"فورين بوليسي": الحرب لأجل غرور ترامب
إنّ الهجمات التي شنّتها "إسرائيل" والولايات المتحدة على إيران، كانت في واقع الأمر أقلّ أهمّية ممّا تُظهر.
-
"فورين بوليسي": الحرب لأجل غرور ترامب
مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تنشر مقالاً يتناول أسباب الحرب الإسرائيلية - الأميركية على إيران ودوافعها، مبرزاً أن هذه الحرب كانت مدفوعة بطموحات شخصية وسياسية، لا بمصالح وطنية أو استراتيجيات مدروسة.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
لم تكن حرب بنيامين نتنياهو والرئيس دونالد ترامب ضد إيران تهدف إلى جعل الولايات المتحدة أكثر أماناً أو ازدهاراً، أو أكثر احتراماً وإعجاباً حول العالم. وبغض النظر عمّا يزعمه ترامب على منصة "تروث سوشيال"، أو ما يقوله أتباعه المخلصون، لم تكن الحرب تهدف إلى جعل الشرق الأوسط أكثر استقراراً، ولا حتى إلى حماية "إسرائيل" على المدى البعيد. كما لم تكن إيران على وشك امتلاك سلاح نووي، خلافاً لما ادّعته مديرة الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد أمام الكونغرس، قبل أن يجبرها البيت الأبيض على التراجع عن أقوالها.
وحتى لو حصلت طهران يوماً ما على القنبلة، فإن قادتها لن يتمكنوا من استخدامها ضد الولايات المتحدة أو "إسرائيل" من دون أن يكون ذلك انتحاراً وطنياً، إذ تمتلك "إسرائيل" العشرات من القنابل النووية، فيما تحتفظ الولايات المتحدة بآلاف منها. وقادة إيران يدركون ذلك جيداً.
وكما جادل الباحث السياسي كينيث والتز في آخر مقال له، فقد يكون الشرق الأوسط أكثر استقراراً لو امتلكت إيران رادعها النووي الخاص، إذ سيعزز ذلك أمنها، ويقلّص اعتمادها على حلفائها، ويقيّد قدرة "إسرائيل" على شنّ الهجمات متى تشاء. وليست إيران هي من تقصف غزة بلا رحمة منذ ما يقارب العامين، إلى جانب غاراتها على لبنان وسوريا واليمن، أو تمارس تطهيراً عرقياً بطيئاً في غزة والضفة الغربية. لذا، فإن إنهاء هذه الاعتداءات هو ما من شأنه أن يسهم في استقرار المنطقة.
ورغم وجود أسباب وجيهة للتشكيك في حجج والتز، فإنها لا تقل معقولية عن مزاعم أن القنبلة الإيرانية ستكون كارثة عالمية يجب منعها بأي ثمن. وإذا كانت الحرب تهدف حقاً إلى منع إيران من الحصول على القنبلة، فمن المرجّح أنها ستؤدي إلى نتيجة معاكسة.
ورغم أن ترامب وأبواقه يواصلون الادعاء بأن الهجمات الأميركية كانت ناجحة تماماً ودمرت البنية التحتية النووية الإيرانية، تشير التقييمات الأولية للأضرار إلى أن كل تلك القنابل الخارقة للتحصينات لم تؤخّر برنامج إيران النووي سوى بضعة أشهر. فالهياكل الرئيسية داخل منشأة فوردو لم تتضرر، كما يبدو أن إيران كانت قد أخفت أو فرّقت بعضاً أو كل مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب، وما تزال تحتفظ بالقدرة على زيادة التخصيب.
ويبدو أيضاً أن الهجمات عزّزت التيار المتشدد في إيران، الذي لطالما عارض التفاوض مع الولايات المتحدة وفضّل امتلاك القنبلة. وقد جعل ترامب حجج هذا التيار أكثر إقناعاً. وإن حصلت إيران على القنبلة مستقبلاً، فسيكون الجزء الأكبر من اللوم مستحقاً لترامب ونتنياهو.
وإذا لم يكن الهدف من هذا التحرك المدروس هو منع إيران من بناء قنبلتها النووية، فما الهدف منه إذاً؟ إذ إن "إسرائيل" هي من بدأت الحرب، وكان قادتها، وعلى رأسهم نتنياهو، يأملون في تحقيق أهداف محددة، من بينها صرف الانتباه عن جرائم الحرب والانتهاكات اليومية التي ترتكبها "إسرائيل" في غزة، وبدرجة أقل في الضفة الغربية.
أما الهدف الثاني، فكان إفشال المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران، بسبب الخوف الإسرائيلي من أن تسمح واشنطن لطهران بالاحتفاظ بجزء من بنيتها التحتية النووية. ويريد نتنياهو أن يبقي الولايات المتحدة وإيران في حالة عداء دائم.
إنّ منع أي تقارب حقيقي بين واشنطن وطهران كان أحد الأسباب التي دفعت نتنياهو إلى معارضة خطة العمل الشاملة المشتركة، التي كانت إدارة باراك أوباما تأمل أن تمثّل خطوة أولى نحو تخفيف التوترات بين البلدين. وأخيراً، كانت "إسرائيل" تسعى إلى أن يؤدّي نهج اغتيال كبار المسؤولين الإيرانيين إلى تغيير النظام في طهران، وترسيخ هيمنتها الإقليمية.
