"فورين أفيرز": عندما تتحوّل الحروب التجارية إلى حروب طاحنة
كيف تُزعزع الرسوم الجمركية استقرار عالمٍ محفوفٍ بالمخاطر أصلاً؟
-
"فورين أفيرز": عندما تتحوّل الحروب التجارية إلى حروب طاحنة
مجلة "فورين أفيرز" الأميركية تنشر مقالاً يناقش السياسات التجارية الحمائية التي تبناها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وتأثيراتها السلبية في التجارة الدولية والاقتصاد العالمي، مستعرضاً خلفيات تاريخية مشابهة للتحذير من عواقب تكرار السياسات نفسها.
مقال المجلة يحذّر من أنّ الحروب التجارية، كتلك التي أطلقها ترامب، لا تعزز القوة الاقتصادية، إنما تُضعف العلاقات الدولية، وتزيد احتمال الصراع، تماماً كما أثبت التاريخ.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
لقد تراجع الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤقتاً عن الرسوم الجمركية الشاملة التي اقترح فرضها على معظم دول العالم، لكنه لا يزال يُحدث فوضى في التجارة العالمية، فقد فرض رسوماً جمركية أساسية بنسبة 10% على معظم الواردات، ورفع نسبة هذه الرسوم على مجموعة متنوعة من السلع المحددة، بما في ذلك الصلب، وفرض رسوماً جمركية بنسبة 145% على واردات الصين، أكبر دولة مُصنّعة في العالم، رغم أنه وافق الآن على خفض هذه النسبة إلى 30%، فكانت النتيجة سلسلة من الحروب التجارية بين واشنطن وحكومات أخرى، وعلى رأسها بكين.
إنّ الاضطرابات التي تسبّب بها ترامب في الاقتصاد العالمي خطيرة، وقد تبدو جديدة، لكن الوضع الراهن ليس بجديد. ولا يحتاج المرء إلى النظر إلى الوراء بعيداً ليرى ما قد تفعله رسوم الرئيس الجمركية بالعالم، فالمشكلات التي يواجهها الاقتصاد العالمي اليوم تُعيد إلى الأذهان بعض المشكلات التي كانت قائمة قبل إنشاء منظمة التجارة العالمية عام 1995، وأخرى كانت قائمة حتى قبل الاتفاقية العامة للتعرفات الجمركية والتجارة (الغات) لعام 1947، وهي الاتفاقية التي سبقت منظمة التجارة العالمية.
وإلى أن ساعدت هذه الهيئات في توحيد معايير التجارة، كانت الدول تستخدم التجارة غالباً لانتزاع تنازلات من بعضها البعض. وقد خلقت هذه الدول واستغلت ما يُطلق عليه الاقتصاديون "مشكلات التعطيل": عندما تستثمر دولة أو شركة في دولة أخرى وتعتمد الأرباح على استمرار العلاقة بين الطرفين.
وللتوضيح، قد تُنشئ دولة معينة بنية تحتية نفطية في دولة أخرى، بحيث يكون المورّد وحده قادراً على صيانتها أو تشغيلها. وبمجرد إبرام مثل هذه الصفقات، تستطيع الدول القوية إرغام شركائها على تغيير شروط الاتفاقية ببساطة باستخدام لغة التهديد.
قد تستفيد الدول من استخدام التجارة كسلاح على المدى المنظور، لكن على المدى الطويل، تُفاقم الحروب التجارية وضع الجميع تقريباً. فعندما تلجأ الدول باستمرار إلى استخدام النفوذ الاقتصادي لتأمين تنازلات من شركائها الضعفاء، يتراجع معدل الاستثمار والنمو الاقتصادي، وتزيد حدّة التقلبات السياسية.
والدول التي تغتاظ من الإكراه الاقتصادي، تلجأ في بعض الأحيان إلى جيوشها للرد، والدول التي كانت تتعاون سابقاً بفضل علاقاتها التجارية تتحول إلى دول متنافسة، حتى الحلفاء المقرّبون يتباعدون. قد يظن ترامب أن نظام الرسوم الجمركية الخاص به سيجعل الولايات المتحدة أكثر ثراءً وأماناً وقوة، لكن التاريخ يُشير إلى أنّ الوضع سيتخذ منحى معاكساً تماماً.
