"الغارديان": من غزّة إلى الضفة الغربية إلى سوريا ولبنان.. العدوان الإسرائيلي مستمّر

خرق وقف إطلاق النار، والقصف، والتوغلات البرية، وتزايد عدد القتلى: الإمبريالية الإسرائيلية تتوسع الآن في جميع أنحاء المنطقة

0:00
  • غارة إسرائيلية استهدفت شقّة في مبنى بالضاحية الجنوبية في بيروت
    غارة إسرائيلية استهدفت شقّة في مبنى بالضاحية الجنوبية في بيروت

صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر مقالاً يتناول استمرار العدوان الإسرائيلي بعد وقف إطلاق النار في غزّة ولبنان، والتهجير والقمع والقتل في الضفة الغربية، والاعتداءات الإسرائيلية على سوريا، مشيراً إلى أنّ "وقف إطلاق النار" ليس سوى وضع مؤقت وغير مستدام، وأنّ الاستراتيجية الإسرائيلية تهدف إلى الهيمنة والسيطرة على المنطقة بأكملها.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

من الواضح الآن أن وقف إطلاق النار في غزة ليس سوى "تهدئة". الهجوم الشرس مستمر، مع هجمات شبه يومية على القطاع. ففي نهاية تشرين الأول/أكتوبر، قُتل ما يقرب من 100 فلسطيني في يوم واحد. وفي 19 تشرين الثاني/نوفمبر، قُتل 32، وفي 23 تشرين الثاني/نوفمبر، قُتل 21، ولا يزال الأمر مستمراً. منذ بدء التهدئة، تجاوز عدد القتلى 300 شخص، بينما جُرح ما يقرب من 1000، وهذه الأرقام في تصاعد مستمر. يكمن التحول الحقيقي في أنّ وقف إطلاق النار قلّل الاهتمام والتدقيق العالميين، فيما يظهر مخطط "إسرائيل" الناشئ: هيمنة دموية لا تقتصر على غزة، بل تشمل فلسطين بأكملها والمنطقة برمتها.

وصفت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، أغنيس كالامارد، فترة ما بعد وقف إطلاق النار بأنها "وهم خطير بأن الحياة في غزة عادت إلى طبيعتها". وأكدت أنّ السلطات الإسرائيلية قلّلت من هجماتها وسمحت بدخول بعض المساعدات، لكنها حذّرت من أنّ "الإبادة الجماعية الإسرائيلية لم تنتهِ بعد". لا يزال أي مستشفى في غزة بعيداً عن العمل بكامل طاقته، فيما تركت الأمطار والطقس البارد آلاف الأشخاص مكشوفين في خيام متداعية. ومنذ وقف إطلاق النار في 10 تشرين الأول/أكتوبر، منعت السلطات الإسرائيلية دخول نحو 6500 طن من مواد الإغاثة التي نسقتها الأمم المتحدة إلى غزة. ووفقاً لمنظمة "أوكسفام"، مُنعت شحنات المياه والغذاء والخيام والإمدادات الطبية من 17 منظمة غير حكومية دولية خلال الأسبوعين التاليين فقط.

والنتيجة أنّ السكان الذين فقدوا منازلهم وسبل عيشهم ومساكنهم المستقرة لا يزالون محرومين من الحصول على خيام أكثر أماناً أو طعام كافٍ. تحتجز السلطات الإسرائيلية سكان غزة في عذاب دائم، مستمرةً في عقاب جماعي، مانعةً بذلك عودة الحياة الطبيعية، ومُرسخةً نفسها كحاكم وحيد غير مسؤول يتمتع بسلطة مطلقة على سكان المنطقة.

غزة في قلب توسع الإمبريالية الإسرائيلية، وهو توسع يمتد إلى الضفة الغربية وما وراءها. في الأراضي المحتلة بالضفة الغربية، تتواصل حملة القمع، التي اشتدت منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، لتتحول إلى حصار عسكري شامل. أُجبر عشرات الآلاف من الفلسطينيين هذا العام على مغادرة منازلهم، في نمط وصفته منظمة "هيومن رايتس ووتش" بأنه يرقى إلى "جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وتطهير عرقي... يجب التحقيق فيها وملاحقتها قضائياً".

في الأسبوع الماضي، ظهر مقطع فيديو يُظهر إعدام رجلين فلسطينيين في جنين على أيدي جنود إسرائيليين بعد أن بدا أنهما استسلما. وصرح إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي اليميني المتطرف، بأن القوات المشاركة في عمليات القتل تحظى "بدعمه الكامل"، وأضاف أنهم "تصرفوا تماماً كما هو متوقع منهم، يجب القضاء على الإرهابيين".

