"فورين بوليسي": كيف تورطت الولايات المتحدة في حرب تغيير النظام الإيراني؟
كان إصرار ترامب على عدم تخصيب اليورانيوم كلياً في إيران بمنزلة السم في المفاوضات النووية.
-
إيرانيون يحتفلون بانتصار إيران في الحرب الإسرائيلية الأميركية
مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تنشر مقالاً يتناول التصعيد العسكري الأميركي ضد إيران، ويرى أنّ سياسة ترامب بضربها ومنع التخصيب تماماً تدفع المنطقة نحو صراع طويل الأمد، وتُغلق الباب أمام أي حل دبلوماسي، ما يجعل خيار الردع النووي أكثر جاذبية لإيران.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:
أعلن الرئيس دونالد ترامب يوم السبت أنّ الجيش الأميركي هاجم 3 منشآت نووية في إيران. جاء هذا التصعيد عقب أشهر من المفاوضات العقيمة بين طهران وواشنطن بشأن البرنامج النووي الإيراني. ووصف ترامب هذه الضربات بأنها لمرة واحدة، قائلاً، بعد وقت قصير من إلقاء قنابل ضخمة على البلاد، إنّ "إيران يجب أن تصنع السلام الآن".
لكن الواقع هو أنّ ترامب زجّ الولايات المتحدة على الأرجح في دوامة عمل عسكري طويل الأمد وتغيير النظام في إيران. ورغم إعلانه يوم الاثنين عن توسطه في وقف إطلاق نار بين إيران وإسرائيل، فإنه اتهم الجانبين بانتهاكه. وفي سلسلة من التصريحات المليئة بالشتائم للصحافيين يوم الثلاثاء، قال ترامب إنه "غير راضٍ" عن أيٍّ من البلدين، وإن إيران "لن تُعيد بناء" برنامجها النووي.
ترامب واضح في مطالبه بأنّ إيران لا يمكنها امتلاك سلاح نووي، وهو موقفٌ تبنته الإدارات الأميركية المتعاقبة، لكن قرار ترامب بضرب إيران نهاية الأسبوع لم يكن مدفوعاً بهذه السياسة، فقد أظهرت تقييمات الاستخبارات الأميركية أن إيران لم تكن تُصنّع قنبلة نووية، ولم تتراجع عن قرارها الصادر عام 2003 بوقف برنامجها للتسليح، وفقاً لما صرّحت به مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية تولسي غابارد خلال شهادتها أمام الكونغرس في آذار/مارس.
في مقابلة مع برنامج "واجه الأمة" في قناة "سي بي إس" يوم الأحد، لم يُعارض وزير الخارجية ماركو روبيو تقييمات الاستخبارات الأميركية أو يُحدّثها، بل قال إنها "غير ذات صلة"، لأن إيران "تمتلك كل ما تحتاجه لصنع السلاح النووي".
بعدما عبّر ترامب علناً عن استيائه من شهادة غابارد، قائلاً: "إنها مُخطئة"، كتبت غابارد يوم الجمعة في مواقع التواصل الاجتماعي أن إيران قادرة على "إنتاج سلاح نووي في غضون أسابيع أو أشهر".
إنّ مطلب الولايات المتحدة بوقف تخصيب اليورانيوم الإيراني تماماً - سواء لأغراض مدنية أو نووية - أمرٌ جديد. وقد سمحت خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، التي تم التفاوض عليها في عهد الرئيس باراك أوباما، بتخصيب إيراني محدود للأغراض المدنية والبحثية، إلى جانب نظام تفتيش مكثف لمنع إيران من تطوير سلاح نووي.
ويُسمح بالتخصيب لتوليد الطاقة أو لإجراء البحوث بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي التي تُعد إيران طرفاً فيها. وقد تمكن الدبلوماسيون من التوصل إلى هذا الاتفاق لأنه سد فجوة كبيرة في الثقة، وسمح لكلا الجانبين بالحصول على ما يكفي مما أراداه ليكون مقبولاً.
تمكنت إيران من إبقاء برنامجها النووي المدني تحت رقابة مشددة، مع احتفاظها بخيار تصعيد التخصيب للوصول إلى عتبة الالتزام في حال انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق - كما فعل ترامب عام 2018 خلال ولايته الأولى - أو شنّ إسرائيل هجوماً. وضمنت الولايات المتحدة نظام تفتيش صارماً للبرنامج النووي الإيراني، واحتفظت بجميع خيارات الرد، من الدبلوماسية إلى العقوبات إلى الضربات العسكرية، في حال تراجعت إيران.
