"الغارديان": كيف أثّرت طفولة ماسك في جنوب أفريقيا على شخصيته؟

نشأ الملياردير، ومستشار ترامب الحالي، إيلون ماسك، في ظل انهيار الحكم الأبيض في جنوب أفريقيا. فكيف تؤثر طفولته على قراراته السياسية؟

  • إيلون ماسك (في الأمام على اليسار) في فريق الشطرنج من كتاب المدرسة السنوي لعام 1985 في مدرسة بريانستون الثانوية
    إيلون ماسك (في الأمام على اليسار) في فريق الشطرنج من كتاب المدرسة السنوي لعام 1985 في مدرسة بريانستون الثانوية

صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر تقريراً تتحدث فيه عن طفولة الملياردير إيلون ماسك في جنوب أفريقيا، وعن تأثيرها على مواقفه الحالية.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

في مبناها الرئيسي المهيب ذي الجناحين المزدوجين من الطوب الأحمر، وعلى إيقاع "أغاني هارو"، أمضى إيلون ماسك سنوات تعليمه في مدرسة بريتوريا الثانوية للبنين في جنوب أفريقيا، إحدى المدارس الخاصة الإنكليزية التي تأسّست عام 1901. وماسك، الذي أصبح الآن وبسرعة نفّاثة أحد أقوى الأشخاص في السياسة الأميركية، نشأ في ظلّ نظام الفصل العنصري، الذي بدأت سنوات احتضاره بعد أن هزّته الانتفاضات الشعبية المتتالية في العام 1984، إلى أن ثارت جميع مدن ونواحي البلاد في العام 1986، حيث فرضت حكومة الأقلّية البيضاء حالة الطوارئ، لكن في الجيوب السكنية البيضاء المنفصلة، كانت الحياة رغدة وسعيدة.

قال جوناثان ستيوارت عن ذلك، وهو كان أعلى بعام من ماسك في مدرسة "بريتوريا بويز "، التي كان من طلّابها أيضاً السياسي العمالي الإنكليزي بيتر هاين، والروائي الحائز على جائزة بوكر دامون غالغوت، والقاتل "الأولمبي" أوسكار بيستوريوس، بينما كانت البلاد ككلّ في حالة من النيران والاضطرابات، "كنّا آمنين للغاية في ضواحينا الصغيرة شبه المعزولة والبيوت الوثيرة نمضي حياتنا بشكل طبيعي للغاية".

وكان ماسك قد انتقد في الشهر الماضي على منصة التواصل الاجتماعي "إكس"، "القوانين العنصرية" للبلد الذي ولد فيه، وقال إنّ "السكّان البيض في جنوب أفريقيا يتعرّضُون للاضطهاد العرقي في بلدهم الأم".

بعد هذه التصريحات التي أدلى بها الرجل الذي يتولّى الآن رئاسة الكفاءة الحكومية "Doge"، وهي إدارة خاصة أنشأها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي وقّع أمراً تنفيذياً يتّهم فيه حكومة بريتوريا بالتمييز العنصري الجائر ضد "الأفريكانز"، أيّ الأفارقة البيض، مستدلّاً بقانون يسمح لجنوب أفريقيا بمصادرة الأراضي في ظروف محدّدة. ووجّه قرار ترامب كلّ الوكالات الحكومية الأميركية لوقف المساعدات لجنوب أفريقيا، التي تحصل على 17% من ميزانيتها المخصصة لمكافحة مرض الإيدز من الولايات المتحدة.

مع ذلك، لم يكن من الواضح إلى أيّ مدى كان لماسك، الذي غادر جنوب أفريقيا في عام 1989 إلى بلد والدته كندا ثمّ إلى الولايات المتحدة، يد مباشرة في تشجيع ترامب على إصدار هذا الأمر.

لقد اهتم ترامب بالاضطهاد المزعوم للبيض في جنوب أفريقيا منذ فترة رئاسته الأولى، حين زارت "مجموعة حقوقية أفريكانية" الولايات المتحدة، للادّعاء زوراً، أنّ المزارعين البيض كانوا يقتلون من أجل نزع أراضيهم بتواطؤ من الحكومة. وقد شاهد ترامب أحد قادة المجموعة خلال مقابلة على قناة تلفزيونية أميركية، وغرّد على "تويتر" داعماً لها.

