"فورين بوليسي": هل ستعزّز سياسة ترامب الخارجية من انضمام الدول إلى مجموعة بريكس؟
إذا حذت تركيا والسعودية حذو إندونيسيا في الانضمام إلى مجموعة بريكس، فقد يكتسب التكتل المزيد من الثقل الجيوسياسي.
-
هل ستعزّز سياسة ترامب الخارجية من انضمام الدول إلى مجموعة بريكس؟
مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تنشر مقالاً يناقش تطورات مجموعة "بريكس" خصوصاً في ما يتعلّق بتوسّعها وانضمام دول جديدة مثل إندونيسيا، بالإضافة إلى دعوات الانضمام الموجّهة للسعودية وتركيا. ويسلّط النص الضوء على مدى تأثير سياسة ترامب على توسّع المجموعة، والتحدّيات والفرص التي ستخوضها.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
تستعدّ البرازيل لاستضافة قمّة مجموعة بريكس في شهر تموز/يوليو المقبل، حيث يحتفل التكتل بزيادة وتوسّع تاريخي بعدد أعضائه، إلّا أن المجموعة ما زالت تواجه أيضاً حالة من عدم اليقين بشأن مسارها المستقبلي.
في بداية العام الجاري رحّبَت مجموعة بريكس رسمياً بانضمام إندونيسيا إليها لتكون العضو رقم 10 في المجموعة، وهي خطوة تعكس جاذبية "بريكس" المتزايدة في جميع أنحاء الجنوب العالمي. كما قبلت 9 دول أيضاً دعوات الشراكة مع المجموعة حيث يسمح لممثّلي حكوماتها بحضور اجتماعاتها، من دون أن يكون لها حقّ التصويت أو الالتزام بقرارتها.
يضمّ تكتّل "بريكس" الآن من الدول الأعضاء والشريكة ما يمثّل أكثر من نصف سكّان العالم، و40% من الناتج المحلّي الإجمالي العالمي. مع ذلك، لم تستجب المملكة العربية السعودية بعد لدعوة عضوية التكتّل منذ العام 2023، وتركيا لا تزال صامتة بشأن عرض الشراكة مع "بريكس" الذي قدّم لها في عام 2024، مع أنّ أنقرة قد كانت قد أعربت عن رغبتها في أن تصبح عضواً في المجموعة.
كذلك، يضيف انضمام كلّ من إندونيسيا والسعودية وتركيا إلى "بريكس" قيمة كبيرة، خاصة وأنّ إندونيسيا هي أكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا، وتتمتّع بموقع استراتيجي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، والمملكة العربية السعودية هي أكبر مصدر للنفط في العالم ولاعب رئيسي في منطقة الشرق الأوسط، وفي حال تلقّت تركيا دعوة إلى العضوية واستجابت، ستكون أوّل دولة عضو في حلف "الناتو" تنضمّ إلى مجموعة "بريكس".
ومع أنّ كلّ دولة من هذه الدول الثلاث تعاملت مع المجموعة بشكل مختلف، إلّا أنّ التفاوت بين انضمام إندونيسيا وغموض موقف المملكة العربية السعودية وتطلّعات تركيا، يظهر رؤى قيمة حول دور وموقع "بريكس" المتطوّر في النظام الدولي، وكيف تتحوّط الدول والقوى الناشئة برهاناتها وسط حالة عدم اليقين الجيوسياسي العالمي. فالكتلة تكتسب مصداقية متزايدة في جميع أنحاء العالم، وتجتذب اقتصادات متنوّعة حريصة على موقفها في إيجاد بديل للمؤسّسات التي يقودها الغرب.
ومع ذلك إنّ ضمّ المزيد من الدول قد يضعف من قدرة المجموعة على العمل بانسجام كامل. وإذا انضمّت تركيا والسعودية في نهاية المطاف إلى المجموعة، فقد يشير ذلك إلى تحوّلات أوسع في النظام العالمي. كما أنّه سيكشف أيضاً ما إذا كانت عضوية بريكس ستعزّز الاستقلالية الاستراتيجية، أو ستعقد العلاقات مع الشركاء الغربيين بالنسبة لصانعي السياسات في أنقرة والرياض.
