"فورين بوليسي": لماذا يخطئ الأميركيون في نطق اسم الرئيس الصيني؟

يصرّ الأميركيون بشكل غريب على تسمية أحد أقوى زعماء العالم باسم "جي جين بينغ". 

  • الرئيس الصيني
    الرئيس الصيني شي جين بينغ

مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تنشر مقالاً يناقش تاريخ تطور أنظمة الكتابة بالحروف اللاتينية للغة الصينية، مع تركيز خاص على اسم الرئيس الصيني شي جين بينغ (Xi Jinping) وأسباب الالتباس في نطقه بين المتحدثين بالإنكليزية.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

القصة الكاملة لاسم "شي جين بينغ"

تولى الرئيس الصيني شي جين بينغ السلطة منذ أكثر من 12 عاماً. وخلال هذه الفترة، أصبح اسماً مألوفاً في السياسة العالمية، وتتصدر أفعاله عناوين الصحف بانتظام. ومع ذلك، لم يمنع ذلك الكثير من الأميركيين من نطق اسمه بشكل خاطئ. وقد سبق أن أخطأ مذيع أخبار هندي بلفظ اسمه بنطقه "جين بينغ الحادي عشر"، في حين يصرّ الأميركيون بشكل غريب على تسمية أحد أقوى زعماء العالم باسم "جي جين بينغ". 

من السهل نطق اسم عائلة "شي" بدقة معقولة في اللغة الإنكليزية؛ فهو يبدو مثل الضمير "she" (وإذا كنت تريد نطقه بشكل أقرب، ضع لسانك خلف أسنانك العلوية مباشرة). في الكتابة الرومانية التقليدية في الماندرين، يمثل الحرف "X" صوت "sh"، ولكن المتحدثين باللغة الإنكليزية غالباً ما يربطونه بـ"zh"، وهو قريب في الماندرين من النطق الإنكليزي لحرف "J"، وربما يكون مصدر بعض هذا الارتباك.

ولكن من أين جاء حرف الـ"X" الغامض، الذي يبدو غير منطقي بالنسبة إلى الناطقين باللغة الإنكليزية؟ وكيف أصبح اسما الثوريين الصينيين "ماو تسي تونغ" (Mao Tse-tung) و"تنغ هسياو بينغ" (Teng Hsiao-ping) بالشكلين المألوفين "ماو زي دونغ" (Mao Zedong) و"دنغ شياو بينغ" (Deng Xiaoping)؟ تكمن الإجابات في تاريخ ترجمة اللغة الصينية.

لم يكن من السهل أبداً ترجمة اللغة الصينية بالأبجدية الرومانية. يعود ذلك جزئياً إلى الطبيعة غير الصوتية عموماً للأحرف الصينية نفسها (للحصول على شرح أكثر تفصيلاً للحروف، يمكنك قراءة المقال الكلاسيكي والمضحك للغاية الذي كتبه دايفيد موسر، أو اقرأ كتاب جون دي فرانسيس "اللغة الصينية: الحقيقة والخيال" [The Chinese Language: Fact and Fantasy]). 

ومع أن هذا الأمر قد يبدو بديهياً، إلا أنّ الحروف الصينية ليست أبجدية، فهي لا تنقل أصوات اللغة المنطوقة بشكل جيد، لكنها تحافظ على معناها بشكل أفضل. لقد شكّلت الأحرف أداة فعالة للإمبراطورية إلى درجة اعتمادها في أماكن مثل كوريا واليابان وفيتنام، التي كانت تتحدث لغات بعيدة عن بعضها البعض. وكان الرجال المثقفون من هذه البلدان قادرين على "الدردشة بالفرشاة"، والجلوس بشكل مريح مع بعضهم البعض، وكتابة الرسائل على مخطوطة يفهمها جميع الحاضرين، حتى لو لم يكن لديهم لغة مشتركة. 

تخيّل لافتة "ممنوع التدخين"، السيجارة المألوفة التي يقطعها خط قطري. اسأل متحدثاً باللغة الإنكليزية عن معناها، وسيجيب: "ممنوع التدخين" (No smoking). واسأل متحدثاً باللغة البرتغالية، سيقول: "Proibido fumar". المعنى واحد، لكن الكلمات مختلفة. هكذا تعمل الحروف تقريباً؛ فهي تنقل المعنى، لا الأصوات اللغوية.

خذ الحرفين المكتوبين بالطريقة نفسها في كل من اللغة الصينية واليابانية، ومعناهما "العاصمة الشرقية". سيقرأها المتحدث الياباني "طوكيو"، فيما سيقرأ المتحدث الصيني اسم المدينة نفسها "دونغ جينغ".

