"ميدل إيست آي": لا يمكن لـ "إسرائيل" تجاهل القضية الفلسطينية بعد اليوم
لم يعد من الممكن تجاهل "إسرائيل" للفلسطينيين، لأنّ هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر والحرب أظهرا للإسرائيليين أنه من المستحيل أن يعيشوا حياة طبيعية في حين أن هذه القضية لم تُسَوَّ حتى بالقوة.
موقع "ميدل إيست آي" ينشر مقالاً للكاتب الإسرائيلي ميرون رابوبورت، قال فيه إنّ الاحتلال الإسرائيلي مستقبلاً لن يكون قادراً على تجاهل القضية الفلسطينية بعد هجوم 7 أكتوبر، معدّداً الأسباب.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرّف:
من المبكر جدّاً تحديد من ربح، ومن خسر في حرب "إسرائيل" على غزّة، ولكن إذا نُفّذت المرحلة الأولى من اتّفاق وقف إطلاق النار على الأقلّ، فيمكن اعتبار أنّ "إسرائيل" لم تحقّق أهدافها المعلنة من الحرب، من "القضاء على حماس" و"إعادة الأسرى بالقوة العسكرية"، إلى هدفها المهمّ غير المعلن، وهو القضاء على الوجود الإنساني للفلسطينيين في غزّة، والذي لم يتحقّق أيضاً.
ورغم كلّ ما أحدثته "إسرائيل" في حربها منذ 15 شهراً، من دمار وقتل جماعي، ازداد الفلسطينيون تمسّكاً بأرضهم. وقد احتفلوا وخرجوا إلى شوارع القطاع بعد الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار، فخورين، بصمودهم كشعب وكبشر في وجه العدوان الإسرائيلي. وهذه المشاهد مؤشّر إضافي على فشل "إسرائيل" في أن تحقّق أهدافها.
لماذا وافق نتنياهو الآن؟
من الصعب معرفة لماذا بالتحديد وافق بنيامين نتنياهو على قبول صفقة الآن، وهي كانت مطروحة على طاولة المفاوضات منذ أيّار/مايو في العام الماضي. ربّما أدّت ضغوط دونالد ترامب دوراً رئيسيّاً في ذلك، لكن لدى نتنياهو مشكلات داخل "إسرائيل" أيضاً. وتشير استطلاعات الرأي كافة إلى أنّ أغلبية كبيرة من الجمهور تؤيّد صفقة من شأنها إطلاق سراح نحو 100 أسير إسرائيلي مقابل إنهاء الحرب، الأمر الذي أضعف ائتلافه الحكومي إلى حد بعيد.
وكشف استطلاع رأي مؤخّراً، أنّ الائتلاف الحكومي الحالي سوف يحوز 49 مقعداً في "الكنيست" من أصل 120، إن أُجريت انتخابات عامّة قريبة. هذا يعني أنّ ائتلاف نتنياهو سيخسر نحو 20 مقعداً، ممّا يفقده التأهيل لتشكيل حكومة. لذلك، الموافقة على المرحلة الأولى من صفقة الأسرى الآن، قد تسمح لنتنياهو باستعادة الدعم بين الناخبين من يمين الوسط، وفي الوقت نفسه يرضي تيارات اليمين الإسرائيلي المتطرّف، ويعدهم بتجديد الحرب بعد ذلك.
على الأرجح، لقد رفض نتنياهو الاتفاق سابقاً، بسبب تهديد حلفائه المتطرفين، مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، بإسقاط حكومته إذا أوقف الحرب، وهذا التهديد قائم الآن أيضاً. ولكن، نتنياهو كانت لديه أسباب أخرى أكثر عمقاً لرفض الاتّفاق في السابق، فقد كان يخشى أن يؤدّي انتهاء الحرب إلى إعادة القضية الفلسطينية إلى طاولة المفاوضات.
