"Responsible Statecraft": مشكلة ترامب مع الهند قد تتحول إلى أزمة جنوب عالمي
الرسوم الجمركية تدفع دول "بريكس" إلى الالتفاف حول فكرة أنّ الاقتصاد العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة لعبة مزوّرة.
-
ترامب ومودي
مجلة "Responsible Statecraft" الأميركية تنشر مقالاً يتناول تدهور العلاقات الأميركية - الهندية خلال الولاية الثانية لترامب وما ترتب على ذلك من تقارب مفاجئ بين الهند والصين، وانعكاسات هذا التحول على مكانة الولايات المتحدة في الجنوب العالمي وعلى تماسك ودور مجموعة بريكس.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
مع انطلاق الولاية الثانية للرئيس ترامب، أشارت جميع الدلائل إلى استمرار تحسن العلاقات الأميركية الهندية. في مؤتمر صحافي عُقد في البيت الأبيض في شباط/فبراير، تحدث رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي عن رؤيته "لجعل الهند عظيمة مجدداً" وكيف ستلعب الولايات المتحدة في عهد ترامب دوراً محورياً. وقال مودي: "عندما تجمع سياستا MAGA وMIGA، تصبحان شراكة ضخمة لتحقيق الرخاء".
خلال الولاية الأولى لترامب، استضاف الزعيمان الشعبويان تجمعات انتخابية في بلديهما، ووطدا علاقات شخصية وثيقة. وبغض النظر عن صداقة ترامب ومودي، سارت العلاقات الأميركية الهندية على مسار إيجابي لأكثر من عقدين، مدفوعة جزئياً بالشكوك المتبادلة تجاه الصين. ولكن بعد ستة أشهر من ولايته الثانية، اتخذ ترامب عدة إجراءات أدت إلى تراجع حاد في العلاقات الأميركية الهندية، مع انتعاش مفاجئ في العلاقات الهندية الصينية.
في حين حظي ذوبان الجليد في العلاقات بين الهند والصين بقدر كبير من الضجيج، فقد حظي ما قد يعنيه هذا بالنسبة للعلاقات الأميركية مع دول الجنوب العالمي وكتلة "بريكس" الأكثر اتحاداً باهتمام أقل.
كيف وصلنا إلى هنا؟
منذ عهد أوباما، لعبت الهند دوراً محورياً في استراتيجية الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وقد عززت رغبة الجانبين في تحقيق التوازن في مواجهة الصين ومنع صعودها كقوة إقليمية مهيمنة على هذه العلاقة.
ولكن مع تكثيف ترامب جهوده لحل النزاع الأوكراني، فرض على الهند تعرفة جمركية بنسبة 50% على مشترياتها من النفط الروسي، الذي وصفه مسؤول أميركي رفيع المستوى بأنه يُموّل آلة بوتين الحربية. أعرب المسؤولون الهنود على الفور عن غضبهم، حيث وصف بيان لوزارة الخارجية التعرفة بأنها "غير عادلة وغير مبررة وغير منطقية".
بالنسبة للهند، لا يتعلق الأمر فقط بمعدل التعرفة المرتفع، بل ترى في هذه الخطوات تدخلاً قسرياً في السياسة الخارجية الهندية ونفاقاً في ضوء استمرار مشتريات أوروبا من الطاقة الروسية. كما أسهمت العلاقات الدافئة بين واشنطن وباكستان، الخصم اللدود للهند، والخلاف بين ترامب ومودي حول دور ترامب في التوسط في الصراع الهندي الباكستاني الأخير، في الخلاف بين الولايات المتحدة والهند.
الهند تتطلع شرقاً
أجبرت هذه التطورات الهند على إعادة النظر في علاقاتها مع القوتين العظميين في العالم. وبوتيرة سريعة، عززت الهند انفراجاً في علاقاتها مع الصين بدأ العام الماضي بعد خمس سنوات من التوترات الناجمة عن اشتباك حدودي مميت عام 2020.
في اليوم الذي أعلن فيه ترامب فرض رسوم جمركية بنسبة 50% على الهند، أعلن مودي أنه سيزور الصين لأول مرة منذ سبع سنوات لحضور قمة منظمة شنغهاي للتعاون التي تقودها الصين في أواخر آب/أغسطس. وبعد ذلك بوقت قصير، أعلنت الهند والصين استئناف الرحلات الجوية المباشرة بين البلدين لأول مرة منذ خمس سنوات.
في الأسبوع الماضي، زار وزير الخارجية الصيني وانغ يي نيودلهي، حيث التقى بكبار المسؤولين الهنود، بمن فيهم مودي. وأعلن الجانبان عن اتفاقيات لمعالجة المخاوف الحدودية المستمرة، ورفع القيود المفروضة على صادرات الصين من المعادن النادرة إلى الهند، وزيادة تدفقات التجارة والاستثمار.
التداعيات الجيوسياسية
لا تزال هناك خلافات عديدة بين الهند والصين، ولن تُحل بين عشية وضحاها.
صرح دانيال ماركي، الخبير بشؤون الصين وجنوب آسيا في مركز "ستيمسون": "لا أحد في بكين أو نيودلهي يرى في دبلوماسيتهما المتجددة تحولاً استراتيجياً جوهرياً. لا يزال هناك الكثير من انعدام الثقة".
ومع ذلك، من المرجح أن يستمر التقدم في العلاقات الثنائية بين الهند والصين إذا استمر التباعد بين الولايات المتحدة والهند. ومع ذلك، فإن إعادة التوازن الحقيقية التي قد يُحدثها هذا التدهور في العلاقات الأميركية الهندية ستحدث بالتأكيد بين دول الجنوب العالمي.
