"المونيتور": هل تُعدّ حملة الشرع على الدروز تحذيراً لكرد سوريا؟

يراقب الكرد السوريون، الذين يسيطرون على ربع مساحة سوريا في الشمال والشمال الشرقي، عن كثب تطوّرات الأحداث في السويداء.

0:00
  • جثث مدنيين على جانب أحد شوارع مدينة السويداء
    جثث مدنيين على جانب أحد شوارع مدينة السويداء

موقع "المونيتور" الأميركي ينشر تقريراً يتناول تطوّرات النزاع في السويداء جنوب سوريا، ويرى أنّ ما جرى في السويداء هو نموذج يُراد تكراره في الشمال الشرقي ضدّ قوات سوريا الديمقراطية ذات الأغلبية الكردية.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

أعلن وزير الدفاع السوري وقف إطلاق النار في السويداء يوم الثلاثاء، مع دخول القوات الحكومية المدينة، عقب موجة من العنف الطائفي خلّفت نحو 100 قتيل. وصرّح اللواء مرهف أبو قصرة بأنه تمّ التوصّل إلى اتفاق مع وجهاء محليين لوضع المدينة تحت سيطرة قوى الأمن الداخلي السوري.

بدأت الأحداث بهجمات انتقامية بين أفراد من قبيلة بدوية سنية وجماعات مسلحة درزية بسبب عملية سطو يوم الجمعة، ثم تطوّرت إلى اشتباكات شاملة يوم الأحد. وتدخّلت القوات الحكومية، قائلةً إنها تعيد النظام، لكن الفصائل الدرزية تزعم أنّ الهدف الحقيقي كان السيطرة على السويداء. يقول المعلّقون إنّ النتيجة أصبحت نشر قوات الأمن السورية في معقل الدروز، وباتت تُمثّل انتصاراً كبيراً للرئيس السوري أحمد الشرع، في سعيه لترسيخ قبضته على السلطة في أعقاب هجومه الخاطف في كانون الأول/ديسمبر الذي أطاح بنظام الأسد.

بعد سبعة أشهر، لا تزال مساحات شاسعة من البلاد خارج سلطة الحكومة، حيث يُسيطر الكرد على ربع أراضيها في الشمال والشمال الشرقي، بينما يُسيطر الدروز على السويداء والقنيطرة في الجنوب.

لطالما كانت التوترات بين الدروز والقبائل البدوية قائمة منذ قرون، مع اندلاع نوبات من إراقة الدماء بين المجتمعين بسبب الأراضي وغيرها من الموارد. قال مكرم رباح، أستاذ التاريخ في الجامعة الأميركية في بيروت والمتخصص في شؤون الأقليات، لموقع "المونيتور": "يبدو الأمر ظاهرياً وكأنه صراع درزيّ-بدويّ. لكنّ البدو لا يملكون أسلحة ثقيلة؛ ولا طائرات مسيّرة". وأضاف رباح: "اختار الشرع هذه المعركة لتحقيق هدفه المتمثّل في بسط سيطرة الحكومة على السويداء".

وبينما يستحيل إثبات ذلك، تتشارك جماعات درزية مختلفة آراءً مماثلة. وقد صرّح رجال الكرامة - وهو فصيل درزي ينشط بشكل رئيسي في السويداء ويتبنّى نهجاً أكثر تصالحية - في بيان يوم الاثنين بأنه يحمّل الحكومة "المسؤولية الأساسية عن الوضع الراهن بسبب فشلها في الحفاظ على الأمن، وصمتها في مواجهة الانتهاكات المتكرّرة، وتسامحها مع تدخّل الفصائل التابعة لها وانحيازها إلى جماعة على أخرى".

يوم الثلاثاء، زعم فصيل آخر بقيادة الزعيم الروحي حكمت الهجري، المُعادي للحكومة علناً، أنّ اتفاق وقف إطلاق النار "فُرض علينا" و"جاء تحت ضغط من دول أجنبية ودمشق". وفي رسالة مصوّرة مثيرة، قال الهجري: "رغم قبولنا بهذا البيان المُهين، استمر القصف العشوائي للمدنيين العُزّل في السويداء. نحن نتعرّض لحرب إبادة شاملة".

جاءت دعواته، المُصمّمة لحشد الدعم الدولي، في الوقت الذي قصفت فيه طائرات عسكرية إسرائيلية قوات الحكومة السورية في السويداء يوم الاثنين، فيما وصفه وزير الأمن الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، بأنه "تحذير واضح للنظام السوري - لن نسمح بإلحاق الأذى بالدروز في سوريا". إلّا أنّ الضربات الإسرائيلية كانت في معظمها تمثيلية، ولا تُنذر بمزيد من التدخّل الإسرائيلي، باستثناء ضمان عدم بقاء الأسلحة الثقيلة في المدينة، على حدّ قول رباح.

ويعود ذلك إلى تحوّلين رئيسيين خلال الشهرين الماضيين، واللذين عزّزا موقف الشرع بشكل كبير. الأول هو احتضان الرئيس دونالد ترامب للشرع، وهو عضو سابق في تنظيم القاعدة، خلال اجتماع عُقد في الرياض في 14 أيار/مايو، وتخفيف العقوبات الأميركية على سوريا في أعقابه. أما الثاني، فيتعلّق بمحادثات مباشرة بوساطة أميركية، أفادت التقارير أنها تجري بين الشرع ومسؤولين إسرائيليين، بهدف التوصّل إلى اتفاق لا يرقى إلى مستوى اتفاق تطبيع الذي يُنشئ علاقات دبلوماسية كاملة، ولكنه يضمن تعاوناً أمنياً شاملاً بين الجارين اللذين لطالما طال عداؤهما.