عندما بدأت "بريكس" مناقشة التوسّع في عام 2023، كانت إندونيسيا مرشّحة مقنعة. فبالإضافة إلى موقعها الاستراتيجي، تفتخر البلاد باقتصاد سريع النموّ وهي من مؤسّسي حركة عدم الانحياز، مما يميّز مصداقيتها في جميع أنحاء الجنوب العالمي.
وقبل انعقاد قمّة البريكس لعام 2023 في جوهانسبرغ، أعربت إندونيسيا عن رغبتها في الانضمام إلى التكتل، وأيّد جميع أعضاء "بريكس" ترشيحها. ومع ذلك، طلب الرئيس الإندونيسي آنذاك جوكو ويدودو تأجيل الدعوة، مفضّلاً البقاء في حالة عدم الانحياز قبل الانتخابات الرئاسية في البلاد في عام 2024، في الوقت الذي حازت فيه مصر وإثيوبيا وإيران والإمارات العربية المتحدة على عضوية المجموعة.
وفي حين أنّ الصين وروسيا العضوين المناهضين للغرب بشدّة دفعتا باتّجاه توسيع "بريكس" في السنوات القليلة الماضية، ظلّت البرازيل والهند المعتدلتين متردّدتين، خوفاً من فقدان النفوذ. حتّى إنّ تفاوت المواقف بين أعضاء المجموعة بشأن توسّعها أظهر حينها أنّ عضوية إندونيسيا في "بريكس" تبدو غير محتملة. وفي منتصف العام الماضي أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنّ دول المجموعة وافقت بالأغلبية الساحقة على التوقّف مؤقّتاً عن النظر في انضمام أعضاء جدد، بينما تندمج الدول التي تمّ قبولها مؤخراً في المنظّمة.
ومع ذلك، بعد أيام من تولّي الرئيس الإندونيسي الحالي برابوو سوبيانتو منصبه في تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي، أعربت البلاد مجدّداً عن اهتمامها بعضوية البريكس. وقد صاغت وزارة الخارجية الإندونيسية هذا الاختيار على أنّه مظهر من مظاهر السياسة الخارجية المستقلّة النشطة للبلاد، مؤكّدة أنّ انضمام إندونيسيا إلى البريكس سيكون جزءاً من استراتيجيتها المتعدّدة. وقد رأى برابوو على الأرجح أنّ العضوية في التكتّل فرصة لتوسيع علاقات إندونسيا مع مجموعة الدول الأعضاء في عالم يزداد اضطراباً.
وبسبب تحفّظ التكتّل المعلن عن قبول أعضاء جدد، انتهت قمّة "بريكس" في العام الماضي، بدعوة 13 دولة جديدة للشراكة مع المجموعة، من ضمنها إندونيسيا وتركيا. وبدا أنّ خيار وضع الشراكة كان بمثابة حل وسط بين دعاة التوسّع والمتردّدين في التكتل.
مع تولّي البرازيل الرئاسة السنوية الدورية لمجموعة "بريكس" في أوّل العام الجاري، أصبحت إندونيسيا و8 دول أخرى هي بيلاروسيا، وبوليفيا، وكازاخستان، وكوبا، وماليزيا، وتايلاند، وأوغندا، وأوزبكستان، شركاء رسمياً في مجموعة بريكس. وكانت المفاجأة الكبرى بإعلان البرازيل بعد 5 أيّام فقط على تسلّمها رئاسة المجموعة عن قبول إندونيسيا كعضو كامل في "بريكس"، على أن يسري ذلك فوراً. وبعد أيّام، قبلت نيجيريا وضع الشريك في المجموعة.
يشير انضمام إندونيسيا المفاجئ إلى أنّ التكتل قد لا يصرّح عن عروض العضوية التي يقدّمها حتّى يتمّ قبولها. ربّما تكون بريكس قد تعلّمت من تجاربها السابقة مثل صمت السعودية المستمرّ، ورفض الأرجنتين المحرج لعرض العضوية في العام 2023 بعد انتخاب الرئيس اليميني خافيير ميلي، مع أنّ سلفه اليساري ألبرتو فرنانديز كان قد سعى إلى الانضمام إلى التكتّل.
