"Responsible Statecraft": ترامب على وشك ارتكاب خطأ كارثي مع فنزويلا

من الأخبار الواردة عن إدارة الرئيس دونالد ترامب، أنَّها قد تُعطي الضوء الأخضر لهجمات داخل فنزويلا، وربَّما حتى خلع الرئيس نيكولاس مادورو من منصبه، تُثير بالفعل حالةً من الذعر مُبرّرة بالكامل.

  • "Responsible Statecraft": ترامب على وشك ارتكاب خطأ كارثي مع فنزويلا

مجلة "Responsible Statecraft" الأميركية تنشر مقالاً يتناول تصاعد التدخل الأميركي ضد فنزويلا تحت ذريعة "مكافحة المخدرات"، وما يحمله هذا النهج من مخاطر قانونية وجيوسياسية تهدد استقرار المنطقة بأكملها.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

بعد أسبوع آخر من الضربات الأميركية خارج نطاق القانون على مراكب في البحر الكاريبي والمحيط الهادئ، أفادت التقارير بأنَّ الولايات المتحدة تستعدُّ الآن لاستهداف مواقع عسكرية في فنزويلا. مع ذلك واجهت هذه الضربات إدانات دوليةً واسعة النطاق، منها اتّهام وزير الخارجية والشؤون الأوروبية الفرنسي جان نويل بارو، الولايات المتحدة بتجاهل القانون الدولي وقانون البحار في مقابلة صحافية الأسبوع الماضي.

لكنَّ جماعة ضغط المحافظين الجدد داخل إدارة ترامب لا تتأثَّر بذلك. ووزير الخارجية ماركو روبيو هو الداعم الرئيسي لتغيير النظام في فنزويلا، يدفعُ باتّجاه هذه الإجراءات، بزعم أنَّها جزء من جهود شديدة ضدَّ عصابات المخدّرات، مُصوّراً الدولة اللاتينية من خلال عدسة "الإرهاب المرتبط بعالم العصابات". وهذا الإطار الذي تتبنّاه واشنطن الآن قد سبقهُ من قبل توجيه وزارة العدل الأميركية اتّهامات للرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، تربطه بالإرهاب المتشابك مع عصابات المخدّرات في عام 2020، لكنَّ الاتّهامات الأميركية اليوم تبدو مختلفة عن تلك السردية السابقة.

على المستوى الاستراتيجي، يُسيء هذا التصنيف مُواءمة الأهداف مع الوسائل. وهو يدعو إلى حلول عسكرية لمشكلات ما تزال إدارة مكافحة المخدّرات وخفر السواحل الأميركيون يعتبرانها في الأساس مسائل تتعلَّق بإنفاذ القانون. كما أنَّه يبسط صورةً جيوسياسيةً مُعقدةً، إضافة إلى خطر تورُّط الولايات المتحدة في صراع مفتوح في نصف الكرة الغربي.

وكانت إدارة مكافحة المخدرات الأميركية، قد حدَّدت في تقييمها التهديدات لعامي 2024 و2025، مادَّة الفنتانيل المُخدّرة كأخطر تهديد للولايات المتحدة، ويجري تصنيعها على نحو أساسي في المكسيك باستخدام موادَّ أولية من الصين. وفي الوقت نفسه، تُظهر بيانات مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدّرات والجريمة مستويات قياسية في زراعة نبتة الكوكا وإنتاج الكوكايين في كولومبيا، لكون فنزويلا تعمل أساساً كطريق عبور.

ومع ذلك، فقد أدَّى خطاب واشنطن بشأن "مكافحة المخدرات" بالفعل إلى تصعيد عسكري، ومعه تأتي أخطار دبلوماسية واقتصادية وسياسية كبيرة. وقد يُهدّد هذا التصعيد مصالح الولايات المتحدة في مجال الطاقة، وخاصَّةً الترخيص المحدود لشركة شيفرون لاستيراد النفط الخام الفنزويلي، والذي يُعد شريان حياة لمصافي ساحل الخليج الأميركي التي لا تزال تعتمد على النفط الثقيل الفنزويلي الفريد.

قد يُؤدّي التصعيد أيضاً إلى تعزيز موقف الرئيس مادورو عوضاً عن تقويضه. وبالنسبة إلى قائد تأسَّس خطابه على "مناهضة الإمبريالية،" سيُعزّز هذا من شرعيته الداخلية، فالعدوان الأميركي مُفيد سياسياً بِهذا المعنى. بالمقابل، كثَّفت كراكاس بالفعل من نشر القوات البحرية على الطرق الساحلية الرئيسية، وشجَّعت التعبئة المساندة، وربطت هذه التحرُّكات صراحةً بتعزيزات الولايات المتحدة العسكرية في منطقة الكاريبي.