كذلك تأثر ترامب بمصالح أخرى في قراره، من ضمنها ما تقوله جماعات أميركية تنتقد قضية جنوب أفريقيا ضدّ "إسرائيل" في محكمة العدل الدولية بشأن الحرب على غزّة، والتي أشار إليها ترامب في أمره التنفيذي.

ولكن، مع وجود ماسك الآن من بين أقرب مستشاري ترامب، فمن غير المرجّح أنّه لم يُطلع الرئيس على آرائه، نظراً لارتباطها أيضا بمصالحه التجارية في جنوب أفريقيا، التي ما تزال فيها الأقلّية البيضاء التي تشكل نسبة 7% فقط من السكّان، تمتلك أكثر من 70% من الأراضي الزراعية، يزعم ماسك أنّ قوانين الإصلاح الزراعي، عنصرية وبمستوى السرقة. كما أيّد الادّعاءات بأنّ قتل المزارعين البيض في جنوب أفريقيا يرقى إلى مستوى الإبادة الجماعية، مع أنّ التقارير والأبحاث تشير إلى أنّ دوافع الجرائم مالية.

وقد تصاعدت هجمات ماسك على جنوب أفريقيا في وقت يخوض  نزاعاً مع حكومتها حول "قوانين العمل الإيجابي"، حيث يحاول بيع شبكة "ستار لينك" الفضائية الخاصة به في البلاد. ويعترض أغنى رجل في العالم على قانون يطالب المستثمرين في قطاع الاتصالات بتخصيص 30% من الأسهم في الجزء الجنوب أفريقي من المؤسسة للشركات المملوكة للسود. بهذا المعنى سيضيف الأمر التنفيذي لترامب مزيداً من الضغط على حكومة بريتوريا لإعفاء ماسك من "قوانين تمكين السود" الوطنية.

لذا، إلى أيّ مدى أثّرت سنوات نشأة ماسك في ظلّ نظام الفصل العنصري البائد، على مواقفه اليوم، من أدائه في ما بدا وكأنّه تحية نازية، وهو توصيف يرفضه، خلال احتفالات تنصيب ترامب، إلى احتضانه للأحزاب السياسية اليمينية المتطرفة مثل "حزب البديل من أجل ألمانيا"، وتبقى هذه المسألة في محلّ نقاش مفتوح.

استفاد "الأفريكانز" الناطقون باللغة الإنكليزية مثل عائلة ماسك من التسلسل الهرمي العرقي للفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وعاشوا حياة منفصلة في الغالب عن الشريحة البيضاء الحاكمة.

وكان ماسك قد أمضى العامين الأولين من سنوات الدراسة الثانوية في مدرسة بريانستون الثانوية للبيض فقط في جنوب أفريقيا في ضواحي الأثرياء الشمالية في العاصمة جوهانسبرغ. وهي مدرسة حكومية مختلطة الجنس باللغة الإنكليزية تتقاضى رسوماً وتأسست في عام 1968، وتتكوّن من مبان مستطيلة عبّرت عن اتّجاهات العمارة في منتصف القرن الماضي.

كما كانت جنوب أفريقيا آنذاك والآن، كانت مدرسة بريانستون الثانوية مهووسة بالرياضة. قالت ليزلي بيرنز، التي تخرجت من المدرسة في عام 1984، وهي السنة الأولى لماسك في الثانوية: لقد "كان الأمر أشبه بالمجتمع الأميركي. كان هناك جميع الرياضيين واللاعبين المشهورين في فريق كرة القدم".

وكان ماسك قد تعرّض حين كان عضواً في فريق الشطرنج بالمدرسة عام 1985، لتنمّر شرس، بلغ ذروته بملاحقته، ودفعه من أعلى الدرج وضربه ضرباً مبرّحاً أدّى إلى دخوله المستشفى، بينما رفضت إدارة المدرسة الإجابة عن الأسئلة حول الحادث.

انتقل ماسك وشقيقه كيمبال إلى مدرسة بريتوريا للبنين، وكان محبوباً للغاية، وفقاً لجدعون فوري الذي كان لديه دروس في علوم الكمبيوتر مع ماسك. يقول: "لقد كان إيلون شخصية عادية جداً، ولم يكن بأيّ حال من الأحوال رياضياً خارقاً، أو فاسقاً أو مشاكساً، وكان لديه مجموعة من الأصدقاء".

