"لوموند": انهيار السودان.. تهديد عالمي
الولايات المتحدة، مثلها مثل كل الدول الأخرى، لديها مصلحة في إسكات صوت الأسلحة في السودان.
-
اشتعال النيران في مستودع وقود في بورتسودان، السودان، في 6 أيار/مايو 2025 من جرّاء هجوم بالمسيّرات على عدد من المواقع الحيوية
هيئة تحرير صحيفة "لوموند" الفرنسية تنشر مقالاً تتناول فيه الحرب في السودان، وترى أنّها لم تعد مجرد صراع داخلي، بل أصبحت أزمة إقليمية معقّدة تُهدّد بتقسيم البلاد، وتستلزم تدخلاً دولياً حاسماً لوقف التدخلات الخارجية واحتواء الانهيار الإنساني والسياسي المتصاعد.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
في حين أنّ الحرب الأهلية التي تعصف بالسودان منذ أكثر من عامين تنبع من تنافس بين رجلين، إلا أنّ التأثيرات الإقليمية تغذيها. ومع تزايد خطر التقسيم، أصبح من الضروري الضغط على الأطراف الخارجية، وعلى رأسها الإمارات العربية المتحدة، لإيجاد حل.
تُذكّرنا هجمات الطائرات المسيرة المتكررة التي ضربت بورتسودان منذ مطلع أيار/مايو بأنّ الحرب الأهلية التي تعصف بالبلاد، والتي دخلت عامها الثالث منذ أبريل/نيسان، لا تزال مُدمّرة كما كانت دائماً.
وقد قتل أكثر من 150 ألفاً، ونزح أكثر من 13 مليون سوداني بسبب القتال. هذه الأرقام تعكس حجم هذا الصراع الذي غالباً ما يُغفل عنه.
حتى الآن، ظلت بورتسودان بمنأى عن الصراع، ولم تكن عاصمةً للحكومة القائمة بحكم الأمر الواقع، والتي انتقلت إليها عندما أصبحت الخرطوم ساحةً للمعارك، وكانت أيضاً نقطة دخولٍ حيوية للمساعدات في بلدٍ يعاني أزمة إنسانية.
دفعت هذه الأزمة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى وصف السودان بأنه عالقٌ في "كابوسٍ من العنف والجوع والمرض والنزوح". إنّ تدمير البنية التحتية الأساسية من جراء هذه الهجمات بالطائرات المسيرة، بما في ذلك الهجوم على آخر مطار مدني عامل في البلاد، لن يؤدي إلا إلى تعقيد إيصال المساعدات.
على عكس ما بدا سيناريو محتملاً في نهاية آذار/مارس، عندما استعادت القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان السيطرة على الخرطوم بعدما أطاحتها قوات الدعم السريع، وهي قوات شبه عسكرية يقودها منافسه الفريق محمد حمدان دقلو، المعروف باسم "حميدتي"، نائبه السابق، لم تحدث نقطة تحول في الحرب.
واندلع الصراع بعد قرابة 6 أشهر من الانقلاب العسكري في تشرين الأول/أكتوبر 2021، الذي أنهى التجربة الديمقراطية الواعدة التي وُلدت من إطاحة عمر البشير.
أثبتت قوات الدعم السريع، التي تتمتع بقوة في الجنوب والغرب، وخصوصاً في دارفور، حيث ترتكب مجازر عديدة، وفي بورتسودان، أنّ قوتها العسكرية لا تزال قائمة. انتهزت القوات شبه العسكرية فرصة الذكرى الثانية لاندلاع الصراع في 15 نيسان/أبريل للإعلان عن تشكيل حكومتها الخاصة.
وقد أدّى هذا إلى تفاقم خطر تقسيم السودان مع عواقب إقليمية لا يمكن التنبؤ بها، إذ يلجأ الجانبان، المذنبان بارتكاب العديد من الانتهاكات ضد المدنيين، إلى الميليشيات بشكل متزايد، ما يغذي تهديدات تجزئة البلاد.
مُحرِّضو الحرب بالوكالة
تنبع المأساة السودانية من التنافس بين رجلين، لكنها تتفاقم بفعل التأثيرات الإقليمية. دانت الأمم المتحدة في نيسان/أبريل "استمرار تدفق الأسلحة والمقاتلين إلى السودان"، ما يسمح للصراع "بالاستمرار والانتشار". أدت هجمات الطائرات المسيرة على بورتسودان إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين السلطات الفعلية في البلاد والإمارات العربية المتحدة، المتهمة، رغم نفيها، بتزويد الميليشيات شبه العسكرية بأسلحة متطورة.
إنّ إخراج السودان من دوامة قد يخسر فيها نفسه يعني، أولاً وقبل كل شيء، الضغط على هذه الأطراف الخارجية التي تُحرِّض على الحرب والمجازر بالوكالة.
وتتمتع الولايات المتحدة بنفوذ لا يُنكر لتحقيق ذلك، بالنظر إلى علاقاتها مع الدول المتورطة بشكل غير مباشر في الحرب الأهلية السودانية، والتي تشمل، إلى جانب الإمارات العربية المتحدة، مصر والمملكة العربية السعودية، المتحالفة مع الفريق أول برهان.
يبقى أن نرى ما إذا كان دونالد ترامب، الذي يزور شبه الجزيرة العربية، يفهم أنّ بلاده، مثلها مثل كل الدول الأخرى، لديها مصلحة في إسكات صوت الأسلحة في السودان.
نقلته إلى العربية: بتول دياب.