"Responsible Statecraft": لماذا لن يستعيد ترامب قاعدة باغرام الأفغانية؟
في حين اعترضت حركة طالبان، فإن روسيا والصين لديهما رأي أيضاً.
-
"Responsible Statecraft": لماذا لن يستعيد ترامب قاعدة باغرام الأفغانية؟
نشرت مجلة "Responsible Statecraft" الأميركية مقالاً يتناول محاولة الرئيس ترامب استعادة قاعدة باغرام الجوية في أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي، وكيفية استخدامه لهذه الخطوة كأداة استراتيجية في مواجهته مع الصين وإعادة ترسيخ الهيمنة الأميركية في المنطقة.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
في منشورٍ نُشر على موقع "تروث سوشيال" في 20 أيلول/سبتمبر، هدّد الرئيس ترامب حركة طالبان، مُعلناً: "إذا لم تُعِد أفغانستان قاعدة باغرام الجوية... فستحدث أمورٌ سيئة!!". وهو الآن يُريد القاعدة العسكرية التي تفاوض بشأنها سابقاً كجزء من اتفاقية الانسحاب الأميركي التي وقّعتها إدارته الأولى عام 2019.
وليس من المستغرب أن ترفض طالبان ذلك بسرعة، مُشيرةً إلى أنه "بموجب اتفاقية الدوحة، تعهّدت الولايات المتحدة بعدم استخدام القوة أو التهديد باستخدامها ضدّ سلامة أراضي أفغانستان أو استقلالها السياسي، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية". ومع ترسيخ الصين حضورها في أفغانستان ما بعد الحرب، فمن المرجح أن تؤكّد بكين أن يبقى هذا التهديد مجرّد تعليقٍ مرتجل ينبغي عدم أخذه حرفياً أو على محمل الجد.
منذ أوائل عام 2025، لم يُشر ترامب إلى باغرام كهدفٍ عسكري، بل كقطعة شطرنج استراتيجية في مواجهته الأوسع مع الصين. وصف القاعدة بأنها "على بُعد ساعة من مكان تصنيع [الصين] لأسلحتها النووية"، واصفاً إياها بمركز متقدم بالغ الأهمية ما كان ينبغي للولايات المتحدة التخلي عنه أبداً. يرى ترامب أن استعادة باغرام ستُعيد ترسيخ الهيمنة الأميركية في منطقة يعتقد أنها تتجه نحو فلك بكين. كما أنها تُمثل سردية سياسية قوية: استعادة ما خسره بايدن، واستعادة القوة، وإبراز العزيمة الأميركية في عصر يُنظر إليه على أنه تراجع.
لكن بينما يتحدث ترامب عن استعادة باغرام، فإن الصين قد تحركت بالفعل. بعد الانسحاب الأميركي عام 2021، سارعت بكين إلى توسيع نفوذها، لتصبح أول دولة تعتمد سفيراً لطالبان عام 2023.
في أغسطس 2025، زار وزير الخارجية الصيني وانغ يي كابول لإجراء محادثات رفيعة المستوى، أبدت خلالها بكين اهتمامها باحتياطيات أفغانستان المعدنية الهائلة، بما في ذلك الليثيوم والنحاس واليورانيوم، وتوسيع روابط التجارة والبنية التحتية في إطار مبادرة الحزام والطريق. بالنسبة للصين، أصبحت أفغانستان الآن شريكاً استراتيجياً بالغ الأهمية. ومن شأن الوجود العسكري الأميركي المتجدد أن يهدد هذه المصالح، ومن غير المرجح أن تقف بكين مكتوفة الأيدي إذا حاولت واشنطن فرض عودتها بالقوة.
يعتقد بعض المحللين أن مطلب ترامب قد لا يتعلق باستعادة باغرام فعلياً بقدر ما يتعلق بخلق نفوذ. قد يكون هذا المطلب ورقة مساومة أو فرصةً مُبالغاً فيها تهدف إلى انتزاع شيء أصغر، مثل استعادة بعض الأسلحة الأميركية التي تُقدَّر قيمتها بـ 7 مليارات دولار والتي تُركت خلال الانسحاب. كما قد يسعى للحصول على ضمانات بشأن حماية حقوق الأقليات أو التزامات بتقييد الملاذات الآمنة للإرهابيين مقابل تنازلات، على الرغم من أن مخاوف داعش-خراسان وغيرها من الجماعات الإرهابية أثبتت أنها وهمية.
