"فورين أفيرز": كيف تفوّق اليمنيون على الولايات المتحدة؟
أرادت واشنطن إيجاد مخرج من حملة جوية متزايدة التكلفة ومفتوحة النهاية، والإتفاق لا يقيد أعمال الحوثيين ضد أي دولة أخرى غير الولايات المتحدة.
-
"فورين أفيرز": كيف تفوّق اليمنيون على الولايات المتحدة؟
مجلة "فورين أفيرز" الأميركية تنشر مقالاً تناولت فيه قرار إدارة ترامب المفاجئ وقف حملة القصف الجوية المكثفة ضد الحوثيين في اليمن.
وذكر المقال أنّ الحملة العسكرية الأميركية ضد اليمن التي تجاوزت كلفتها ملياري دولار، وشاركت فيها حاملات طائرات وقاذفات استراتيجية،لم تُحقق أهدافها المعلنة، حيث ظلّ موقف الحوثيين ثابتاً، واستمروا في استهداف "إسرائيل" والسفن المرتبطة بها.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:
بعد سبعة أسابيع ونصف من الغارات الجوية المكثفة على أكثر من 1000 هدف منفصل، انتهت حملة القصف التي شنتها إدارة ترامب ضد الحوثيين في اليمن فجأة كما بدأت.
في 6 أيار/مايو، وفي اجتماع في المكتب البيضاوي مع رئيس الوزراء الكندي مارك كارني، أعلن الرئيس دونالد ترامب ببساطة أنّ الحوثيين "لا يريدون القتال بعد الآن" وأن الولايات المتحدة "ستقبل كلمتهم" و"توقف القصف".
وأكد وزير الخارجية العماني بدر بن حمد البوسعيدي على "إكس"، أنّ بلاده توسطت في اتفاق وقف إطلاق النار بين واشنطن والحوثيين، حيث اتفق الجانبان على عدم استهداف أحدهما للآخر.
وعلى الرغم من هجمات الحوثيين الفعالة للغاية على الشحن الدولي في البحر الأحمر، واستمرار الهجمات ضد "إسرائيل"، فإنّ الاتفاق لا يقيّد صراحة أعمال الحوثيين ضد أي دولة أخرى غير الولايات المتحدة؛ ومن اللافت للنظر غياب "إسرائيل" والسفن "المرتبطة بإسرائيل" عن الاتفاق، وهو مصطلح فسّره الحوثيون على نطاق واسع في الماضي.
الأمر المحيّر في إعلان البيت الأبيض هو أنّ موقف الحوثيين لم يتغير بشكل أساسي، منذ أن بدأت إدارة ترامب حملتها الجوية المتصاعدة في 15 آذار/مارس. ظاهرياً، جرى إطلاق عملية "الراكب الخشن" ، كما كانت تُسمّى الحملة الأميركية، لاستعادة حرية الملاحة في البحر الأحمر وإعادة إرساء الردع ضد إيران ووكلائها.
اقرأ أيضاً: "Responsible Statecraft": ما خلفيات صفقة ترامب مع اليمن؟
عندما بدأت العملية، كان الحوثيون يستهدفون "إسرائيل" صراحةً وكذلك السفن المرتبطة بـ "إسرائيل"، وإن لم تكن السفن الأميركية، وقالوا إنهم سيواصلون القيام بذلك حتى تنهي "إسرائيل" حربها في غزة. منذ بداية الحملة الأميركية، أوضح قادة الحوثيين أنه إذا أوقفت واشنطن القصف، فإنهم سيتوقفون عن مهاجمة السفن الأميركية، لكن هجماتهم على "إسرائيل" ستستمر. بعد أن أعلن ترامب عن اتفاق 6 أيار/مايو، كرر المتحدث باسم الحوثيين محمد عبد السلام هذا الموقف. بعبارة أخرى، بعد عملية عسكرية أميركية كلفت أكثر من ملياري دولار، ويُعتقد أنه كان لها تأثيرٌ بعيد المدى على القدرات العسكرية للحوثيين، لم يُضف وقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة والحوثيين سوى ترسيخٍ لموقفهم الأصلي. ورغم ادعاء ترامب أن الحوثيين "استسلموا"، لا تزال الجماعة تُحكم قبضتها على السلطة، ووصفت الاتفاق بأنه "انتصارٌ لليمن".
بالنسبة لإدارة ترامب، وفّر وقف إطلاق النار نهاية سريعة لحملةٍ كانت تزداد صعوبةً. لم يكن القصف باهظ التكلفة فحسب، بل أثار أيضاً مخاوفَ لدى صانعي السياسات في واشنطن من احتمال انزلاق الولايات المتحدة إلى حربٍ أخرى لا تنتهي في الشرق الأوسط. لا شكّ في أنّ هذا السيناريو كان مدعوماً من نائب الرئيس جيه دي فانس وأعضاء الإدارة الأكثر ميلاً إلى الانعزالية الجديدة، والذين كانوا متشككين في المغامرة العسكرية الأميركية منذ البداية.
لا يزال من غير الواضح إذا ما كانت هذه الخاتمة ستُتيح استراحةً كافيةً لإدارة ترامب للتنصل من مشكلة الحوثيين. ولكن إذا غضّ ترامب الطرف عن هجمات الحوثيين المستمرة على "إسرائيل"، فهناك ما يدعو للاعتقاد بأن الحوثيين سيتجنبون، في الوقت الحالي، مهاجمة الأصول الأميركية. من شبه المؤكد أنّ الحوثيين كانوا سيصمدون، حتى لو استمرت حملة القصف الأميركية، لكن إنهائها يحمل في طياته العديد من المزايا لهم.
