"الغارديان": المهاجرون إلى أوروبا.. فقدان الحياة والوطن والهوية

فريق من الخبراء يستخدمون تقنيات جديدة لمساعدة أقارب المفقودين في أزمة الهجرة إلى أوروبا.

0:00
  • "الغارديان": المهاجرون إلى أوروبا.. فقدان الحياة والوطن والهوية

صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر تقريراً للكاتبة ليندا غيديس، تتحدّث فيه عن أزمة فقدان الهوية للمهاجرين الذين توفّوا أثناء هجرتهم إلى أوروبا عبر البحر.

أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية بتصرّف:

قبل نحو 5 سنوات جرف البحر جثمان طفل بعمر 6 سنوات يرتدي سترة نجاة ومعطفاً ثلجياً إلى شاطئ جنوب النرويج، بعد شهرين على غرقه يقاذفه تيّار بحر الشمال. ورغم أنّ ملامح وجه الملاك الصغير قد تحلّلت، إلا أنّ الضجّة حول غرق قارب المهاجرين الذين كانوا يحاولون عبور القناة الإنكليزية من فرنسا إلى المملكة المتّحدة، والشكوك حول هوية الطفل حثّت الشرطة النرويجية على إجراء سلسلة تحقيقات، مكّنتها من مطابقة حمضه النووي مع قريب للطفل، وأعلنت أنّه أرتين نجاد، غرق مع كامل أفراد عائلته المكوّنة من 5 أفراد.

عشرات الآلاف من المهاجرين يموتون في أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا، ولا يتمّ التعرّف رسمياً إلّا على أقلّ من ربع عددهم، أما معظمهم فيبقى مجهول الهوية، ممّا يَزيد ألم ومعاناة عائلات الضحايا الذين يعيشون في صدمة دائمة. لهذا تسعى شبكة من علماء الطب الشرعي للعمل على تغيير هذا الوضع، من خلال تطوير تقنيّات وعمليّات جديدة تساعد على جهود تحديد هوية الضحايا.

أُطلقت "مبادرة تحديد هوية ضحايا الكوارث للمهاجرين "أم دي في أي" منذ أشهر قليلة، وهي تجمع الخبرات من مختلف أنحاء أوروبا لمعالجة أزمة إنسانية متنامية لضحايا الهجرة مجهولي الهوية في القارّة، بحسب وصف مديرة المبادرة الدكتورة البريطانية كارولين ويلكينسون، التي تعتقد "أنّ ما لا يقلّ عن 25 ألف شخص لقوا حتفهم خلال السنوات العشر الماضية في أثناء محاولتهم عبور البحر الأبيض المتوسط ​​فقط، وهذا لا يتضمّن الذين يموتون على الطرق البرّيَّة الأخرى. ولا يتمّ التعرّف رسميّاً إِلّا على 25% من جثّامين المتوفّيِين، والبقية لا تُنتشل أبداً".

لا يوجد سجلّ رسمي لعدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم في أثناء محاولتهم عبور القناة الإنكليزية، إلّا أنّ تقريراً صدر حديثاً عن موقع "الديمقراطية المفتوحة"، يقدّر أنّ هناك ما لا يقلّ عن 391 حالة وفاة بين عامي 1999 و2023، في حين أعلنت المنظّمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتّحدة أنّ عام 2024 الأكثر دموية إطلاقاً، مع وقوع نحو 57 حالة وفاة. لكن، تبقى هذه الأرقام "تقديرات بسيطة للغاية، خاصّة أنّه في حالات عبور أعالي البحار تزداد احتمالات اختفاء القوارب وغرقها بقوّة"، كما تقول جوليا بلاك، من مكتب المهاجرين المفقودين التابع للمنظّمة الدولية للهجرة. وتضيف أنّه "إذا اختفوا من دون أن يتركوا أثراً، فمن الناحية الواقعية، لا يعرف عنهم أنّهم مفقودون إلّا عائلاتهم".

رغم أنّ انجراف الجثث إلى شواطئ المملكة المتّحدة أمر نادر نسبياً، لكنّها معنية بالأمر مثل السلطات الفرنسية والأوروبيّة الأخرى، على حدّ تعبير جون مارسدن، منسّق تحديد هوية ضحايا الكوارث الوطنية في المملكة المتّحدة. وقال: "إذا كنت قريباً من الحدث، فمن المأمول أن تستعيد جثّة سليمة، ولكن إذا استمرّ مرور الوقت، فقد ينتهي بك الأمر بإيجاد أجزاء جثامين أو بقايا هياكل عظمية تحتاج إلى تحديد هويتها وإعادتها إلى الوطن، حيثما أمكن، وهو عمل صعب جدّاً ومعقّد للغاية".

