"الغارديان": مقابر جماعية في العراق.. عراقيون يبحثون عن أحباء مفقودين

يوجد في العراق ما يصل إلى مليون شخص مفقود بعد عقود من الصراع. وتواجه فرق الطب الشرعي تحدّيات هائلة لتوثيق الرفات بينما تنتظر الأسر على أمل إغلاق الملف.

0:00
  • "الغارديان": مقابر جماعية في العراق.. عراقيون يبحثون عن أحبّاء مفقودين

صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر  تقريراً كتبته مارتا بيلينغريري، تتحدّث فيه عن المقابر الجماعية في العراق، حيث تواجه فرق الطب الشرعي تحدّيات هائلة لتوثيق الرفات بينما تنتظر الأسر على أمل إيجاد رفات أحبّائها.

أدناه نصّ المقال منقولاً إلى العربية بتصرّف:

يوجد في العراق ما يصل إلى مليون شخص مفقود بعد عقود من الصراع. وتواجه فرق الطبّ الشرعيّ تحدّيات هائلة لتوثيق الرفات بينما تنتظر الأسر على أمل إغلاق الملف.

قال ضرغام عبد المجيد إنّه عندما وصل للمرة الأولى إلى الحفرة التي تسمّى "بئر علو عنتر" التي يبلغ عمقها 20 متراً في قضاء تلعفر، شمال العراق، في حزيران/يونيو، رأى شيئاً لم يشهده قطّ خلال عمله لمدة 15 عاماً في حفر المقابر الجماعية.

وذكر أنّ "هذا الموقع مختلف عن أيّ موقع آخر كنت أعمل عليه، من حيث العمق، وصعوبة الصعود والنزول، وبقايا البشر واحدة فوق الأخرى، وسقوط الحجارة، والحشرات، وكتلة التربة التي نقلناها لانتشال هؤلاء الضحايا". 

ومن أجل حفر الجثث، ضحايا تنظيم "داعش"، كان على فريقه بناء درج وتوظيف خبير في الزواحف لمنع لدغات الثعابين.

أكثر من 45 عاماً، كانت التربة العراقية غارقة في دماء جثث مئات الآلاف من الأشخاص المدفونين في مقابر جماعية غير مميّزة بينما تعاملت البلاد مع صراعات متعدّدة بما في ذلك الحرب الإيرانية العراقية من عام 1980 إلى عام 1988، والحروب الأهلية من عام 2006 إلى عام 2008 واحتلال "داعش" بين عامي 2014 و2017، بالإضافة إلى ضحايا نظام صدّام حسين.

ولهذه الأسباب، يُعتقد أنّ العراق يضمّ عدداً أكبر من المفقودين مقارنة بأيّ دولة أخرى، وفقاً للصليب الأحمر الدولي، حيث تتراوح التقديرات بين 250 ألفاً ومليون شخص.

منذ عام 2008، أرسلت وزارة الصحة العراقية ومؤسسة الشهداء، وهي هيئة حكومية تساعد في تحديد هوية الضحايا، فرقاً من علماء الأنثروبولوجيا الشرعية والأطباء في مختلف أنحاء البلاد للعثور على المقابر الجماعية وحفرها واستعادة الجثث. والهدف هو تحديد هوية الجثث بمساعدة تحليل الحمض النووي وإعادتها إلى الأسر التي تبحث عن أحبّائها المفقودين.

في حين أننا نعلم بوجود أكثر من 200 مقبرة جماعية من عهد احتلال "داعش"، إلا أنّ عدد المقابر الجماعية من عهد نظام صدام لا يزال غير معروف.

كانت الجثث المكدّسة في "بئر علو عنتر"، أكثر من 100 في المجموع، وهي كانت ضحايا لواحدة من الجرائم العديدة التي ارتكبها تنظيم "داعش" عندما احتلّ شمال العراق.

لا يزال فريق الطب الشرعي يعمل على تحديد هوية الضحايا في "بئر علو عنتر". ولكن بفضل امرأة شاهدة، نجت من المذبحة وثلاث سنوات من العبودية الجنسية لـ "داعش" في العراق وسوريا، علِم عبد المجيد أنّ الضحايا من مجتمعات مختلفة.

ولكن في توضيح لتعقيد قضية المفقودين في العراق، يقول عبد المجيد إنّهم عثروا على عظام "ربما تعود إلى ضحايا مذابح سابقة، ربما من تسعينيات القرن العشرين أو من زمن القاعدة بعد عام 2003".

وقد حظيت الفرق العراقية بدعم خبراء من الأمم المتحدة الذين ساعدوا سابقاً في جمع الأدلة لمقاضاة جرائم "داعش"، فضلاً عن العمل على المذابح في رواندا والبوسنة والأرجنتين وكمبوديا.

بالإضافة إلى حفر القبور، تسافر الفرق عبر العراق للتواصل مع ضحايا الأسر للحصول على عيّنات الحمض النووي وغيرها من الأدلة لتتناسب مع الرفات المستخرجة.

كان جمع الحمض النووي للعائلات الإيزيدية - إحدى أقدم الأقليات في العراق - المهمة الأكثر تحدّياً منذ مقتل العديد من أفراد العائلة نفسها، أو ترك العراق كلاجئين للسفر إلى أوروبا أو أماكن بعيدة مثل أستراليا.

في مدينة سنجار شمال العراق، موطن الشعب الإيزيدي، اجتمعت شيرين إبراهيم أحمد ومجتمعها في آب/أغسطس عند النصب التذكاري للإبادة الجماعية الإيزيدية في مدينة سولاغ القريبة لإحياء الذكرى السنوية العاشرة لجرائم "داعش".

قُتلت والدة شيرين وجدّتها. وعلى الرغم من قيام فريق الطب الشرعي بحفر القبر، إلّا أنّ جثتيهما لم يتمّ التعرّف إليهما بعد. ولا يزال كلاهما يعتبران من المفقودين. وقالت شيرين إنها فقدت أيضاً شقيقها ووالدها. ولم ينجُ من الحادث سوى شقيقتين تعيشان الآن في دهوك، في إقليم كردستان العراق.

وأضافت: "عندما اختطفني تنظيم داعش، كنت مع أختي وابنتَي عمي. لكن كلّ واحدة اختطفت من قبل جهة مختلفة وتركوني وحدي. عدت بفضل ابنة عمي في العراق، اتصل بها الداعشي. جاء مهرّب ليأخذني: باعوني مقابل 10 آلاف دولار".

يتوقّع فريق المقابر الجماعية العراقي أن يستمرّ عملهم لسنوات عديدة وهم يحاولون الكشف عمّا حدث لأحبّائهم والتحقيق مع المسؤولين عن الفظائع. يقولون إنّ لديهم أملاً واحداً: أن تكون المقبرة الجماعية التالية هي الأخيرة.

نقلته إلى العربية: بتول دياب.