لطالما عزّزت الهند استقلاليتها الاستراتيجية، وحافظت على علاقات وثيقة مع كل من روسيا والولايات المتحدة، وشاركت في مجموعات تقودها الصين مثل مجموعة "بريكس" ومنظمة شنغهاي للتعاون. كلما زاد ضغط واشنطن على الهند لاتخاذ خطوات تعتبرها نيودلهي ضد مصالحها الوطنية، زادت فرص الهند في إيجاد أرضية مشتركة مع الصين وروسيا، اللتين تبنيان منصات للجنوب العالمي مثل "بريكس" لمقاومة الضغوط والإكراه الأميركيين.
صرح سوشانت سينغ، المحاضر في دراسات جنوب آسيا بجامعة ييل والضابط العسكري الهندي السابق: "إن استمرار الضغط الأميركي سيدفع بالفعل إلى تعميق مشاركة الهند في بريكس". وأضاف: "ترى الهند بشكل متزايد أن الأطر التي تقودها الصين بدائل ضرورية للإكراه الأميركي غير المتوقع".
تأسست "بريكس" في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، جزئياً، للرد على العقوبات الأميركية والإكراه الاقتصادي. لكن المجموعة لم تكن معادية للغرب صراحةً، كما أنّ الانقسامات بين روسيا والصين من جهة، والهند والبرازيل من جهة أخرى، حدّت من تماسك "بريكس". بصفتهما الخصمين الجيوسياسيين الرئيسيين لواشنطن، فليس من المستغرب أن تنظر بكين وموسكو إلى "بريكس" كعنصر أساسي في جهودهما لتقويض النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، وفي نهاية المطاف استبداله. مع ذلك، أبدت الهند والبرازيل اهتماماً أكبر بالبريكس كآلية لإصلاح النظام الدولي وإضفاء الطابع الديمقراطي عليه.
"لقد تطور تعاون "بريكس" رغم الصراع الصيني الهندي"، لكن "الاحتكاكات المتزايدة بين الولايات المتحدة والهند تُغير الآن حدود ما تستعد الهند لمتابعته مع الصين وداخل البريكس"، هذا ما قالته ميهايلا بابا، التي تقود مختبر "بريكس" في مركز الدراسات الدولية بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
إنّ معاملة واشنطن لشريك وثيق كالهند تُعزز مخاوف العديد من دول الجنوب العالمي، التي ترى في النظام الدولي لعبةً مُضللة، حيث تستخدم الولايات المتحدة الإكراه الاقتصادي والنفاق لتحقيق المصالح الأميركية على حسابها. على الرغم من أن تنمر ترامب كان أكثر حدة في خضم حربه الجمركية، إلا أنّ السلوك الأميركي المُتسلط يُمثل مصدر قلق طويل الأمد.
بعد كل شيء، شهدت "بريكس" أول توسع حقيقي لها خلال إدارة بايدن، عندما أشار العديد من دول الجنوب العالمي إلى ازدواجية المعايير الغربية بشأن حربي أوكرانيا وغزة. توسعت عضوية "بريكس" بشكل كبير في السنوات الأخيرة، حيث تُمثل الكتلة الآن 56% من سكان العالم و44% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
إذا كانت الأشهر الستة الأولى من إدارة ترامب مؤشراً على ما سيحدث في السنوات المقبلة، فيمكننا توقع تزايد التضامن بين دول الجنوب العالمي. كما فرض ترامب رسوماً جمركية بنسبة 50% على البرازيل رداً على مقاضاة حليفه جايير بولسونارو. علاوة على ذلك، هدد الرئيس الأميركي بفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 10% على المشاركة في مجموعة "بريكس"، التي يصفها بأنها "معادية لأميركا". والمفارقة، بالطبع، هي أنّ إجراءات كهذه قد تكون حافزاً لمجموعة البريكس لاتخاذ موقف معادٍ لأميركا أكثر صراحةً.
مع تبلور عالم جديد متعدد الأقطاب، سيتضاءل نفوذ الولايات المتحدة بالضرورة. لكن مجموعة "بريكس" لن تُعلن تراجعاً وشيكاً للولايات المتحدة على الساحة العالمية. ومع ذلك، هذا لا يعني أنه ينبغي لواشنطن ألّا تفكر في كيفية معالجة تراجع نفوذها في دول الجنوب العالمي، أو رغبة تلك الدول في إيجاد بدائل لنظام اقتصادي ومالي عالمي، غالباً ما تستخدمه الولايات المتحدة كسلاح ضدها. كما وصف إرنست همنغواي ذات مرة الانحدار نحو الإفلاس، فإن النفوذ العالمي للولايات المتحدة قد يتضاءل تدريجياً، ثم فجأة.
إنّ التنمر على شركاء مقربين مثل الهند من دون مراعاة مصالحها الوطنية، من شأنه أن يُعجّل هذا التراجع ويحدّ من قدرة الولايات المتحدة على مواجهة التهديدات العابرة للحدود الوطنية الكبرى، مثل تغير المناخ والإرهاب والتحديات التي يفرضها الذكاء الاصطناعي. قد تتخلف الولايات المتحدة عن الركب، إذ ترى دول "بريكس" وغيرها من تحالفات دول الجنوب العالمي أن واشنطن ليست سوى متنمّر متقلّب المزاج.
نقلته إلى العربية: بتول دياب.