كنت قد أشرت في مقال سابق إلى اعتقادي أن هذا الهدف مجرد حلم بعيد المنال، لكنّ ذلك لا يعني أنه لم يكن وهماً مغرياً للحكومة الإسرائيلية المتطرفة بشكل متزايد. كما أن إبقاء المنطقة في حالة توتر دائم يسهم في استمرار نتنياهو في السلطة، ويبقيه "خارج السجن".
لكن هذه الأهداف لا تفسّر موافقة ترامب على خوض الحرب، ولا إصراره على الادعاء بأنها كانت "نجاحاً باهراً". فهناك عوامل أخرى مؤثرة، منها دور المحافظين الجدد الذين لا يترددون في دعم "إسرائيل"، واللوبي الإسرائيلي الذي ما يزال يتمتع بنفوذ هائل، ويضمّ كلاً من اليهود الأميركيين والمسيحيين الصهاينة الإنجيليين.
هؤلاء يريدون من الولايات المتحدة دعم "إسرائيل" مهما فعلت، واستخدام القوة الأميركية لتأمين تفوقها. وقد لعب هذا اللوبي دوراً حاسماً في إقناع ترامب بالتخلي عن خطة العمل الشاملة المشتركة عام 2018، وهو ما منح إيران الفرصة لتوسيع قدراتها في تخصيب اليورانيوم.
وفي نهاية الأسبوع الماضي، حصلت جماعات مثل "آيباك"، و"مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات"، والمانحون الأثرياء مثل ميريام أديلسون، والسياسيون المتحمسون لـ"إسرائيل" مثل ماركو روبيو ومايك هاكابي، على ما أرادوا: حرب على إيران طالما سعوا لإشعالها.
وقد خيّب ترامب آمال الأميركيين الذين كانوا يأملون أن يستمع إلى قادة الخليج الذين سعوا إلى تهدئة التوتر، أو إلى الواقعيين الرافضين لحروب جديدة في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أن ترامب يعارض إرسال قوات برية، ووصل به الأمر إلى انتقاد "إسرائيل" قائلاً إنها لا تعرف "ماذا تفعل"، بيد أنه خاض الحرب بمجرد أن طلبت منه ذلك.
ومع ذلك، لا تسيطر جماعات الضغط على القرار الأميركي، فالقرار النهائي بالحرب كان قرار ترامب. والعامل الحاسم في ذلك هو رغبة الرئيس العارمة في أن يكون مركز الاهتمام، وأن يراه العالم ويشيد به.
فهو لا يهتم كثيراً بتحقيق إنجازات حقيقية في السياسة الخارجية، بل يريد فقط أن يبدو وكأنه يفعل أشياء عظيمة، بينما يواصل هو ورفاقه إثراء أنفسهم. وانضمامه إلى الحرب الأخيرة جعل اسمه يتصدر العناوين، والقصف هو من بين الأمور التي يراها كثير من الأميركيين وحتى بعض المراقبين المحنكين على أنها "أعمال رئاسية"، تماماً كما لعب ترامب دور رجل الأعمال الناجح في برنامج "المتدرّب".
وليس هذا الميل إلى تفضيل المظاهر على النتائج بالأمر الجديد لدى ترامب. فقد بدأ ولايته بحرب كلامية مع زعيم كوريا الشمالية، ثم أعلن فجأة أنهما تبادلا الرسائل، ووقعا في الحب. لكنّ القمم التي تبعت ذلك لم تُحضر جيداً، ولم تسفر عن نتائج، بل واصلت كوريا الشمالية تطوير ترسانتها النووية.
الأمر نفسه تكرّر في السياسات التجارية، حيث يثير ترامب ضجة إعلامية كلما فرض أو هدّد بتعرفة جمركية جديدة، في حين أن "الصفقات الرائعة" التي وعد بها لم ترَ النور. وقال أيضاً إنه سينهي حرب أوكرانيا خلال 24 ساعة، لكن ما حدث فعلياً كان مجرد استعراض إعلامي، وليس خطّة حقيقية.
وبالنسبة له، فإنّ إعادة تسمية "خليج المكسيك" بـ"خليج أميركا" إنجاز رمزي، كما يفكر في إعادة تسمية وزارة الدفاع بـ"وزارة الحرب". فالأسماء والمظاهر هي الأهم في عالمه، لا كفاءة السياسات أو المسؤولين.
ولا ينبغي لأحد أن يفاجأ في هذه المرحلة، فمسيرة ترامب كلها مبنية على قدرته على إقناع الملايين بأنه شيء ليس عليه في الحقيقة. فعلى الرغم من أنه رجل أعمال عادي، فإنه بارع في الترويج لنفسه. وقد تمكّن من خداع الملايين مجدداً، بإقناعهم بأنه زعيم ذو رؤية، رغم أن إدارته دمّرت كثيراً من المؤسسات التي يعتمد عليها الأميركيون.
فالسياسة في أميركا الحديثة صُممت لرجل مثل ترامب، حيث تُمنح الأولوية للمظهر وعدد المتابعين على الحقائق والإنجازات.
وباختصار، فقد كانت هذه الحرب مدفوعة أساساً برغبة الرئيس في الظهور بمظهر الرجل القوي المسيطر، أما النتائج طويلة الأمد، فستُظهر في نهاية المطاف حجم الخطأ الذي ارتكبه.
نقله إلى العربية: حسين قطايا.