وبينما ينبغي ألّا يكون هناك شكٌّ في الآثار المزعزعة التي يُسَبّبها التصعيد الأميركي مع فنزويلا، فإنَّ إحدى الحجج المضادَّة، تزعم أنَّه إذا قررت واشنطن "شنَّ غزو برّي، فلن تكون القوات المسلحة الفنزويلية ندّاً للقوة العسكرية الأميركية، كونها الأكثر تقدُّماً في العالم، أمّا القوات المسلحة الفنزويلية، ليست كذلك، والولاء للرئيس مادورو قائم على المصالح، يشترى من خلال امتيازات محددة وليس التزاماً بالقضية، كما أنَّ الدعم الشعبي للنظام هشٌّ أيضاً".

كذلك تعلم الولايات المتحدة جيداً أنَّ تفوُّقها العسكري لا يُترجم بالضرورة إلى نجاح سياسي، كما أوضحت تجربتاها في العراق وأفغانستان بشكل مؤلم. وحتى لو انهار النظام، فإِنَّ اِستقرار فنزويلا بعد الرئيس مادورو سيتطَلَّب سنوات من الانخراط المكلف للولايات المتحدة، وهو أمر يبدو أنَّ لا يهم الجمهور الأميركي، ولا القيادة لديها الإرادة السياسية أو القدرة عليه.

إنَّ أَي تدخُّل تقوده الولايات المتحدة، حتى لو كان محدوداً، سيؤدّي إلى زعزعة الاستقرار في فنزويلا والمنطقة. وهناك خطر من أن يمتدَّ ذلك إلى خارج حدود فنزويلا، ويجرُّ كولومبيا وحتى طرق الملاحة البحرية في المحيط الهادئ إلى مسرح عمليّات مُتَّسِع. وقد يُؤدّي ذلك إلى خلق فراغات إنسانية وأمنية، ويدفع موجةً جديدةً من الهجرة شمالاً نحو الولايات المتحدة.

ترصد المنظَّمات الدولية المعنية باللاجئين الآن أكثر من 6.8 ملايين لاجئ ومهاجر فنزويلي في جميع أنحاء أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، مع استمرار حركة التنقُّل. وقد يُؤدّي أي اضطراب في الوضع الأمني في فنزويلا إلى تسريع التدفُّقات شمالاً، ما يزيد الضغط على أنظمة الاستقبال الإقليمية التي تعمل بالفعل بكامل طاقتها.

على الصعيد الإقليمي، انتقدت المكسيك والبرازيل علناً الضربات البحرية الأميركية ونشر القوات، بينما حذَّر خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة من أنَّ "الحرب على الإرهابيين المرتبطين بالمخدرات" تنتهك الحقَّ في الحياة"، ما يزيد تكلفة الحكومة للإجراءات الأحادية. إضافة إلى أنَّ الخلاف الأخير بين الرئيس ترامب ورئيس كولومبيا غوستافو بيترو، سيعقدُ الحسابات الإقليمية، حيث إنَّ أقرب جار لفنزويلا يُعد مفتاحاً للتخفيف من آثار التدخُّل.

كما أنَّ هذا يعتمد على تبادل المعلومات الاستخبارية والشرطة المشتركة، والتصعيد سيضعف كليهما، ويُقوّض النهج مُتعدّد الأطراف المطلوب لمكافحة الجرائم العابرة للحدود مثل الاتجار بالمخدّرات بشكل فعّال.

إنَّ إطار "الإرهاب المرتبط بالمخدّرات" ليس جديداً، إلا أنَّ استخدام سفن الحرب الأميركية مثل "إيغيس"، وعمليات الاعتراض المميتة يُبرزان خطر تحوُّل أداة خطابية إلى سلوك عسكري تصعيدي عوضاً عن التعاون الأمني في إطار الشرطة.

لن يتحقَّق الاستقرار الدائم من خلال التصعيد، بل من خلال الدبلوماسية وتبادل المعلومات الاستخبارية والتعاون مع الشركاء والمؤسَّسات الإقليمية مثل الإنتربول لمواجهة الأسباب، وليس فقط أعراض المشكلة.

نقله إلى العربية: حسين قطايا.