وفقاً لهيلينا مالكيار، السفيرة الأفغانية السابقة لدى إيطاليا، "للولايات المتحدة قواعد عسكرية في العديد من الدول الأخرى، لكن هذا لا يعني بالضرورة وجود علاقة استعمارية... خذ اليابان وألمانيا وقطر والبحرين على سبيل المثال". وتضيف: "مع ذلك، أشك في أن الولايات المتحدة بحاجة ماسة إلى باغرام، نظراً لأن باكستان منحت حق الوصول إلى قواعدها الجوية منذ عام 1959. في الواقع، القواعد الجوية في خيبر بختونخوا والبنجاب أقرب إلى الصين من باغرام".
من الناحية البلاغية، تُحقق خدعة ترامب نجاحاً باهراً، إذ تسمح له بتصوير انسحاب بايدن من أفغانستان كـ خطأ تاريخي فادح وهو وحده من يملك القدرة على إصلاحه. ولكن سواء أكان ذلك خدعة أم هدفاً حقيقياً، فإن هذا الخطاب يرفع مستوى المخاطر، فيما تراقب القوى الإقليمية مثل الصين وروسيا، وحتى طالبان، الوضع عن كثب.
كما يشير زلماي نيشات، الباحث في مركز ساسكس آسيا، فإن "طالبان بعيدة كل البعد عن كونها كياناً متجانساً. فبينما قد يرى بعض الفصائل فائدة في التعاون مع الولايات المتحدة، فإن فصائل أخرى، ولا سيما المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بـ هيبة الله أخوندزاده، ستقاوم بشدة. وأي تحرك لاستعادة باغرام سيكشف هذه الانقسامات، وسيعتمد رد طالبان على أي فصيل سينتصر".
هذا التشرذم الداخلي ليس سوى جانب واحد من معادلة أكثر تعقيداً. فدفع ترامب نحو باغرام لن يتحدى طالبان فحسب، بل سيواجه أيضاً نظاماً إقليمياً لم يعد يتمحور حول واشنطن. لقد تغيرت الحقائق على الأرض بشكل كبير منذ أيام الاحتلال الأميركي، فالصين عازمة على تعزيز دورها في إعادة إعمار أفغانستان، ولن تتسامح مع عودة أميركية تهدد وصولها إلى المعادن الثمينة أو مصالحها الأمنية الأوسع.
من المؤكد أن إيران ستعتبر المنشآت الأميركية أهدافاً محتملة، وروسيا، أول دولة تعترف رسمياً بحكومة طالبان، لها حضور واسع في أفغانستان اليوم. فهي توفر النفط والقمح بأسعار مخفضة، وتتعاون مع أجهزتها الأمنية في برامج مكافحة الإرهاب، وتروج مبادرة موسكو التي تضم 11 دولة لمعالجة القضايا الأفغانية. ومن غير المرجح أن تدعم بكين أو موسكو وجوداً عسكرياً أميركياً متجدداً قد يزعزع استقرار التوازن الذي تسعيان إلى الحفاظ عليه.
والأهم من ذلك، أن الشعب الأميركي من المرجح أن يرفض إعادة الانتشار العسكري في بلد لم يحقق فيه عقدان من القتال سوى القليل، ولم يتحقق فيه خطر تحول أفغانستان إلى ملاذ آمن للإرهاب.
حتى لو وافقت طالبان على حل تفاوضي، فسيكون من الصعب على الرئيس ترامب ترويج الصفقة. استغرق الأمر عقدين من الزمن بعد سقوط سايغون حتى تمكنت الولايات المتحدة من إعادة بناء علاقاتها الدبلوماسية مع فيتنام، ومن المنطقي الاعتقاد بأن الدعم الشعبي والكونغرس سيواجهان معارضة متساوية. وكما هي الحال في معظم تصريحات الرئيس ترامب الشفهية وتصريحاته في مؤتمر "تروث سوشيال"، يمكن أخذ اقتراح باغرام حرفياً أو على محمل الجد، أو ليس كليهما.
نقلته إلى العربية: بتول دياب.