"المونيتور": تطبيع العلاقات بين لبنان و"إسرائيل" غير واقعي
رغم آمال مبعوث ترامب، إلا أنّ تطبيع العلاقات بين لبنان و"إسرائيل" أمر غير واقعي.
-
يوم انسحاب "إسرائيل" من لبنان عام 2000
موقع المونيتور" الأميركي ينشر مقالاً يتناول فيه تصريحات المبعوث الأميركي الخاص، ستيف ويتكوف، بشأن احتمال تطبيع العلاقات بين لبنان و"إسرائيل". ويقول إن هذا الأمر غير واقعي، شارحاً الأسباب.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
يقول الخبراء إنّ تصريحات المبعوث الأميركي الخاص، ستيف ويتكوف، الأخيرة بشأن احتمال تطبيع العلاقات بين لبنان و"إسرائيل" تشير إلى أنّ إدارة ترامب ربما تسيء قراءة الديناميكيات الإقليمية والمحلية في البلاد.
ودفع التفاؤل، الذي أثارته التغييرات الأخيرة في لبنان في أعقاب نهاية الحرب بين إسرائيل وحزب الله، في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وانتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة جديدة، المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيفن ويتكوف، إلى الإشارة إلى أن احتمالات تطبيع العلاقات بين لبنان و"إسرائيل" ترتفع.
وأشار المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، المعيّن حديثاً، إلى أنّ التحولات الإقليمية قد تمتد إلى لبنان وسوريا بسبب القيادة الجديدة في لبنان، وإزالة نظام الأسد الموالي لإيران في سوريا.
وقال، في فعالية اللجنة اليهودية الأميركية في واشنطن، في الـ25 من شباط/فبراير: "بالمناسبة، يمكن للبنان أن يحشد قواته وينضم إلى اتفاقيات أبراهام للسلام، كما يمكن لسوريا أن تفعل ذلك. لذا، فإن مجموعة من التغييرات العميقة تحدث".
ولم يقدم ويتكوف مزيداً من التفاصيل، لكن تصريحاته أثارت الشكوك، بحيث وصفها المحللون بأنها غير واقعية، وشكّكوا في استعداد لبنان لمتابعة اتفاق سلام كامل مع "إسرائيل"، في أي وقت قريب.
ويأتي تعليق ويتكوف وسط تطورات إقليمية سريعة التطور. في ولايته الثانية، تعهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب تأمين الاستقرار في الشرق الأوسط، بدءاً بإنهاء حرب غزة، وفي نهاية المطاف تشجيع الدول العربية، وخصوصاً المملكة العربية السعودية، على تطبيع العلاقات مع "إسرائيل". ومع ذلك، أصرت الرياض على وجود مسار موثوق به لإقامة الدولة الفلسطينية كشرط مسبق لأي مناقشات تطبيع.
وعلى الرغم من تفاؤل الولايات المتحدة، فإن من غير المرجح أن يدفع انتخاب جوزاف عون أو رئاسة نواف سلام للحكومة، إلى جانب انخفاض قوة حزب الله، لبنانَ إلى تطبيع العلاقات مع "إسرائيل".
لدى لبنان و"إسرائيل" تاريخ طويل من العداء، تميز بالحروب والصراعات الحدودية. غزت "إسرائيل" لبنان في عام 1978، ومرة أخرى عام 1982، الأمر الذي أدى إلى احتلال طويل الأمد، وإعطاء مزيد من الزخم لصعود حزب الله.
تواجه القيادة الجديدة في لبنان تحديات متعددة، بما في ذلك عواقب حرب "إسرائيل" الأخيرة. وعلى الرغم من وقف إطلاق النار، الذي تم التوصل إليه في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر، فإن "إسرائيل" تواصل السيطرة على خمس نقاط استراتيجية على طول الحدود الجنوبية.
خلال الصراع، الذي استمر 14 شهراً بين "إسرائيل" وحزب الله، من تشرين الأول/أكتوبر 2023 إلى تشرين الثاني/نوفمبر 2024، أسفر الصراع عن خسائر بشرية كبيرة في الجانب اللبناني، وتسببت الحرب بنزوح واسع النطاق، بحيث نزح نحو 1.2 مليون شخص في لبنان، وأكثر من 46500 في "إسرائيل". وكانت الآثار المالية شديدة، بحيث واجه لبنان دماراً بقيمة 8.5 مليارات دولار، بما في ذلك الأضرار التي لحقت بـ 100000 منزل.
لذلك، يبدو من غير المرجح حدوث مصالحة محتملة بين "إسرائيل" ولبنان، الأمر الذي قد يؤدي إلى انضمام بيروت إلى اتفاقيات "أبراهام"، التي تم توقيعها خلال ولاية ترامب الأولى في عام 2020 بين "إسرائيل" والإمارات العربية المتحدة والمغرب والبحرين، وفقاً لكريم بيطار، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة القديس يوسف في لبنان. الذي قال للمونيتور: "لا أرى أي مسؤول لبناني يفضّل هذا التطبيع. حتى أكثر السياسيين اللبنانيين تأييداً للغرب يدرك أنه أمر غير قابل للتنفيذ في هذه المرحلة"، مضيفاً أنّه "ستكون العواقب السياسية المحلية مدمّرة إذا أدى الضغط الأميركي الكبير في العامين المقبلين إلى بدء عملية التطبيع".