"إسرائيل" والشرع يشتركان في عداوة مشتركة تجاه إيران ووكلائها الإقليميين، وعلى رأسهم حزب الله في لبنان. كما أنّ هناك القليل من الودّ المفقود بين الشرع وحركة الإخوان المسلمين، التي تقودها حماس، وهي ميليشيا أخرى مدعومة من إيران. لم يقل الزعيم السوري شيئاً يُذكر عن محنة الفلسطينيين في غزة.

وضعت "إسرائيل" نفسها كمدافع عن الدروز السوريين الذين يُقدّر عددهم بـ 700 ألف نسمة، مستشهدة بصلتهم مع دروزها بالقرابة والبالغ عددهم 150 ألف نسمة. في أعقاب انهيار نظام الأسد في كانون الأول/ديسمبر، غزت القوات الإسرائيلية سوريا واستولت على المنطقة منزوعة السلاح التي أُنشئت بموجب اتفاقية فكّ الارتباط في مرتفعات الجولان لعام 1974. ولا تزال المرتفعات تحت الاحتلال الإسرائيلي.

في 2 أيار/مايو، شنّت "إسرائيل" أكثر من 20 غارة جوية في أنحاء سوريا عقب اشتباكات عنيفة بين جماعات درزية ومسلحين سنة في ضواحي دمشق، جرمانا وصحنايا والأشرفية والسويداء. قال رباح: "يحثّ الإسرائيليون الدروز على إبرام صفقة مع الحكومة".

وافقه الرأي فابريس بالانش، الأستاذ المشارك ومدير الأبحاث في جامعة ليون 2 في فرنسا، والذي يدرس سوريا عن كثب، قائلاً إنّ "إسرائيل والشرع قد توصّلا إلى اتفاق بالفعل على الأرجح". ووصف الغارات الجوية الإسرائيلية خلال الأيام الماضية بأنها "رمزية في معظمها".

قال بالانش للمونيتور: "أولوية الأطراف الإقليمية المعنية والغرب هي استقرار سوريا. ستتمّ التضحية بالأقليات السورية، إذا لزم الأمر".

يراقب الكرد عن كثب أحداث السويداء، ويتعرّضون لضغوط دولية متزايدة بقيادة المبعوث الأميركي إلى سوريا توم برّاك - لدمج قواتهم مع دمشق. وقال سركيس كاسارجيان، المعلّق السوري الأرمني، للمونيتور: "ليس هناك شكّ في أنّ ما حدث في السويداء هو رسالة من الشرع إلى الكرد".

كخطوة فورية، تريد دمشق من قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الكرد الانسحاب من المناطق الواقعة شرق نهر الفرات والتي تسيطر عليها في منطقة دير الزور ذات الأغلبية العربية. تقاوم قوات سوريا الديمقراطية هذه المطالب، قائلة إنّ الحكومة المركزية بحاجة إلى ضمان شكل من أشكال الحكم الذاتي لها - بما في ذلك على قواتها العسكرية - قبل توقيع اتفاق نهائي. تتجاوز توقّعاتهم بكثير ما يرغب الشرع في تقديمه، ويُقال إنّ صبره ينفد. ولذلك، لن يكون من المستغرب أن يتمّ تشجيع القبائل العربية التي تعيش تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على الثورة ضدّ الكرد، مما يوفّر للقوات الحكومية ذريعة للتدخّل في دير الزور كما فعلت في السويداء، كما أشار كاسارجيان.

وكيف سيكون ردّ فعل الولايات المتحدة؟ المؤشرات ليست مشجّعة للغاية، إذ سحبت الولايات المتحدة خلال الأشهر الماضية مئات من قواتها المشاركة مع قوات سوريا الديمقراطية في القتال ضدّ تنظيم "داعش"، بما في ذلك من دير الزور. وصرّح المبعوث الأميركي إلى سوريا، توم برّاك، بأنّ الهدف هو تقليص الوجود العسكري الأميركي إلى قاعدة واحدة، بدلاً من ثماني قواعد. وفي إحاطة إعلامية في نيويورك يوم الجمعة، حثّ برّاك الكرد ودمشق على الإسراع في التوصّل إلى اتفاق، مشيراً إلى أنّ الجيش الأميركي "لا يخطّط للبقاء في سوريا إلى الأبد".

وقال رباح: "المركزية مهمة جداً للعرب، ويجب أن تتضمّن الصورة العامّة في جميع هذه المناطق الاعتراف بالشرع كصاحب السيادة. إنه يريد قسم الولاء". وأضاف أنّه في النهاية "الحكم الذاتي المحلي أمر واقع"، وإنّ الشرع ذكي بما يكفي "لإدراك ذلك". ولكنّ الخطر الحقيقي يكمن في الفصائل السنية المتطرّفة العاملة تحت إمرته، والتي قد تعمل بشكل مستقل ــ كما فعلت في شهر آذار/مارس خلال موجة من عمليات القتل الانتقامية التي استهدفت الأقلية العلوية في البلاد، رداً على سلسلة من الهجمات المنسّقة التي شنّتها فلول نظام الأسد.

نقلته إلى العربية: بتول دياب.