جهود ضائعة
مطلع القرن التاسع عشر، بدأ التجار الأميركيون التعامل مع المستعمرين الأميركيين في مملكة هاواي. في ذلك الوقت، كان اقتصاد الجزر يدور حول مزارع قصب السكر، التي كان الكثير منها مملوكاً أو خاضعاً لسيطرة رجال أعمال أميركيين كانوا يصدرون السكر إلى السوق الأميركية. وفي وقت لاحق، أبرمت الدولتان معاهدة المعاملة بالمثل عام 1875، التي ألغت الرسوم الجمركية على سكر هاواي الداخل إلى الولايات المتحدة لمساعدة مزارعي السكر. ونتيجةً لذلك، ازدهر اقتصاد السكر في هاواي.
في البداية، حققت هذه الصفقة نجاحاً معقولاً لهاواي، التي أصبحت أكثر ثراءً بفضل صادراتها، لكنها جعلت المملكة تعتمد بشكل متزايد على الولايات المتحدة، التي تمكنت من استغلال ذلك لمصلحتها. على سبيل المثال، رفضت واشنطن تجديد معاهدة المعاملة بالمثل ما لم تمنحها هاواي حقوقاً حصرية في ميناء بيرل هاربور.
بعد ذلك، ألغى المسؤولون الأميركيون الرسوم الجمركية المفروضة على جميع واردات السكر الأجنبية في تسعينيات القرن التاسع عشر، ومنحوا المنتجين المحليين دعماً لحماية الصناعة الأميركية من المنافسة الأجنبية والحفاظ على انخفاض الأسعار. وبالتالي، حرم هذا الأمر هاواي من مزايا التكلفة، فتعرض مزارعو هاواي للسحق، ما زاد من دعم النخبة الأميركية في الجزر لضمها. وقد نجحت هذه النخبة في مساعيها، رغم المعارضة الساحقة من السكان الأصليين في هاواي.
ولم تكن هاواي الدولة الوحيدة التي عانت من التبعية التجارية، فقد استثمرت الولايات المتحدة والدول الأوروبية في مناجم السكك الحديدية والبنية التحتية النفطية في المكسيك، بعد أن صادرتها المكسيك مباشرة ومن خلال تغييرات تنظيمية، في حين هاجمت سلالة تشينغ بنوكها وسككها الحديدية في الصين، وتعرضت الاستثمارات الغربية في كوبا للتخريب في ظل الحكم الاستعماري الإسباني. ولعل أشهر هذه الأساليب هو استغلال ألمانيا مكانتها كواحدة من أكبر مستوردي المنتجات الزراعية في أوروبا الشرقية لكسب النفوذ السياسي في تلك المنطقة قبل الحرب العالمية الثانية.
بدورها، كبحت هذه المخاطر التبادل الاقتصادي العام، إذ لم ترغب أي دولة في أن تُقهر أو تُجبر على فعل ما لا يناسبها؛ فابتعد الكثير منها عن التجارة الدولية. وكان الآباء المؤسسون للولايات المتحدة يخشون أن يؤدي الاعتماد الاقتصادي على المملكة المتحدة إلى منح لندن نفوذاً غير مستحق حتى بعد فوزهم في الحرب الثورية. لذلك، قاموا بتقليص حجم التجارة عبر الأطلسي.
وخشيت الصين في عهد أسرة تشينغ من أن يكون الاعتماد على التجارة نقطة ضعف أمنية، فابتعدت عن الأسواق العالمية. وتبنت الإمبراطورية الروسية سياسة الاكتفاء الذاتي في أواخر القرن التاسع عشر لتفادي أي نقاط ضعف. وفي ثلاثينيات القرن العشرين، ذهبت اليابان إلى حد الاستيلاء على إقليم منشوريا بهدف إنشاء كتلة مكتفية ذاتياً تعمل على تزويد طوكيو بالمواد الخام من دون الحاجة إلى التفاوض مع الغرب.