مشاعر معادية لـ "إسرائيل"
إنّ أيّ طرف لبناني يدعم هذه العملية سوف يواجه رد فعل عنيفاً من الفصائل المعادية لـ "إسرائيل"، بحيث تعمل مجموعة من الجماعات السياسية في نهاية المطاف على إفشال الاتفاق. ولا تنبع هذه المعارضة من حروب "إسرائيل" الأخيرة في لبنان وغزة فحسب، بل تنبع أيضاً من عدوانها التاريخي على لبنان وأفعالها في المنطقة، وخصوصاً تجاه الفلسطينيين.
غزت "إسرائيل" لبنان للمرة الأولى في عام 1978 بـ "عملية الليطاني"، تلاها احتلالها جنوب لبنان في عام 1982 في أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، التي استمرت حتى عام 2000. في عام 2006، خاضت "إسرائيل" وحزب الله حرباً مدمرة استمرت 34 يوماً. ومؤخراً انخرط الطرفان في صراع مسلح عنيف دام 14 شهراً مرتبطاً بحرب غزة عام 2023، والتي انتهت بوقف إطلاق نار هش.
وعلى الرغم من التوترات المستمرة، انخرط لبنان و"إسرائيل" في مفاوضات في بعض الأحيان، مثل اتفاقية الحدود البحرية، التي توسطت فيها الولايات المتحدة في عام 2022، وتم توقيعها بين البلدين.
وتشمل المحاولات السابقة للسلام هدنة عام 1949، التي علّقتها "إسرائيل" في عام 1967، واتفاقية عام 1983، التي توسطت فيها الولايات المتحدة، والتي انهارت في النهاية بسبب المعارضة القوية، داخلياً وخارجياً.
وقال ديفيد وود، كبير المحللين اللبنانيين في مجموعة الأزمات الدولية، لـ"المونيتور"، إنّ "لبنان وإسرائيل لا يزالان بعيدين عن التطبيع السياسي، يحيث يعارض كثير من اللبنانيين، وليس فقط من يؤيد حزب الله، سياسات "إسرائيل" بشدة على مر السنين".
وأضاف: "لا أعتقد أنّ كثيرين من اللبنانيين يدعمون تطبيع العلاقات مع إسرائيل، لأنهم يعتقدون أن إسرائيل لم تعامل الفلسطينيين وجيرانها، بما في ذلك لبنان، باحترام".
وعلى رغم عدم تفصيل اقتراح ويتكوف بأنّ لبنان يمكن أن يطبع العلاقات مع "إسرائيل"، فإنّ النائب اللبناني وائل أبو فاعور كشف أنّ الإدارة الأميركية قد تدفع نحو المصالحة بين لبنان و"إسرائيل"، وتواصلت بالفعل مع مسؤولين لبنانيين رئيسيين. ومع ذلك، تم رفض الاقتراح.
وقال سام هيلر، المحلل المقيم ببيروت في شركة "سنتشري إنترناشيونال"، لموقع "المونيتور"، إنّ تعليق ويتكوف يبالغ في تقدير أهمية القيادة الجديدة في لبنان. ورأى أنّ "تصريحاته تُعَدّ نوعاً من التفاؤل المفرط بشأن نوع التغيير الذي يمكن للأميركيين وحلفائهم فرضه في المنطقة".
هذه ليست المرة الأولى خلال فترة ولاية ترامب الثانية، التي تمارس فيها الولايات المتحدة ضغوطًا على لبنان. في أوائل شباط/فبراير، دعت نائبة المبعوث الخاص للولايات المتحدة للشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، إلى استبعاد حزب الله وحلفائه عن الحكومة، على الرغم من إدراج الأفراد الذين تربطهم علاقات وثيقة بهم في وقت لاحق في الحصة الشيعية.
وأوضح هيلر: "ليس لدى الأميركيين شعور متماسك أو مترابط تماماً بالوسائل والغايات، أو ما يمكنهم أن يطلبوه ويحققوه بصورة واقعية".
وفي حين أنّ الولايات المتحدة لديها القدرة على الضغط على لبنان، بعد أن قدمت مليارات الدولارات من المساعدات على مر السنين، بما في ذلك أكثر من 3 مليارات دولار للجيش اللبناني، أوضح وود أنه "سيكون من الخطير جداً أن تحاول الولايات المتحدة الضغط على لبنان لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، لأن الفكرة غير شعبية للغاية".
وأضاف: "قد تؤدي هذه القضية المثيرة للانقسام إلى رد فعل عنيف ضد الحكومة، الأمر الذي يقوض صدقيتها، في وقت يشعر المجتمع الدولي بالتفاؤل بشأن الحكومة الجديدة، ويأمل أن تغتنم الفرصة للإصلاح، وبدء فصل جديد في تاريخ لبنان".
نقلته إلى العربية: بتول دياب.