ولعل الأهم من ذلك كله هو أنّ الاتفاق النووي من شأنه أن يؤخر الوقت الذي قد تتمكن فيه إيران من الانطلاق إلى مرحلة الانطلاق، ومن شأنه أن يوفر للولايات المتحدة وشركائها مساحة للرد على التسليح الإيراني المحتمل من خلال خيارات أخرى، مثل الدبلوماسية والعقوبات، مع إبقاء القوة العسكرية كملاذ أخير.
في مفاوضاتها مع طهران في الأشهر الأخيرة، سعت إدارة ترامب إلى الحصول على تنازلات إيرانية أكبر في بيئة باتت فيها احتمالات موافقة طهران عليها أقل من أي وقت مضى. وبينما يُمهّد هذا التباين للدبلوماسية الطريق للفشل، فإن قرار ترامب باستخدام القوة العسكرية الأميركية لدعم سياسته المتعلقة بمنع التخصيب تماماً يدفع جميع الأطراف المعنية إلى طريق أكثر خطورة.
الآن، تواجه إيران خياراً بين إعادة بناء قوة الردع أو الخضوع التام للهيمنة الإقليمية الإسرائيلية والأميركية.
ليس من الواضح أيضاً مصير مخزون إيران من اليورانيوم المخصب عقب الضربات الأميركية. إذا كان لا يزال موجوداً وسُحب من المنشآت النووية إلى مكان آمن - كما تشير تقارير عديدة - فقد يُشكل نقطة انطلاق مُسبقة للانطلاق نحو صنع قنبلة نووية. حتى لو اختفى المخزون، يُمكن إعادة بناء البرنامج النووي الإيراني، إما من خلال المعرفة المحلية وإما بدعم من شركاء مثل روسيا أو الصين. ما تغير الآن هو أنّ إيران - في مواجهة القصف الإسرائيلي والأميركي - لا تزال على الأرجح مُقتنعة أكثر من أي وقت مضى بتحقيق رادع نووي.
عام 2003، وبعدما وضع الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش العراق وإيران وكوريا الشمالية على قائمة "محور الشر " الشهيرة (ثم شرع لاحقاً في غزو العراق وتدميره)، ردّت كوريا الشمالية باندفاع نحو صنع قنبلة نووية. بعد عام من خطاب بوش، انسحبت بيونغ يانغ من معاهدة حظر الانتشار النووي. وبعد ثلاث سنوات، أجرت أول تجربة نووية لها. أما إيران، فقد سلكت طريقاً مختلفاً. أوقفت طهران برنامجها النووي ولم تستأنفه أبداً، مع إبقاء احتمال الاقتراب من وضع العتبة النووية مفتوحاً، والاعتماد على عوامل ردع إقليمية مثل الحركات المتحالفة. وقد أظهر هذا الخيار الآن حدوده.
ليس أمام إيران خيارٌ الآن سوى اعتبار السعي نحو الردع النووي مرادفاً لبقاء نظامها، وهذا مسارٌ محفوفٌ بالمخاطر أيضاً، إذ قد يؤدي إلى تدمير النظام، لكن يبدو أن إسرائيل والولايات المتحدة قد بدأتا العملَ بالفعل لتحقيق هذا الهدف.
إذا ظلّت السياسة الأميركية تجاه إيران متمسكة بمنع التخصيب تماماً، فإن أسرع وأضمن سبيل لتحقيق ذلك هو استبدال النظام الإيراني بنظام لا يحتاج إلى رادع نووي للبقاء، لأنه تابع لـ"إسرائيل" والولايات المتحدة، وإلّا، فإن البديل أمام الولايات المتحدة، التي قضت فعلياً على أي فرص للدبلوماسية، هو مواصلة ضرب إيران متى -وإذا- جمعت معلومات استخباراتية، أو حصلت عليها، حول جهود نووية سرية في البلاد. ومن المرجح أن يتطور هذا المسار إلى تغيير النظام أيضاً.
تجد الولايات المتحدة نفسها في هذا الوضع اليوم، ليس بسبب قرار ترامب عام 2018 الانسحاب أحادي الجانب من خطة العمل الشاملة المشتركة فحسب، بل أيضاً لأن الجهود الدبلوماسية الأميركية المتجددة تُغيّر باستمرار مسار إيران. كان وقف التخصيب تماماً خياراً مُجهِداً، بل كان بمنزلة حبة سامة ضمنت انهيار المفاوضات وتحولها إلى حرب.
إنّ فرصة العودة إلى خيار دبلوماسي فعّال لا يشترط وقف التخصيب تماماً ضئيلة للغاية، وخصوصاً بعدما قرر ترامب محاولة إجبار إيران على الخضوع بضربات على منشآتها النووية، ولكن لتجنب المزيد من الحرب، ينبغي للولايات المتحدة وحلفائها بذل قصارى جهدهم في المفاوضات.
نقلته إلى العربية: بتول دياب.