ومن بين القضايا التي تثيرها هذه الكوارث أنّ الضحايا، وعلى النقيض من ضحايا الكوارث الأخرى، لا يحملون في كثير من الأحيان جوازات سفر أو أيّ شكل آخر من أشكال إثبات الهوية التي قد توفّر للمحقّقين أدلّة مفيدة. وما يزيد الطين بلّة أنّ عائلات المفقودين يحجمون عن التواصل مع السلطات في البلدان التي يشتبهون في اختفاء أحبّائهم فيها، على الرغم من يأسهم في الحصول على معلومات عنهم.

وقد توصّلت الأبحاث التي أجرتها المنظّمة الدولية للهجرة إلى أنّ الأطر القائمة للتعامل مع استفسارات الأشخاص المفقودين في المملكة المتّحدة لم تكن شاملة بما يكفي لدعم احتياجات هذه الأسر. وتشير المقابلات التي أجريت مع أفراد مقيمين في المملكة المتّحدة كانوا يبحثون عن شخص فقد في طريقه إلى المملكة المتّحدة إلى أنّ الخوف بشأن وضعهم في الهجرة كان عاملاً مشتركاً آخر. تقول جوليا بلاك: "لقد تأثّرت حقّاً بكلام مهاجر أخبرني أنّه لا يمكنك البحث عن شخص آخر، عندما يتعيّن عليك إخفاء نفسك".

حتّى وقت قريب، كانت البلدان مرتبكة في التعامل مع وفيات المهاجرين باعتبارها حوادث متعلّقة بتحديد هوية ضحايا الكوارث، ممّا يعني أنّه قد لا تتبع بروتوكولات الطبّ الشرعي، وقد لا تجمع البيانات بشكل مثاليّ. تقول ويلكينسون إنّه "إذا كان الأمر يعتبر تحديد هوية ضحايا الكوارث فقط، فيمكن للبلدان أيضاً أن تطلب المساعدة من الإنتربول، والتعاون مع الدول الأخرى لتوسيع الموارد المحتملة. وإذا لم تكن كذلك، عندها يصبح التحقيق في كثير من الأحيان جنائيّاً، مع ما يترتّب عن ذلك من عواقب سلبية على الناجين أو أسر الضحايا".

ومع ذلك، خلال العامين الماضيين تزايدت وتيرة المناقشات المتعلّقة بالمهاجرين داخل مجموعة عمل تحديد هوية ضحايا الكوارث التابعة للإنتربول، التي تركّز على نحو أساسي على الربط ودعم برامج مثل برنامج ويلكينسون، الهادف في المقام الأوّل إلى تعزيز قدرة أوروبا على التعامل مع الآلاف من الوفيات على حدودها، من خلال التعاون البحثي وزيادة عدد المختصّين ذوي الخبرة.

أحياناً تكون الصور الفوتوغرافية للشخص المفقود متاحة بسهولة، وربّما التقطت في أثناء رحلته ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي. وكانت الدكتورة ويلكنسون قد قامت بدراسة مع زملائها استخدمت فيها صور ما بعد الوفاة لوجوه 29 مهاجراً تمّ التعرّف إليهم من أرشيف صورهم الخاصّة. وباتّباع بروتوكول طوّروه سابقاً قورنت الصور مع بعضها، وبلغ معدّل الدقّة الإجمالي درجة 85%. كذلك، طوّرت المبادرة جهاز مسح محمولاً يتيح للمستجيبين الأوائل أو العاملين في الجمعيّات الخيرية تسجيل ملامح المهاجرين المتوفّين قبل أن تبدأ عملية التحلّل، ممّا يعزّز فرص نجاح التعرّف إلى هوياتهم. وقال الدكتور فريدريك بيزومبيس أحد مطوّري الجهاز، إنّ "أهمّية التصوير ثلاثي الأبعاد هو أنّه بمجرد التقاط صورة، يمكنك تغيير الزوايا والإضاءة وإدخال العديد من العناصر التي قد تجعل وجه المتوفّي أكثر قابلية للتعرّف إليه من قبل أقاربه ومعارفه، في حين أنّ الصورة ثنائية الأبعاد قد تكون أكثر صعوبة".

تتعلّق مأساة المهاجرين الضحايا بمن تركوا خلفهم من عائلات وأصدقاء لا يمكنهم حتّى أن يحزنوا بشكل طبيعي حتى يحصلوا على الإجابات التي يستحقّونها بشأن أحبائهم. ولأجل هذه القضية الأخلاقية والإنسانية يجب مساعدة هؤلاء كي يعلموا مصير فقيدهم حتّى يتمكنوا من المضي قدماً بحياتهم.

نقله إلى العربية: حسين قطايا