عندما تواصلت الصين مع الغرب، في البداية من خلال المبشرين اليسوعيين في أواخر القرن السادس عشر، شكّل ذلك مشكلةً جوهرية، فقد أراد اليسوعيون ترجمة اللغة الصينية إلى اللغات الأوروبية، سواء لإنشاء قواميس للمبشرين المتجهين إلى الصين أو للمساعدة في ترجمة الكتاب المقدس إلى الصينية وترجمة الكلاسيكيات الصينية إلى لغات أخرى.

وفي حال ترجمنا اللغة الصينية صوتياً، فأيّ نطق يجب استخدامه؟ حتى داخل لغة الماندرين، تباينت اللهجات بشكل كبير، وكان الاختلاف بين اللهجات شاسعاً. علاوة على ذلك، تتميز اللغات الصينية المحكية بنغمية، أي أن درجة صوت الكلمة وتغير نبرتها قد يغيران معناها. ويختلف عدد النغمات في كل لغة؛ فهناك 6 نغمات في اللغة الكانتونية و4 نغمات في لغة الماندرين.

لقد بذل اليسوعيون قصارى جهدهم لترجمة اللغة الصينية، كما فعل الكثير من الزوار الغربيين الآخرين على مر السنين، لكن كل خيار بشأن كيفية ترجمة اللغة الصينية كان مصحوباً بتحيزات سياسية ولغوية. وفي القرن العشرين، ابتكر المتحدثون باللغة الصينية في الاتحاد السوفياتي في بدايته نظام "Latinxua Sin Wenz"، بحيث كان يتم إنشاء كل نموذج من قبل الأجانب، وليس من المتحدثين الأصليين للغة الصينية.

في البداية، اعتمدت أنظمة الكتابة بالحروف اللاتينية على النطق في مدينة نانجينغ الكبرى، الأقرب إلى موانئ التجارة الجنوبية. وفي منتصف القرن التاسع عشر، برز نظام "ويد-جيلز" (Wade-Giles)، الذي طوره في البداية الدبلوماسي البريطاني توماس ويد، ثم حسّنه زميله الدبلوماسي هربرت جيلز، والذي يستند إلى لهجة بكين، كأحد أكثر المتغيرات انتشاراً، وأصبح مستخدماً في الصحف الغربية.

ولكن عام 1906، عندما ابتكر مكتب البريد الإمبراطوري "الحروف اللاتينية البريدية" الخاصة به، عاد إلى نطق نانجينغ، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن المسؤولين الفرنسيين الذين كانوا يديرون مكتب البريد في ذلك الوقت كانوا يحتقرون نظام "ويد-جيلز" الإنكليزي.

وعندما تولى الحزب الشيوعي الصيني السلطة عام 1949، كان يحتاج إلى نظام خاص به، ليس من أجل الأجانب فحسب، ولكن كجزء من جهد أوسع نطاقاً لفرض مجموعة واحدة من المعايير اللغوية والتعليمية على أمة جديدة. وقد ورثت الصين بعض المعايير الوطنية الجديدة من الحكومات الجمهورية في مطلع القرن العشرين، مثل استخدام لهجة بكين باعتبارها "اللغة الصينية المعيارية" أو "بوتونغهوا" (Putonghua)، اللغة المعروفة حالياً بالماندرين في اللغة الإنكليزية.

وقد شهدت البلاد نقاشات ساخنة حول ما إذا كان ينبغي التخلي عن نظام الكتابة التقليدي تماماً لمصلحة الأبجدية الرومانية، كما فعل القوميون التحديثيون الآخرون في بلدان مثل تركيا، ولكن في النهاية، اختارت لجان تحديث اللغة تبسيط الأحرف الصينية فحسب. 

وفي خمسينيات القرن العشرين، ابتكر فريق من المثقفين الصينيين، بقيادة الباحث الكبير والمعارض تشو يوغوانغ، نظاماً جديداً للكتابة بالحروف اللاتينية. واُطلق على هذا النظام اسم "هانيو بينيين" (Hanyu Pinyin). ودخل هذا النظام حيز الاستخدام على المستوى الوطني بين عامي 1956 1958، وبدأ تدريسه في المدارس الابتدائية، وهذا يُعيدنا إلى "شي" (Xi) المكتوبة (Hsi) في نظام "ويد -جيلز" أو (Syi) في نظام "يال" للكتابة بالحروف اللاتينية الذي ابتكر  عام 1943، أو " Shyi" في نظام "غوايو روماتزي" (Gwoyeu Romatzyh)، وهو النظام الذي اعتمدته جمهورية الصين في عام 1928.

