"The Conversation": بعد المجازر في سوريا.. هل يمكن لدولة مجزَّأة أن تبقى موحَّدة؟

إنّ سوريا مُعرّضة لخطر التشرذم، ولا شكّ في المزيد من العنف.

0:00
  • "The Conversation": بعد المجازر في سوريا.. هل يمكن لدولة مجزأة أن تبقى موحدة؟

موقع "The Conversation" الأميركي ينشر تقريراً يتحدث عن المجازر في سوريا بحق الأقلية العلوية، والتي راح ضحيتها أكثر من ألف سوري مدني. وجاء في التقرير أنّ النظام الفيدرالي هو الخيار الأخير القابل للتطبيق، من أجل الحفاظ على تماسك سوريا.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:

بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا بفترة وجيزة، تعهدت الحكومة الجديدة، بقيادة زعيم المعارضة أحمد الشرع، توحيد السوريين وإرساء "سلم أهلي" في البلاد.

في الأيام الأخيرة، خضع هذا السلم الهش لاختبار حقيقي. ففي أواخر الأسبوع الماضي، اندلعت اشتباكات بين قوات الأمن الحكومية وقوات النظام السابق في معقل الرئيس الأسد في محافظة اللاذقية على الساحل الشمالي الغربي. وقُتل أكثر من ألف شخص، معظمهم من المدنيين.

وفي بادرة إيجابية، عُقد يوم الإثنين اتفاق مهم بين الحكومة وفصيل مسلح آخر، هو قوات سوريا الديمقراطية (SDF) التابعة للمنطقة الكردية شبه المستقلة في شمال شرقي سوريا. ووافقت قوات سوريا الديمقراطية على دمج جميع قواتها ومؤسساتها في الحكومة المركزية في دمشق.

ومع ذلك، لا يزال خطر اندلاع مزيد من العنف في هذا البلد الممزق قائماً. وهذا يثير شكوكاً جدية في إمكان تحويل رؤية الشرع إلى واقع.

ما سبب أعمال العنف الأخيرة؟

اندلعت الاضطرابات في إثر هجوم مسلّح في في اللاذقية. وأعاد هذا الهجوم إحياء جراح الحرب الأهلية السورية، التي استمرت 13 عاماً، متسبباً بأعنف أعمال عنف منذ سقوط الأسد في كانون الأول/ديسمبر الماضي.

ووفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، قُتل ما لا يقل عن 1068 مدنياً في أعمال العنف، معظمهم من الأقلية العلوية، بالإضافة إلى بعض المسيحيين.

قالت الأمم المتحدة إنها تلقّت تقارير "مقلقة للغاية" عن مقتل عائلات بأكملها، بمن فيهم أطفال.

ينتمي كثيرون من أفراد عائلة الأسد وكبار مسؤولي نظامه السابق إلى الأقلية العلوية. واستمرت التوترات بين هؤلاء والحكومة الجديدة، التي تهيمن عليها فصائل سنية.

وأعلنت الحكومة أنّ عملياتها ضد القوات الموالية للأسد انتهت بحلول يوم الإثنين. كما أقرّ الشرع بوقوع انتهاكات لحقوق الإنسان، وأعلن إجراء تحقيق لتحديد المسؤولين عنها. وبينما دافع عن حملة القمع بشكل عام، شدد على أنه ينبغي لقوات الأمن "ألا تبالغ في ردها".

وعقب أعمال العنف، أعرب وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، عن تضامنه مع الأقليات الدينية والعرقية في سوريا، داعياً الحكومة الموقتة إلى محاسبة الجناة.

ودان أعمال العنف أيضاً الاتحاد الأوروبي، الذي خفف مؤخراً بعض القيود على سوريا من أجل دعم "الانتقال السياسي الشامل".

العدالة الانتقالية هي الأساس

في بلد متنوع ومنقسم بشدة، مثل سوريا، أدّت عقود من الدكتاتورية إلى تأكّل الهوية الوطنية وتأجيج الصراع الطائفي. لذلك، تُعَد عملية عدالة انتقالية شاملة أمراً بالغ الأهمية.

ستساعد هذه العملية على تجسير الهويات بين مختلف الطوائف العرقية والدينية، وتعزيز الوحدة الوطنية، مع احترام الهويات الفريدة لكل فئة.

وعلى الرغم من تأكيد الإدارة الجديدة أهمية التماسك الاجتماعي، فإن قواتها تُتهم بالتصرف خلافاً لهذا التعهد، وبارتكاب عمليات إعدام خارج نطاق القضاء. وأدى الخطاب الطائفي، الصادر عن بعض الشخصيات الموالية للحكومة، إلى تأجيج التوترات.

علاوةً على ذلك، واجه العلويون تهميشاً متزايداً، بما في ذلك الفصل من الوظائف العامة، وخفض الرواتب، والاضطهاد المُستهدَف.

تُبرز هذه التطورات حاجة سوريا المُلحة إلى لجنة عدالة انتقالية مستقلة. فمن دون نهج مُنظم لمحاسبة مرتكبي الجرائم، وتحقيق المصالحة الوطنية، تُخاطر البلاد بإبدال دورة قمع بأخرى. وهذا لن يُساهم إلا في تعميق المظالم، بدلًا من معالجتها.

إنّ وجود عملية عدالة مُصممة جيداً أمرٌ بالغ الأهمية لمساعدة السوريين على تجاوز الماضي، وبناء مستقبل مستقر وشامل.

تحديات سوريا الموحَّدة

في ظل الاضطرابات المستمرة، عزز الاتفاق الأخير الموقع بين قوات سوريا الديمقراطية ("قسد") وحكومة الشرع الآمال في أنّ البلاد لا تزال لديها فرصة للمحافظة على وحدتها وتجنب التشرذم.

مع ذلك، لا تزال تفاصيل كيفية دمج قوات "قسد" غير واضحة. فهل سيحقق الأكراد أخيراً مطلبهم الراسخ بالحكم الذاتي شبه الذاتي ضمن دولة اتحادية؟ أم أنّ هذا الاندماج سيمثل نهاية تطلعاتهم؟

الوضع معقّد بالقدر نفسه بالنسبة إلى العلويين والدروز في المناطق الغربية والجنوبية من سوريا، نظراً إلى وجود قوتين إقليميتين قويتين تدعمانهم.

هذه عقباتٍ خطيرة أمام وحدة سوريا. وفي ظلّ هذه البيئة، قد يكون النظام الفيدرالي الخيار الأخير القابل للتطبيق للمحافظة على تماسك البلاد. ومع ذلك، إذا استمرّ النظام الجديد في رفض هذه الفكرة، فإنّ البلاد مُعرّضة لخطر التشرذم، ولا شكّ في حدوث مزيد من العنف.

نقلته إلى العربية: بتول دياب.