خلال هذه الحقبة المضطربة، كانت الحروب التجارية متكررة ومزعزعة للاستقرار، وساهمت أحياناً في إشعال صراع مباشر، وأدى قانون التعريفة الجمركية "سموت-هاولي" لعام 1930، الذي رفع نسبة الرسوم الجمركية الأميركية على أكثر من 20 ألف سلعة، إلى اندلاع حرب تجارية عالمية أدت بدورها إلى تكثيف التنافسات الجيوسياسية وساعدت في دفع ألمانيا وإيطاليا واليابان نحو الاكتفاء الذاتي والتوسع.
كان أشهر هذه الحروب هجوم طوكيو على ميناء بيرل هاربور عام 1941 بعد فرض الولايات المتحدة رسوماً جمركية وحصاراً ورقابة على صادرات اليابان من النفط والخردة المعدنية ووقود الطائرات. كما أنّ التوترات التجارية حاضرة في الكثير من الصراعات العسكرية الأخرى. على سبيل المثال، ساهم الضغط التجاري والقمع البحري في اندلاع حرب عام 1812.
في المقابل، شهدت التجارة في حقبة ما قبل منظمة التجارة العالمية، ولا سيّما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ومضات مشرقة. على سبيل المثال، طبّعت الصين والولايات المتحدة علاقاتهما عام 1979. وفي عام 1980، منحت الولايات المتحدة الصين علاقاتٍ تجارية طبيعية دائمة ومعاملة جمركية تفضيلية بموجب القانون الأميركي، ولكن كان على الكونغرس الأميركي، طوال عقدين من الزمن، التصويت سنوياً لتجديد الوضع التجاري الطبيعي للصين، بشرط تقديم بكين تنازلات في مجال حقوق الإنسان ومنع الانتشار.
وعلى الرغم من ذلك، أضعف التشكيك الدائم التجارة والاستثمار، بحيث ترددت الشركات في التعامل بعمق مع شريك يمكن إلغاء وصوله إلى السوق الأميركية في أي وقت. ففي النهاية، تحتاج الجهات الاقتصادية الفاعلة إلى أطر عمل مستقرة ومنتظمة لتحقيق استثمارات طويلة الأجل.
رداً على ذلك، سعت بكين إلى الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية منذ إنشائها، على أمل أن تضمن للمصنعين الصينيين وصولاً عالمياً متوقعاً. وقد أثار هذا الجهد جدلاً حاداً داخل الولايات المتحدة حول ما إذا كان ينبغي السماح لها بالانضمام.
وقال دعاة التكامل الاقتصادي إن ربط اقتصاد الصين بالاقتصاد العالمي من شأنه أن يردع الصين عن شنّ صراعات عسكرية، خشية أن تتعرّض للعزل، وأن يُشجّع على التحرر السياسي، في حين خشي المعارضون أن يؤدي التكامل الاقتصادي قبل التحرير السياسي إلى تعزيز قوة المنافس الاستبدادي.
في النهاية، سمحت واشنطن لبكين بالانضمام إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001، ثم خففت المنظمة من مشكلة التأخير التي واجهتها الصين بمنع الولايات المتحدة من التهديد برفع الرسوم الجمركية سنوياً. وبدأ الاقتصاد الصيني، الذي كان يشهد بالفعل نمواً متسارعاً، ينمو بوتيرة أسرع.
وكان انضمام الصين بالنسبة إلى منظمة التجارة العالمية انتصاراً؛ فقد أُنشئت المنظمة بهدف زيادة التجارة في كل مكان ومنع الدول من استخدام التجارة كسلاح، وكان انضمام أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان (وخصم سابق للولايات المتحدة) مؤشراً على أن المنظمة حققت هدفها المنشود.
وفي ذلك الوقت، كان الأمر كذلك، إذ كانت البلدان تلتزم عادةً بالقواعد المشتركة لمنظمة التجارة العالمية، وتستمع إلى محكميها، وتتعاون مع محاكم التنفيذ التابعة لها، ولكن النظام الناتج لم يكن مثالياً على الإطلاق؛ فقد فشل، على سبيل المثال، في منع الصين من استخدام السياسة الصناعية كوسيلة لتعزيز قطاعات أو شركات محددة، على حساب الشركات الأجنبية في كثير من الأحيان، أو من تقييد الصادرات إلى البلدان التي تنتقد بكين. ولكن في العموم، حققت منظمة التجارة العالمية نجاحاً باهراً، وازدهرت التجارة، وشهد الاقتصاد العالمي نمواً أسرع مما كان متوقعاً.
