"الغارديان": فلسطينيون محررون يصفون أهوال السجون الإسرائيلية

يقول الأسرى الذين احتُجزوا في سجن نفحة إنهم تعرّضوا للضرب المبرح، وتمّ تقييد أيديهم وأرجلهم وإساءة معاملتهم لفظياً والتسبّب بإصابتهم بأمراض فطرية وجلدية والاعتداء عليهم بالموسيقى الصاخبة لمدة تصل إلى يومين متتاليين.

0:00
  • فلسطينيون محررون من السجون الإسرائيلية
    فلسطينيون محرّرون من السجون الإسرائيلية

صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر تقريراً يوثّق شهادات مروّعة لمعتقلين فلسطينيين أفرجت عنهم "إسرائيل" مؤخراً، كاشفاً عن نظام ممنهج من التعذيب والإهمال الطبي وسوء المعاملة داخل السجون الإسرائيلية، وخاصة بحق معتقلي غزة الذين احتُجز كثير منهم من دون توجيه أي تهمة.

أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:

قبل إطلاق سراحه، قرّر حرّاس السجن الإسرائيليون تقديم هدية وداع لنسيم الرضيع. فقيّدوا يديه، ووضعوه أرضاً، وانهالوا عليه بالضرب بلا رحمة، مودّعين إياه بالطريقة نفسها التي استقبلوه فيها: بلكماتهم. كانت رؤية راضي لغزة للمرة الأولى منذ نحو عامين ضبابية؛ وبعد يومين، أصيب بضربة حذاء في عينه، ما أدى إلى تشوش بصره. فأُضيفت بذلك مشكلات الرؤية إلى قائمة الأمراض التي أصيب بها خلال فترة اعتقاله التي استمرت 22 شهراً في أحد السجون الإسرائيلية.

اعتقل جنود الاحتلال الإسرائيلي الموظف الحكومي البالغ من العمر 33 عاماً من بيت لاهيا في مدرسة تحوّلت إلى ملجأ للنازحين في غزة في 9 كانون الأول/ديسمبر 2023. وأمضى أكثر من 22 شهراً في الأسر في مراكز الاحتجاز الإسرائيلية، بما في ذلك 100 يوم في زنزانة تحت الأرض، قبل إطلاق سراحه إلى جانب 1700 معتقل فلسطيني آخرين وإعادتهم إلى غزة يوم الاثنين.

وكغيره من المعتقلين الذين تمّ إطلاق سراحهم وإعادتهم إلى غزة، لم تُوجَّه إلى الرضيع أيّ تهمة. ومثل كثيرين غيره، اتسم اعتقاله بالتعذيب والإهمال الطبي والتجويع على أيدي حرّاس السجون الإسرائيليين. ويُعدّ وصفه لفترة سجنه جزءاً مما تصفه منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية "بتسليم" بسياسة إساءة معاملة المعتقلين الفلسطينيين في السجون ومراكز الاحتجاز الإسرائيلية. 

لم تستجب مصلحة السجون و"الجيش" الإسرائيليان على الفور لطلب التعليق على هذا الموضوع، لكنهما قالتا في الماضي إنّ ظروف السجن تتوافق مع القانون الدولي. وقال الرضيع، متحدّثاً عن وضعه في سجن نفحة في صحراء النقب، وهو آخر مكان احتجز فيه قبل إطلاق سراحه: "كانت الظروف في السجن قاسية للغاية، من تقييد أيدينا وأرجلنا إلى التعرّض لأقسى أنواع التعذيب". ولم تكن الضربات استثناءً، بل كانت جزءاً مما وصفه بنظام مجدول من الإساءة.

وأردف قائلاً: "لقد استخدموا الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي لترهيبنا، إضافة إلى الإهانات والشتائم المتواصلة. وكان لديهم نظام قمع صارم؛ إذ كانت البوابة الإلكترونية للقسم تُفتح عند دخول الجنود برفقة كلابهم، ويصرخون ’على بطنك، على بطنك‘، ويبدأون بضربنا بلا رحمة". وأضاف أنّ الزنازين كانت مكتظة، بحيث كان هناك 14 شخصاً محشورين في غرفة مصمّمة لـ5 أشخاص فقط. وقد أدّت الظروف غير الصحية إلى إصابته بأمراض فطرية وجلدية لم تتحسّن بالعلاج الطبي الذي وفّره السجن.

إضافة إلى ذلك، أُفرج عن الطالب الجامعي محمد العسلية (22 عاماً) من سجن نفحة يوم الاثنين، والذي أُصيب بالجرب أثناء فترة اعتقاله. وقال محمد، الذي اعتُقل في 20 كانون الأول/ديسمبر 2023 من مدرسة في جباليا، إنه "لم تكن هناك رعاية طبية. وقد حاولنا معالجة جروحنا باستخدام مطهّر أرضي، لكن ذلك زاد الأمر سوءاً. كما كانت الفرش متسخة، والبيئة غير صحية، ومناعتنا ضعيفة، والطعام ملوّثاً". وأضاف: "كانت هناك منطقة يُطلقون عليها اسم ’الديسكو‘، حيث كانوا يُشغّلون موسيقى صاخبة بلا انقطاع ليومين متتاليين. وكانت هذه إحدى أكثر أساليب التعذيب إيلاماً وسوءاً. كما كانوا يُعلقّوننا على الجدران، ويرشّوننا بالهواء البارد والماء، وأحياناً كانوا يرشّون مسحوق الفلفل الحار على المعتقلين". 