إنّ انضمام إندونيسيا إلى بريكس يعزّز مصداقية المجموعة، ممّا يعزّز فكرة أنّ العضوية يمكن أن تكون ذات قيمة حتّى بالنسبة للبلدان التي لا تدعم الروايات المعادية للغرب على نحو علني. ومن المرجّح أن يعزّز وجود إندونيسيا جناح عدم الانحياز في بريكس الذي تمثّله البرازيل والهند، في حين أنّ انضمام إيران يعزّز موقف روسيا والصين المناهض للغرب.
لَقد أبرمت إندونيسيا مؤخّراً اتّفاقية مساعدات عسكرية مع اليابان، وأجرت قوّاتها العسكرية تدريبات مشتركة مع البحرية الأميركية. وبدلاً من الإشارة إلى الابتعاد عن الغرب، فإنّ عضوية جاكرتا في بريكس ليست سوى التوجّهات الرئيسية في برنامج سياسة التحوّط الإندونيسية الأوسع نطاقاً.
وعلى الرغم من أنّ انضمام إندونيسيا إلى مجموعة بريكس قد حدث بسرعة، إلّا أنّ المملكة العربية السعودية كانت تدرس دعوتها آنذاك منذ أكثر من عام. وفي بداية العام الجاري قال وزير سعودي في المنتدى الاقتصادي العالمي، إنّ بلاده لا تزال تدرس الانضمام إلى عضوية بريكس. ومع ذلك، فقد أدرجت الحكومة البرازيلية المملكة العربية السعودية كعضو قبل قمّة 2025، ممّا أدّى إلى ارتباك حول وضع الرياض الفعلي في المجموعة.
وعلى عكس إندونيسيا، استفادت المملكة العربية السعودية من دعوتها إلى بريكس كوسيلة ضغط في المفاوضات الجارية حول اتّفاقية أمنية ثنائية مع الولايات المتّحدة. ومن خلال الإعراب عن اهتمامها بتكتّل بريكس، أشار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن بأن الرياض لديها بدائل.
ومع ذلك، فإنّ عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض تعقّد هذه المعادلة. فإذا رأت المملكة العربية السعودية أنّ ترامب أكثر انفتاحاً على إعادة التفاوض على العلاقات السعودية الأميركية بشروط مواتية، فقد تفقد عضوية بريكس جاذبيتها بالنسبة لها. وعلاوة على ذلك، فإنّ التداعيات السلبية المحتملة لانضمام السعودية مثل التهديد بالانتقام الاقتصادي من الولايات المتحدة، قد تفوق الفوائد الحالية للغموض الاستراتيجي السعودي.
ومن خلال المماطلة في التزام الرياض مع مجموعة بريكس، كشفت السعودية عن إحدى نقاط ضعف التكتل، حيث إنه كلّما طالت مدّة عدم استجابة الرياض لدعوة بريكس، كلّما زاد خطر ظهور المجموعة بمظهر الضعيف ونفوذها المحدود، حتى على قوى متوسّطة الحجم.
على عكس السعودية، كانت تركيا متحمّسة للانخراط مع بريكس. وقد تحدّث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مراراً عن رغبة بلاده في الانضمام إلى مؤسّسات عالمية بديلة، وذلك جزئياً لكسب المزيد من النفوذ في مواجهة الشركاء الغربيين مثل الاتحاد الأوروبي، الذي جمّد مفاوضات العضوية مع أنقرة في عام 2018.
وبعد سنوات من الإحباط من تعثّر ترشّحها لعضوية الاتحاد الأوروبي، تقدّمَت تركيا بطلب للحصول على عضوية بريكس في العام الماضي، معتبرة ذلك فرصة لإعادة تقويم علاقاتها مع الغرب وتنويع تحالفاتها. وفي حال قبولها، ستحظى تركيا بنفوذ إضافي بصفتها العضو الوحيد في حلف شمال الأطلسي في تكتل بريكس.
ومع ذلك، لم تعرض بريكس على تركيا حتّى الآن سوى صفة الشريك. وعلى الرغم من أنّ أنقرة اعترفت بالدعوة، إلّا أنّها لم تقبلها. وبعد العديد من التقلّبات مع الاتحاد الأوروبي، يبدو أنّ تركيا غير مهتمة بالمشاركة في عضوية أخرى مبهمة. وبدلاً من ذلك، أشار وزير الخارجية التركي هاكان فيدان مؤخّراً إلى أنّ بِلاده لا تزال مهتمّة بعضوية بريكس، وعزا تأخّر دعوة تركيا إلى تركيز التكتل على دمج أعضائه الجدد.