العودة إلى المستقبل
جاء انتخاب ترامب عام 2016، فسارع الرئيس، الذي لطالما انتقد التجارة الحرة، إلى التخلي عن إطار عمل منظمة التجارة العالمية وتفكيكه، رافعاً بذلك معارضة المنظمة إلى مستوى جديد كلياً. وتوقفت الولايات المتحدة، التي كانت في يوم من الأيام أكبر داعم للمنظمة، إلى حد كبير عن الاستماع إلى إرشادات منظمة التجارة العالمية، وتبنّت ممارسات تجارية تنتهك قواعد المنظمة بشكل صريح، وشلّت هيئة الاستئناف التابعة للمنظمة بهدف إضعاف النظام أكثر. وبدلاً من ذلك، عاد زعماء واشنطن إلى تبني رؤية تجارية قائمة على المعاملات، مستخدمين الرسوم الجمركية كأدوات قاسية للعقاب والإكراه. وبناء عليه، عادت مشكلات التأخير التي ظنّ البعض أنها حُلّت بقوة، وبات الاستثمار طويل الأجل والتخطيط الاقتصادي العابر للحدود أكثر خطورة مع عودة الاعتبارات الجيوسياسية.
خلال فترة ولاية ترامب الأولى، ساهمت هذه السياسات في تعزيز موقف دفاعي لدى شركاء الولايات المتحدة التجاريين. على سبيل المثال، وضع الاتحاد الأوروبي سياسات جيواقتصادية جديدة، مثل أداة مكافحة الإكراه، التي تسمح للاتحاد بالرد على الإكراه الاقتصادي بفرض رسوم جمركية، أو تقييد الوصول إلى أسواق الاتحاد الأوروبي، أو تعليق الالتزامات الدولية، وبدأت الصين والولايات المتحدة فصل الاستثمارات.
ولعل هذه الإجراءات كبحت التجارة والاستثمار الأجنبي المباشر، على الرغم من صعوبة فصل التراجع في كليهما عن عواقب جائحة "كوفيد-19". ولكن حتى لو لم تكن سياسات ترامب ذات أهمية كبيرة في المرة الأولى، فإن هذا لا يعني أنها ستكون ذات تأثير بسيط اليوم.
لقد ضمت إدارة ترامب الأولى عدداً من المستشارين الذين منعوا الرئيس من فرض الرسوم الجمركية واسعة النطاق التي فرضها عام 2025. واليوم، تواجه الشركات مزيداً من الشكوك. ونتيجةً لذلك، تُكثّف الشركات الصينية جهودها بالفعل لاستبعاد المكونات الأجنبية من سلاسل التوريد الخاصة بها. وكذلك يفعل الاتحاد الأوروبي.
من المستبعد أن تُسهم رسوم ترامب الجمركية في دعم الاقتصاد الأميركي. وقد تفشل في تحقيق هدفها الرئيس المُعلن، المتمثل في إعادة وظائف التصنيع إلى الولايات المتحدة، لأن الشركات ستتردد في زيادة استثماراتها المحلية في ظل استمرار واشنطن في إبرام اتفاقيات تجارية وخرقها.
في نهاية المطاف، يستطيع البيت الأبيض القضاء فوراً على أي مصانع محلية تبنيها الشركات من خلال خفض الرسوم الجمركية. كما يريد ترامب استغلال النفوذ الذي تتمتع به الرسوم الجمركية لإجبار الدول على توقيع اتفاقيات ثنائية مع الولايات المتحدة، كما كان شائعاً قبل ظهور نظام التجارة متعدد الأطراف، لكن هذه الاتفاقيات لن تُشجع الاستثمار كثيراً. وبخلاف النظام متعدد الأطراف، يصعب إنفاذ الاتفاقيات الثنائية، وبالتالي يصعب على الدول والشركات الوثوق بها. وفي النظام الثنائي، يخشى الشركاء التجاريون باستمرار أن تقوّض أي اتفاقية يوقعونها مع الولايات المتحدة باتفاق جديد بين واشنطن وحكومة أخرى. والنتيجة هي مزيد من عدم اليقين، وبالتالي انخفاض معدل الاستثمارات.