وهذه ليست سوى نافذة صغيرة، في لحظة تصويرية نادرة، على حجم سفك الدماء. فقد قُتل أكثر من 1000 شخص على أيدي القوات الإسرائيلية والمستوطنين في الضفة الغربية خلال العامين الماضيين، واحد من كل خمسة منهم أطفال. ويُشتبه في أنّ أكثر من 300 حالة كانت "إعدامات خارج نطاق القضاء". وفي تشرين الأول/أكتوبر من هذا العام، سجلت الأمم المتحدة أكثر من 260 هجوماً للمستوطنين، وهو أعلى مستوى منذ بدء تسجيلها قبل 20 عاماً، وينتهي أكثر من 93% من التحقيقات في هذه الهجمات من دون توجيه أي اتهامات. ويُقال إنّ عشرات السجناء الفلسطينيين يموتون في السجون الإسرائيلية بسبب العنف الجسدي أو الإهمال الطبي، فيما يروي الناجون مشهداً مأسوياً من التعذيب والإساءة.

ومع ذلك، لا تزال حدود تفويض "إسرائيل" بالاعتداء والقتل والاستيلاء على الأراضي تتسع. ففي الأسبوع الماضي، شنت القوات الإسرائيلية توغلاً برياً في جنوب سوريا، أسفر عن مقتل 13 سورياً، من بينهم أطفال، من دون تقديم "الجيش" الإسرائيلي أي معلومات عن المجموعة التي زعم أنه استهدفها. لقد احتفظت ببساطة بحقها في الوصول إلى الأراضي السورية، كما فعلت عدة مرات منذ غزوها واحتلالها المنطقة العازلة بين البلدين وأجزاء أخرى من جنوب سوريا. ومنذ ذلك الحين، اتهمت "هيومن رايتس ووتش" القوات الإسرائيلية بتطبيق الممارسات الاستعمارية نفسها المتبعة في الأراضي الفلسطينية: التهجير القسري، ومصادرة المنازل، وهدمها، وقطع سبل العيش، والنقل غير القانوني للمعتقلين السوريين إلى "إسرائيل"، مع نية الحفاظ على وجودها إلى أجل غير مسمّى.

وفي لبنان، لا يزال 64 ألف شخص نازحين من ديارهم بعد حرب العام الماضي، مع تكثيف الهجمات الإسرائيلية. ورغم مفاوضات اتفاق السلام في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، استمر القصف شبه اليومي للأراضي اللبنانية، وكان آخره الأسبوع الماضي. ولا تزال "إسرائيل" تحتل خمس نقاط مراقبة تشن منها هجمات على أهداف تقول إنها مرتبطة بحزب الله. ووفقاً لقوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان، فإن "إسرائيل" مذنبة بأكثر من 10 آلاف انتهاك جوي وبري لوقف إطلاق النار، قُتل خلالها مئات الأشخاص. وفي خضم هذه المعارك، يُطرد المدنيون مرة أخرى من أراضيهم، ويصبحون عرضة للهجمات العسكرية الإسرائيلية، ويخضعون لنوع من السيادة الإسرائيلية المطلقة. ووفقاً لتقرير حديث لصحيفة "نيويورك تايمز"، فإنّ "الوضع في لبنان يُقدم مثالاً واضحاً على شرق أوسط جديد يكون فيه نفوذ إسرائيل شبه منتشر".

أي نوع من وقف إطلاق النار هذا؟ وأي نوع من الوضع الراهن هذا؟ الحل هو وضع متقلب وغير مستدام، لا يمكن لأي عقل عاقل أن يتوقع خلاله تحقيق أي نوع من السلام، سواء في فلسطين أم في الشرق الأوسط ككل. قد يكرر الوسطاء وأصحاب المصلحة والدبلوماسيون لغة "وقف إطلاق النار التدريجي" وخطط إعادة الإعمار، لكن الحقيقة أنّ هذه الخطط تتعلق بمستقبل لن يتحقق إلا بعد وضع حد لأعمال "إسرائيل" غير القانونية في أراضٍ لا تملك أي حق قانوني فيها. إنّ الوهم الخطير بعودة الحياة إلى طبيعتها لا يقتصر على غزة فحسب، بل يشمل فلسطين والمنطقة بأسرها، وسيتبدد هذا الوهم قريباً.

نقلته إلى العربية: بتول دياب.