كان نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا قد أخضع وسائل الإعلام المحلّية لرقابة صارمة. ولطالما عتمت الصحف الأخبار، لا سيّما التقارير عن الاضطرابات المتزايدة في البلدات والاعتقالات الجماعية، إلى أنّ حُظرت بالكامل.

وصف ماسك نفسه ذات مرّة بأنّه "ليس محافظاً"، وأنّه دعم كلّ مرشحي "الحزب الديمقراطي" في كل الانتخابات الرئاسية منذ فوز باراك أوباما في العام 2008. لكن، من الواضح أنّ ماسك يشكّك في النظام الديمقراطي والقادة الذين ينتجهم.

 في ثلاثينيات القرن الماضي، ترأّس جدّ إيلون ماسك حركة سياسية هامشية مناهضة للديمقراطية في كندا وذات ملامح فاشية، جهدت لإقامة حكم نخبوي تكنوقراطي. لكنّهُ انتقل بعدها إلى جنوب أفريقيا، لأنّ نظام الفصل العنصري كان يروقه.

ويبدو ماسك الآن سعيداً باحتضانه النسخة الأميركية من الحاكم "القوي" من خلال دعم ادّعاء ترامب بأنّ إرادة الرئيس لها الأهمّية القصوى.

ويتكهّن بعض أقران ماسك في المدرسة بأنّ آراءه الحالية حول جنوب أفريقيا، قد تكون متأثرة بإنهاء الفصل العنصري و "معجزة" وصول نيلسون مانديلا ليصبح أوّل رئيس أسود للبلاد في عام 1994. 

ليس غريباً سماع البيض في جنوب أفريقيا يقولون إنّهُم يتعرّضون للتمييز، وغالباً ما يستشهدون بقوانين العمل الإيجابي. وفي منتصف الشهر الماضي، تجمّع المئات خارج السفارة الأميركية في بريتوريا، وهم يحملون لافتات كتبت عليها شعارات مثل "الحمد لله على الرئيس ترامب" و"اجعل جنوب أفريقيا عظيمة مرّة أخرى"."

في حين أنّه من النادر سماع البيض في جنوب أفريقيا يقولون إنّهم يريدون العودة إلى الفصل العنصري، إلّا أنّه ليس غريباً أيضاً سماع كبار السن يعبّرون عن الحنين إلى ذلك الزمن. "لقد كان وقتاً جيداً، لأنّه لم يكن لدينا جريمة. لم تكن هناك مشكلات"، قال إيرول ماسك في مقابلة بالفيديو من منزله الفسيح في كيب تاون، عندما سئل عن طفولة ابنه إيلون، وأضاف "هذه هي الحقيقة، لكن بالطبع لا يريد الناس سماع ذلك".

كان لدى ماسك وشقيقيه الأصغر سناً كيمبال وتوسكا، علاقة مضطربة مع والدهم، وفقاً لكيمبال الذي أخبر كاتب سيرة ماسك والتر إيزاكسون بأنّ والدهم كان يصرخ عليهم لمدّة ساعتين إلى 3 ساعات، واصفاً إياهم بأنّهم عديمو القيمة ومثيرون للشفقة. كذلك اتّهَمت والدة ماسك زوجها بأنّه عرض أولادهما إلى الإيذاء الجسدي. وحين سئل الوالد عن هذه المزاعم، نفاها وقال "إنّها هراء".

وكان الشقيقان قد انفصلا عن والدهما في عام 2017، ولم تكن المرّة الأولى، حين أنجب طفلاً من ابنة زوجته البالغة من العمر 30 عاماً جانا بيزويدنهوت، وفقاً لإيزاكسون. 

وحسب رواية إيرول، أنّهما غضبا منه عندما عبّر عن دعمه لترامب عام 2016، في حفل أقاموه في كيب تاون بمناسبة عيد ميلاده السبعين وعيد ميلاد ماسك الخامس والأربعين. قال إيرول، لقد "تغيّرت الأمور مع تولّي جو بايدن السلطة قبل نحو 4 سنوات، حين أدرك إيلون أنّهم يحاولون تدمير أميركا. الآن، نتبادل الرسائل يومياً. بالطبع، لا يستطيع دائماً الردّ، لكنّ مساعده يتولّى المهمّة".

نقله إلى العربية: حسين قطايا.