بعبارة أخرى، قد تُخلّف حرب ترامب التجارية آثاراً اقتصادية مماثلة لتلك التي خلّفتها الحروب التجارية السابقة. وقد تُسفر أيضاً عن عواقب سياسية مماثلة. وقد تتفكك التحالفات مع سعي الدول إلى حماية مصالحها وتنويع روابطها الاقتصادية بدلاً من مجرد الثقة بشركائها. كما ستلجأ الحكومات إلى فرض الرسوم الجمركية لمحاولة إضعاف منافسيها. وقد سبق أن استخدم ترامب الرسوم الجمركية في محاولة لضم كندا (في تكرار غريب للسياسة الأميركية تجاه هاواي)، قائلاً إن كندا يمكن أن تتجنب الرسوم الجمركية من خلال تحوّلها إلى ولاية أميركية، ومهدداً باستخدام "القوة الاقتصادية" إذا لم تفعل ذلك. ورداً على ذلك، اتخذ الكنديون مساراً جديداً بعيداً عن الولايات المتحدة، وقاطعوا المنتجات الأميركية. وكذلك فعلت شعوب دول أخرى، وأدى ذلك إلى تراجع شعبية الولايات المتحدة بشكل عام في أوروبا الغربية منذ فوز ترامب.
من المستبعد أن تهاجم الولايات المتحدة أياً من هذه الدول بشكل مباشر، على الرغم من تهديد ترامب لغرينلاند الخاضعة للسيطرة الدنماركية، ولكن من خلال الحد من الاعتماد المتبادل، تعمل الرسوم الجمركية التي فرضها على خفض تكاليف المواجهة العسكرية.
مثلاً، إذا قلصت الولايات المتحدة اعتمادها الاقتصادي على أشباه الموصلات التايوانية، فقد تقرر بكين أن واشنطن لن ترد إذا حاصرت الصين الجزيرة أو غزتها. في المقابل، قد تتمكن البلدان، في عالم قائم على الصفقات، من استغلال أي تبعيات لا تزال قائمة للحصول على ميزة سياسية، كما فعلت برلين مع الزراعة في ثلاثينيات القرن العشرين. ولطالما استخدمت روسيا بشكل خاص مثل هذه الأساليب من خلال التلاعب بأسعار النفط والغاز لانتزاع تنازلات سياسية من البلدان المحيطة بها، ما ساهم في الصراع الإقليمي.
بالتأكيد، دفعت أساليب موسكو الكثير من الدول المجاورة إلى تنويع اقتصاداتها بعيداً عن روسيا. واليوم، تُكلّف أساليب مماثلة الولايات المتحدة أيضاً، ولكن في حال فقدت واشنطن مصداقيتها الاقتصادية، فقد تكون النتيجة أكثر زعزعة للاستقرار مقارنة بالدول التي لا تثق بالكرملين.
لقد شكّلت قدرة واشنطن على الالتزام باتفاقياتها العمود الفقري للكثير من المؤسسات العالمية الأساسية، بما في ذلك حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهذا سبب رئيس لكون الدولار عملة الاحتياطي العالمي؛ فمن دون أطر عمل موثوقة، ستصبح السياسة الدولية أكثر غموضاً وتقلباً، ما يزيد احتمال سوء التقدير ونشوب صراعات.
وقد يبدأ الوضع يتشابه مع الفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية، والتي نتجت جزئياً من انهيار عصبة الأمم وفشل القوى الأوروبية في القضاء على التوسع الألماني من جذوره.
قد يخفض ترامب في نهاية المطاف بعض رسومه الجمركية، ولا سيما في ظل تفاوضه مع المزيد من الدول. وقد سبق أن أبرم اتفاقية تجارية مع المملكة المتحدة، إلا أنه تخلى عن المؤسسات والأعراف التي كانت تُرسّخ استقرار التجارة العالمية. وبذلك، يُخاطر بعصر من الركود والتشرذم والخطر، وليس من القوة الأميركية المُتجدّدة. وعلى كل حال، يُظهر التاريخ أنّ هذا ما تُولّده الحروب التجارية.
نقلته إلى العربية: زينب منعم.