلات القتالية القادرة على القتال في أوكرانيا. ولا يزال جنوده متحمسين ومدرَّبين على القيام بعمليات هجومية منظمة.

ولا تزال هناك تشكيلات أخرى موجودة، لكنّ الجنود الذين يديرونها هم من المجنّدين غير الراغبين في التجنيد، الذين يتمّ سحبهم بشكل متزايد من الشوارع. على سبيل المثال، دُمّر سلاح مشاة البحرية الأوكراني في معركة كرينكي، بينما هُزمت قوات الهجوم الجوي، إلى جانب العديد من التشكيلات الآلية النخبوية مثل اللواء 47، بشدة في عملية كورسك.

باستثناء فوجين من شتورموفي (العاصفة) يقاتلان حالياً إلى جانب آزوف حول باكروفسكي واللواء الرئاسي في كييف، لم يتبقَّ في الجيش الأوكراني سوى وحدات قليلة لا تزال قادرة تماماً على العمليات الهجومية. زعم رئيس الأركان السابق للواء آزوف الثاني عشر، بوهدان كروتيفيتش، أنّ معظم الألوية كانت عند 30% من قوتها، وتُعتبر، وفقاً لمبادئها، غير قادرة على أداء المهام، وغير قادرة على الدفاع، ناهيك عن الهجوم.

من غير المرجّح أن تُنتخب قيادة آزوف ديمقراطياً لمنصب سياسي. في استطلاع رأي شمل 13 مرشحاً محتملاً، حظي قادة آزوف بدعم 4.1% من السكان، متخلّفين عن الجنرال فاليري فيدوروفيتش زالوزني بنحو 20%، لكن قوتهم القتالية تجعل تجاهلهم أمراً مستحيلاً. في جوهرها، يُتوقّع أن يصبح آزوف نظيراً حديثاً لفيلق الإنكشارية العثماني، متمتعاً بحق النقض (الفيتو) على قرارات الحكومة والقدرة على تعيين الرؤساء وعزلهم.

لقد مارسوا هذه السلطة من قبل. في عام 2019، عندما حاول زيلينسكي تنفيذ اتفاقيات مينسك، أمر مقاتلي آزوف شخصياً بالانسحاب من خط التماس، فرفضوا. في ذلك الوقت، كان آزوف مجرد فوج قوامه قرابة 1000 رجل، أما اليوم، فلديه أعداد وقوة أكبر بكثير للمقاومة إذا اختار ذلك.

هنا قد يصطدم اتفاق السلام بجدار أيديولوجي. فهدف الحرب الروسية المتمثّل في نزع النازية يستهدف جماعات مثل آزوف. ومع ذلك، ستكون الدولة الأوكرانية غير راغبة وغير قادرة على نزع سلاح 10% من قواتها المسلحة، وخاصةً أكثرها فعّالية. علاوة على ذلك، قد يُعرقل السياسيون المرتبطون بآزوف أي مطلب روسي آخر يتعلق بالتعليم واللغويات والحقوق الدينية، بغضّ النظر عما توقّعه الحكومة الأوكرانية.

وهناك خطر إضافي يتمثّل في بقاء آزوف، بعد اتفاق السلام، على خط التماس، مواصلين قتالاً منخفض الشدة كما فعلوا قبل عام 2022، وداعمين للمقاومة في الأراضي التي تمّ التنازل عنها بحكم الأمر الواقع لروسيا. وهذا من شأنه أن يُقوّض أيّ اتفاق سلام طويل الأمد بين روسيا وأوكرانيا، بغضّ النظر عن نيّة كييف. كما أنه سيضع أي قوة حفظ سلام محتملة في مأزق كبير: فإما أن تقاتل آزوف، أو تغضّ الطرف وتُخاطر بالصدام مع الجيش الروسي عندما يردّ.

يُشكّل تطوّر آزوف من كتيبة ميليشيا واحدة إلى فيلقين قتاليين تابعين لقوات الأمن الأوكرانية تحدياً كبيراً لأوكرانيا ما بعد الحرب. فتنظيم يميني متطرف، يمتلك التشكيلات القتالية الحقيقية الوحيدة، ويبدي استعداداً واضحاً لتجاهل الأوامر، يُخاطر بتفكيك أي اتفاق سلام يُبرم مع روسيا، حتى لو لم تُبدِ أي من الحكومات المعنية اهتماماً بالقتال.

على القوى الغربية معالجة قضية آزوف كجزء من أيّ مفاوضات سلام، وإلاّ فإنها تُخاطر بتجدّد الأعمال العدائية، مع احتمال نشوب حرب كبرى في جميع أنحاء أوروبا.

نقلته إلى العربية: بتول دياب.