لقد فقد كلا الرجلين الكثير من وزنهما أثناء فترة الاحتجاز، بحيث دخل الرضيع السجن بوزن 93 كيلوغراماً وخرج منه بوزن 60 كيلوغراماً. أما محمد، فكان وزنه 75 كيلوغراماً وقت الاعتقال ووصل إلى 42 كيلوغراماً في إحدى مراحل الاحتجاز. وأشار مسؤولون طبيون فلسطينيون إلى أنّ الكثير من المعتقلين المفرج عنهم يوم الاثنين وصلوا في حالة صحية سيئة. وقال مدير العلاقات العامة في مستشفى ناصر جنوبي غزة، إياد قديح، الذي استقبل المعتقلين اليوم الاثنين، إنّ "آثار الضرب والتعذيب كانت واضحة على أجساد المعتقلين، مثل الكدمات والكسور والجروح وآثار السحل على الأرض وآثار القيود التي كانت تربط أيديهم بإحكام". كما أنّ عدداً كبيراً منهم نُقلوا إلى قسم الطوارئ بسبب تدهور حالتهم الصحية. وأردف أنه إضافة إلى الإصابات الجسدية الناجمة عن الضرب، بدا أنّ السجناء لم يتناولوا الطعام لفترات طويلة.

وبحسب اللجنة العامّة لمناهضة التعذيب في "إسرائيل" (PCATI)، وهي منظمة غير حكومية، يتمّ احتجاز نحو 2800 فلسطيني من غزة في السجون ومراكز الاحتجاز الإسرائيلية من دون توجيه تهم إليهم. فقد سُمح باحتجاز الفلسطينيين من غزة بشكل جماعي من دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة من خلال التغييرات التي طرأت على القانون الإسرائيلي منذ الهجوم الذي شنّته حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 والذي أسفر عن مقتل نحو 1200 شخص.

في كانون الأول/ديسمبر 2023، عدّل البرلمان الإسرائيلي قانون المقاتلين غير الشرعيّين للسماح بالاعتقال الإداري من دون تهمة عندما يكون لدى الضابط "أسباب معقولة للاعتقاد" بأنّ الشخص مقاتل غير شرعي. ويمكن تمديد الاعتقال الإداري إلى أجل غير مسمّى تقريباً. ويقول محامون إسرائيليون إنّ الاعتقال الجماعي للفلسطينيين من قبل "إسرائيل" يتزامن مع تدهور حادّ في ظروف الاحتجاز وإنّ هذا الأمر أصبح مسألة سياسة.

وقد أشار تال شتاينر، المدير التنفيذي للجنة العامّة لمناهضة التعذيب في "إسرائيل" (PCATI)، إلى أنّ "حجم التعذيب ونطاقه والإساءة في السجون والمعسكرات الإسرائيلية ازداد بشكل حادّ منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر. ونرى ذلك جزءاً من السياسة التي ينتهجها صنّاع القرار الإسرائيليون، أمثال إيتامار بن غفير وآخرين". وقد تفاخر بن غفير، وزير الأمن اليميني المتطرّف، بتوفير "الحد الأدنى من الطعام". وكتب في منشور على مواقع التواصل الاجتماعي في تموز/يوليو: "أنا هنا لضمان حصول "الإرهابيين" على الحدّ الأدنى من الحدّ الأدنى".

وعلى الرغم من الانتهاكات الشديدة التي واجهوها في السجون، إلّا أنّ الكثير من المعتقلين في غزة شعروا بأنهم واجهوا أسوأ أنواع التعذيب. 

بعد إطلاق سراحه، حاول الرضيع الاتصال بزوجته، لكنّ هاتفها كان خارج الخدمة. ليكتشف بعد ذلك أنها استشهدت وجميع أبنائه، باستثناء واحد، في غزة أثناء فترة احتجازه. وقال: "كنت سعيداً لأنّ يوم خروجي تزامن مع يوم ميلاد طفلتي صبا، في 13 تشرين الأول/أكتوبر. وكنتُ قد خطّطتُ لإهدائها أجمل هدية لتعويضها عن عيد ميلادها الأول، الذي لم نتمكّن من الاحتفال به بسبب اندلاع الحرب. حاولت أن أجد بعض الفرح في الإفراج عني في هذا اليوم، لكن للأسف، ذهبت صبا مع عائلتي، وذهبت معها فرحتي". 

نقلته إلى العربية: زينب منعم.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.