يمكن لقادة الجماعة الآن القول إنهم خاضوا مواجهة مباشرة مع قوة عظمى وانتصروا، وإنهم قد تخلصوا من الضغط الذي فرضه عليهم القصف الأميركي. يمكنهم أيضاً التركيز على "إسرائيل"، التي تشارك في حملتها الجوية رداً على ضربات الحوثيين، بما في ذلك ضربة صاروخية بالستية بالقرب من مطار بن غوريون في تل أبيب في أوائل أيار/مايو. والأهم من ذلك،أنّ الاتفاق مع الولايات المتحدة يجعل من غير المرجح للغاية أن تدعم واشنطن هجوماً برياً ضد الحوثيين.
كانت إدارة ترامب مُحقة في محاولتها إيجاد مخرج من حملة جوية متزايدة التكلفة ومفتوحة النهاية.
اقرأ أيضاً: "نيويورك تايمز": ترامب يغرق في حرب مع اليمن.. تكلفة باهظة وصراع بلا أفق
تُعدّ عملية "الراكب الخشن" أكبر تدخل عسكري وأكثرها تكلفة لإدارة ترامب حتى الآن. شملت العملية أكثر من ألف ضربة جوية. ولتنفيذ هذه العملية الطموحة، نشرت الإدارة مجموعتين هجوميتين لحاملات طائرات، وطائرات مسيرة من طراز "MQ-9 Reaper"، وقاذفات "B-2 Stealth"، إضافة إلى دفاعات جوية من طراز "Patriot وTHAAD".
لكن حملة الضغط التي شنها ترامب كانت لها حدود، وفي غضون أسابيع قليلة بدأت تظهر آثارها. قصفت القوات الأميركية أهدافاً حوثية بشكل شبه يومي، بكميات هائلة من الذخائر، وزعم البنتاغون قتل كبار قادة الحوثيين. مع ذلك، لا توجد أدلة تُذكر على تصفية أعضاء من الهيكل القيادي الأعلى للجماعة؛ فدائرتها الداخلية سليمة تماماً. ومن المهم أيضاً أنّ قدرة الجماعة على ضرب أهداف أميركية وإسرائيلية يبدو أنها لم تتراجع بشكل كبير. من جانبهم، يزعم الحوثيون أنهم أسقطوا ما لا يقل عن سبع طائرات أميركية مسيرة من طراز "ريبر"، تبلغ تكلفة كل منها حوالى 30 مليون دولار، منذ آذار/مارس. في 28 نيسان/أبريل، فُقدت طائرة مقاتلة أميركية بقيمة 60 مليون دولار في البحر عندما انعطفت حاملتها بشكل حاد لتجنب نيران الحوثيين. في أوائل أيار/مايو،تمكّن الحوثيون أيضاً من اختراق صاروخ للدفاعات الجوية الإسرائيلية، بضربته قرب مطار تل أبيب.
باختصار، كانت المكاسب التكتيكية الأميركية تأتي بتكلفة عالية، بشكل متزايد ومخاطر جسيمة. زاد استمرار العمليات من احتمال مقتل أفراد الخدمة الأميركية، وهو سيناريو من شأنه أن يجر واشنطن بشكل مؤكد إلى الصراع. كما كانت الولايات المتحدة تحرق الذخائر بمعدل ينذر بالخطر. كانت وزارة الدفاع تكافح بالفعل لمواكبة الطلب على الأسلحة، بعد أن توترت بسبب الالتزامات الأميركية السابقة تجاه "إسرائيل" وأوكرانيا، وكذلك بسبب ضربات إدارة بايدن ضد الحوثيين والجهود الأميركية للدفاع عن "إسرائيل" ضد الهجمات الإيرانية المباشرة. كان بعض المسؤولين الأميركيين قلِقاً من أنّ العدد الهائل من الأسلحة بعيدة المدى المستخدمة ضد الحوثيين، وكذلك نقل كتيبة الدفاع الجوي باتريوت من القيادة الأميركية إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ إلى الشرق الأوسط، يمكن أن يُضعِفا استعداد الولايات المتحدة لمواجهة التهديدات من الصين.
اقرأ أيضاً: "ذا إنترسبت": واشنطن تخفي خسائرها البشرية الناتجة عن الحرب في الشرق الأوسط
علاوة على ذلك، كانت الغارات الجوية الأميركية تُلحق ضرراً متزايداً بالمدنيين والبنية التحتية المدنية في اليمن. على سبيل المثال، أسفر هجوم أميركي في منتصف نيسان/أبريل على ميناء رأس عيسى للوقود ومحطة التصدير في الحديدة عن مقتل أكثر من 70 يمنياً، كما أسفرت غارة في أوائل أيار/مايو على مركز احتجاز يديره الحوثيون ويحتجز مهاجرين أفارقة عن مقتل العشرات، بمن فيهم مدنيون.
باختصار، على الرغم من أن الحملة الأميركية وضعت الحوثيين تحت ضغط هائل، إلا أنهم لم يتراجعوا، حيث راهن الحوثيون منذ بداية الضربات على قدرتهم على الصمود أكثر من الولايات المتحدة وقد فعلوا.
نقلته إلى العربية: بتول دياب.