"Responsible Statecraft": كيف تجاهل الإعلام الغربي جريمة التجويع في غزة؟
الغوص في التغطية الإعلامية يكشف غياباً صادماً عن قضية المجاعة، وحتى حين وُجد، جاء بعيداً عن جوهر المسؤولية.
-
"Responsible Statecraft": كيف تجاهل الإعلام الغربي جريمة التجويع في غزة؟
مجلة "Responsible Statecraft" الأميركية تنشر تقريراً تناول تجاهل الإعلام العالمي، خاصة الأميركي، في تغطية سياسة التجويع الممنهجة في غزة. فرغم أنّ التحذيرات من المجاعة بدأت منذ أواخر 2023، تجاهلت وسائل الإعلام الكبرى القضية أو همشتها، ولم تُبرزها كأولوية إلا بعد تفاقم الكارثة وسقوط أعداد كبيرة من الضحايا، معظمهم أطفال.
أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:
العناوين الإخبارية تزداد قتامة:
- "طفل يموت بسبب سوء التغذية مع تفاقم المجاعة في غزة". ("سي إن إن" في 21 تموز/يوليو 2025)
- "أكثر من 100 منظمة إغاثة تحذر من مجاعة في غزة مع مقتل 29 في غارات إسرائيلية". ("أسوشيتد برس" في 23 تموز/يوليو 2025).
- "لا حليب صناعي، لا طعام: الأمهات والرضع يتضورون جوعاً معاً في غزة". ("إن بي سي" في 25 تموز/يوليو 2025).
- "رضيع عمره خمسة أشهر يموت بين أحضان أمه في غزة، ضحية جديدة لأزمة مجاعة متصاعدة". ("سي إن إن" في 26 تموز/يوليو 2025).
- "أطفال غزة يبحثون في القمامة لتجنب الموت جوعاً". ("نيويورك تايمز" في 28 تموز/يوليو 2025).
هذه التغطية عاجلة وضرورية، لكنها جاءت متأخرة للغاية.
تأخر قاتل في الاستجابة
منذ هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، فرضت "إسرائيل" قيوداً صارمة على المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، مستخدمةً التجويع كسلاح حرب، وهي جريمة حرب اتهمت بها المحكمة الجنائية الدولية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت. ففي 9 تشرين الأول/أكتوبر 2023، أعلن غالانت حصاراً شاملاً: "لن يكون هناك كهرباء، ولا طعام، ولا وقود... كل شيء مغلق".
حذّرت منظمات الإغاثة مبكراً من خطر المجاعة في أجزاء من غزة بحلول كانون الأول/ديسمبر 2023. وبحلول نيسان/أبريل 2024، أكدت مديرة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، سامانثا باور أنّ بعض مناطق غزة، خصوصاً شمالها، تعاني بالفعل من المجاعة.
خلال وقف إطلاق النار مطلع 2025، سُمح بدخول كميات محدودة من المساعدات، لكن في 2 آذار/مارس 2025، أعاد نتنياهو فرض الحصار الشامل. وأعلن وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير: "لا سبب لدخول جرام واحد من الغذاء أو المساعدات إلى غزة".
بعد أكثر من شهرين، سمحت "إسرائيل" في 19 أيار/مايو بدخول مساعدات شحيحة عبر مراكز "مؤسسة غزة الإنسانية" الأميركية/الإسرائيلية، والتي استُهدف بعض طالبيها برصاص القناصة، وهي مساعدات غير كافية على الإطلاق.
وحذرت اليونيسف في 27 تموز/يوليو الفائت من أنّ سكان غزة، البالغ عددهم أكثر من مليوني نسمة، يواجهون انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، وأنّ واحداً من كل ثلاثة أشخاص لم يتناول طعاماً منذ أيام، و 80% من وفيات الجوع هم من الأطفال.
ووفق وزارة الصحة في غزة، توفي ما لا يقل عن 147 شخصاً بسبب سوء التغذية منذ بداية الحرب، معظمهم خلال الأسابيع الأخيرة.
حتى بعض السياسيين في الغرب، بمن فيهم دونالد ترامب، أقرّوا بوجود "مجاعة حقيقية" في غزة، لكن المراقبين يرون أنّ هذا الاعتراف جاء متأخراً جداً.
يقول جيريمي كونينديك، رئيس منظمة اللاجئين الدولية: "أخشى أنّ المجاعة في غزة تجاوزت الآن نقطة اللاعودة، وسنشهد وفيات جماعية جراء الجوع. احتواء الكارثة سيتطلب جهداً إغاثياً هائلاً وسيستغرق شهوراً".
الإعلام شريك في الصمت
وسائل الإعلام الأميركية الكبرى تتحمل جزءاً من المسؤولية عن استمرار الكارثة. فرغم أنّ خطر المجاعة معروف منذ أكثر من عام، لم يُعامل باعتباره أولوية إخبارية.
بحث في قاعدة بيانات "MediaCloud" أظهر أنّه منذ إعلان الحصار الشامل في 2 آذار/مارس 2025، وهو إجراء فاقم المجاعة بسرعة، لم يزد الاهتمام الإعلامي سوى قليلاً في أيار/مايو، حين أعلنت الهيئة العالمية لتصنيف المجاعات أنّ "واحداً من كل خمسة أشخاص في غزة مهدد بالمجاعة"، وهو ما كان يتطلب تدفقاً عاجلاً وكبيراً للمساعدات.
لكن مع استمرار منع المساعدات، واستهداف الفلسطينيين أثناء محاولتهم الحصول عليها، تراجعت التغطية مجدداً، ولم تعاود الظهور بقوة إلا في موجة الأخبار التي بدأت في 21 تموز/يوليو.
منظمة "FAIR" انتقدت مراراً هذه التغطية، التي غسلت أيدي "إسرائيل" من مسؤولية التجويع القسري، وهو ما وصفته "هيومن رايتس ووتش" بأنه "أداة إبادة"، ونُفذ بدعم أميركي مباشر.
تكشف العناوين الرئيسية الحالية أنّ التغطية الإعلامية لا تزال تُصرف الانتباه إلى حد كبير عن مسؤولية "إسرائيل" (ناهيك عن الولايات المتحدة)، ولكن من التطورات الإيجابية أنّ وسائل الإعلام الأميركية الكبرى بدأت تُكرّس تغطية جادة لهذه القضية. تخيّلوا كم كان سيبدو الأمر مختلفاً لو أنها أولته الاهتمام الذي يستحقه، والمساءلة التي طالب بها، عندما أُطلقت التحذيرات لأول مرة!
نقلته إلى العربية: بتول دياب.