نظام "بينيين" (Pinyin) هو ما يُعطينا حرف "إكس" المُحيّر في اسم "شي جين بينغ" أو في مدينة "شيان" (Xian) (تقريباً "شي-آن")، أو كلمة "شكراً" الصينية، "شيشي" ("شيه-شيه") (xiexie)، وهو صوت شائع في اللغات الصينية.

وهناك جدل حول هذا الأمر، ولكن يبدو على الأرجح أن حرف "إكس" (X) استعاره اليسوعيون البرتغاليون من أنظمة كتابة الحروف اللاتينية القديمة. فكر في الأمر كما لو كان صوت "شيري" (sherry) أو بالبرتغالية "شيريز" (xerez). 

لم يكن هدف مبتكري نظام "بينيين" (Pinyin) إيجاد طريقة لتمثيل اللغة الصينية أمام الأجانب فحسب، بل إيجاد نظام يمكن تدريسه للأطفال الصينيين لمساعدتهم على القراءة والكتابة والنطق أيضاً. وقد سعوا، أينما استطاعوا، إلى البساطة بدلاً من سهولة الفهم للغرباء، مثل استخدام حرف واحد لصوت "sh" بدلاً من حرفين أو ثلاثة، أو "Z" لـ "Zedong" بدلاً من "Tse-tung".

لقد ترسخت قواعد نظام "بينيين" (Pinyin) في اللغة الصينية الحديثة، بدايةً من خلال التعليم، ثم من خلال الآلة الكاتبة والحاسوب. وعند الكتابة باللغة الصينية، فإن الطريقة الأكثر شيوعاً هي الكتابة بنظام "بينيين" (Pinyin)، ثم الاختيار من بين مجموعة من الحروف.

خلال الحرب الباردة، كان نظام "بينيين" (Pinyin)، باعتباره نظام الكتابة باللاتينية الرسمي للصين، غير مقبول سياسياً خارج الكتلة الشرقية. وعندما تم الاعتراف بتايوان دولياً على حساب الصين من قبل الجميع باستثناء الاتحاد السوفياتي وتوابعه، استخدم العالم الغربي نظام "ويد-جيلز" وغيره من الأنظمة. 

وبعدما تحولت الدول إلى الاعتراف بالصين في سبعينيات القرن العشرين، تحولت وسائل الإعلام الغربية والمؤسسات الدولية إلى نظام "بينيين" (Pinyin)، فأصبح اسم "ماو تسي تونغ" يُكتب "Mao Zedong" بدلاً من " Mao Tse-tung"، إلا أن اعتماد هذا النظام لم يكن مثالياً، فقد أُلغي الكثير من خصائصه لأسباب عملية أو جمالية.

على سبيل المثال، كان ينبغي أن يُكتب ميدان "تيانانمن" (Tiananmen) وفقاً لقواعد نظام "بينيين" (Pinyin) الأصلية على الشكل التالي (Tian’anmen)، وأن تُكتب "شيان" (Xian) على الشكل التالي (Xi’an)، لكن وسائل الإعلام الغربية تستخدم بانتظام علامات التشكيل التي تُشير إلى اللهجة، وحتى وسائل الإعلام الصينية غالباً ما تختلف في استخدام القواعد الرسمية لترجمة الكلمات. 

قبل انتشاره على نطاق واسع، كان استخدام نظام "بينيين" (Pinyin) في الأبحاث الغربية يُشير أحياناً إلى التعاطف مع الحكومة الشيوعية. وبعد التغير الذي شهدته المؤسسات، واصل الكثير من الكُتّاب الغربيين استخدام الأنظمة القديمة إما لإلمامهم بها، وإما كعلامة على معاداة الشيوعية، وإما لأنهم كانوا أكثر اعتياداً على اللغة الكانتونية منها على لغة الماندرين.

وفي الوقت الذي أصرّت الصين على توحيد المعايير، عجزت تايوان لعقود عن اختيار نظام مناسب لها. وقد انجرّت هذه القضية إلى صراعات تايوان السياسية واللغوية، تاركةً خياراتٍ مُربكة، ولا سيما في ما يخص الأسماء. وفي النهاية، استقرت تايوان على نظام "بينيين" (Pinyin) للوثائق الحكومية الرسمية عام 2009، لكنها لا تزال تستخدم عدداً من أنظمة الكتابة بالحروف اللاتينية، تماماً كما تتبنى حالياً تراثها اللغوي المتعدد.

ومع ذلك، وحتى بعد قرن ونصف قرن من التحوّل، لا تُلفظ كلمة "شي" في أيّ من هذه اللغات أو الأنظمة "جي". لذا، رجاءً، توقفوا عن لفظها بطريقة خاطئة.

نقلته إلى العربية: زينب منعم.