كما استخدم فيدان علاقة تركيا المتنامية مع بريكس لمهاجمة الاتحاد الأوروبي. وقال إنّ الاتحاد الأوروبي لديه موقف "معادٍ للإسلام"، مستنداً إلى ادّعائه العام الماضي بأنّ تركيا لم تكن تسعى للحصول على عضوية بريكس لو كانت قد تلقّت دعوة إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
ويشير تردّد تركيا في تبنّي وضع الشريك في مجموعة بريكس إلى أنّ هذه الفئة لا تحمل وزناً ذا مغزى عند التحوّطِ في الساحة العالمية. وتتمتّع تركيا بالفعل بنفوذ عالمي كبير حيث تؤدّي دوراً محورياً في حلف شمال الأطلسي، ومنطقة البحر الأسود، والحرب الروسية الأوكرانية، والشرق الأوسط ولكنّ عضوية بريكس قد توفّر لتركيا فرصة لتنويع شراكاتها في الأماكن التي ليس لها دور كبير فيه مثل أميركا الجنوبية وأفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى.
وإذا اتّبعت تركيا والمملكة العربية السعودية في النهاية مسار إندونيسيا، وانضمّتا إلى مجموعة بريكس، فإنّ ذلك سيضفي على المجموعة مزيداً من الثقل الجيوسياسي. كما يمكن أن يشير انضمام أنقرة والرياض إلى المجموعة إلى إدراك متزايد بين حلفاء الولايات المتحدة بأنّ التنويع الاستراتيجي ضروري للردّ على سياسة ترامب الخارجية التي لا يمكن التكهّن بها. وقد وازن البلدان تاريخياً علاقاتهما بين واشنطن والقوى العالمية الأخرى، ومن شأن التحرّك نحو بريكس أن يشير إلى أنّ سياسة ترامب القائمة على الإكراه تدفع الشركاء الرئيسيّين بعيداً عن واشنطن.
وفي المقابل، إذا حافظت تركيا والمملكة العربية السعودية على استراتيجيتهما الحالية في البقاء على مسافة من بريكس والانخراط بشكل انتقائي في مجالات معيّنة مع الكتلة، فإنّ ذلك يعزّز فكرة أنّ القوى الوسطى لا ترجّح التغييرات في النظام العالمي بل تعيد التوازن في العلاقات بشكل تدريجي. في هذا السيناريو، تظلّ العلاقات مع بريكس أداة دبلوماسية مفيدة، لكن العضوية تحمل عوائد متناقصة مع انضمام المزيد من الدول.
حالياً، يعتبر اهتمام البلدان بالعلاقات الرسمية أو غير الرسمية مع مجموعة بريكس إشارة قوة لتكتل كان يعتبر لفترة طويلة غير ذي فعّالية. ولكن مع توسّع بريكس، تضعف قدرة المجموعة على العمل بشكل متماسك. وقد عطّلت مصر وإثيوبيا بالفعل بياناً مشتركاً لمجموعة بريكس على هامش الجمعية العامّة للأمم المتحدة في الخريف الماضي برفضهما دعم محاولة جنوب أفريقيا للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي. وكلّما زاد تنوّع عضوية بريكس، أصبح من الصعب على المجموعة وضع جدول أعمال موحّد.
وسواء أصبحت بريكس قوة دافعة في الجنوب العالمي أو رمزاً متعثّراً للتطلّعات متعدّدة الأقطاب، فإنّ ذلك سيعتمد على قدرتها على التكيّف من دون إضعاف نفوذها، وقدرتها على جذب القوى ذات الصلة مثل إندونيسيا وتركيا والمملكة العربية السعودية. وبخلاف ذلك، فإنّ بريكس تخاطر بالتحوّل إِلى منتدى غير مترابط بدلاً من أن تكون قوة جيوسياسية حاسمة.
نقله إلى العربية: حسين قطايا.