وبما أنّ نتنياهو كرّس حياته السياسية لمنع قيام دولة فلسطينية، فهذا الاحتمال قد يقوّضُ إرثه. ومع ذلك، فقد وافق الآن على وقف إطلاق النار، تحت ضغط ترامب والرأي العامّ الإِسرائيلي.
ما هي فرصة وقف دائم لإطلاق النار؟
سواء فازت أو خسرت، فإنّ "إسرائيل" بعد توقيع وقف إطلاق النار، تختلف تماماً عمّا قبل الهجوم الذي قادته "حماس" منذ 15 شهراً. والذي تسبّب في صدمة لم يتعافَ منها الإسرائيليون، وما الدمار الذي أحلّوه بغزّة إلا محاولة لمداواة هذه الصدمة، التي ما زالت باقية. فقد أدّى هجوم حركة "حماس" إلى انهيار فكرة قدرة "إسرائيل" على إدارة الصراع مع الفلسطينيين. وقد أظهر مؤخّراً باحثون من مركز دراسات إسرائيلي مختصّ في شؤون الشرق الأوسط، لماذا فشل هذا الاتجاه من التفكير، وكيف أدّى إلى النتائج المدمّرة التي أسفرت عنها أحداث 7 تشرين الأوّل/أكتوبر 2023.
وكي تعوّض "إسرائيل" فشلها في إدارة الصراع، تبنّت "الخطّة الحاسمة" لسموتريتش الهادفة إلى القضاء على الفلسطينيين وضمّ كامل فلسطين التاريخية لـ "دولة إسرائيل". وكان تدمير غزّة جزءاً من هذا المخطّط، وبالطبع فشل هذا المسار أيضاً.
ولا يزال سموتريتش وبن غفير يعتقدان أنّ هذا الهدف قابل للتحقيق. ولذلك يطالبان نتنياهو بالالتزام باستئناف الحرب فور انتهاء المرحلة الأولى التي تستمرّ 42 يوماً، لهدف معلن هو احتلال قطاع غزّة بالكامل وتقليص المساعدات الإنسانية إلى الحدّ الأدنى.
لكنّ موقف نتنياهو غامض بشأن إمكانية تجديد الحرب، ويبدو أنّ القيام بذلك سيكون صعباً للغاية لأسباب كثيرة. ولم يتضح بعد نوع الضغوط التي مارسها ترامب على نتنياهو حتى الآن، ولكن من الواضح تماماً أنه لا يريد حرباً في غزة، وأنه يهدف إلى استئناف نوع ما من العملية السياسية في الشرق الأوسط، والعودة إلى الحرب ستكون ضدّ رغبته.
هل ينهي الاتّفاق حرب "إسرائيل" على غزّة؟
من المرجّح أنّ ترامب لن يوقف شحنات الأسلحة الأميركية إلى "إسرائيل"، ولن يمتنع من حمايتها في مجلس الأمن في الأمم المتّحدة إذا عادت إلى الحرب، لكنّ نتنياهو يفضّل عدم مواجهة ترامب في الفترة الأولى من وجوده في البيت الأبيض. كما أنّ استئناف الحرب قد يؤدّي إلى توتّر العلاقات مع مصر، التي ساعدت على التوسّط في الاتّفاق. والمشكلة الأكبر سوف تكون داخلية. فالعودة إلى الحرب تعني التنازل عن حياة 66 إسرائيلياً، لم تشملهم المرحلة الأولى من الصفقة. وسوف ينظر معظم الرأي العام الإسرائيلي إلى مثل هذه الخطوة كخيانة.
وقد أظهر استطلاع للرأي نشر الأسبوع الماضي، أنّ 73% من الإسرائيليين يؤيّدُون إطلاق سراح الأسرى كلّهم مقابل إنهاء الحرب، التي إذا تجدّدت قبل عودتهم جميعاً، ستؤدّي إلى تظاهرات ضخمة وشديدة مناهضة للحكومة، وستصبح أكثر عنفاً. كما أنّ أغلب الجمهور الإسرائيلي يريد العودة إلى الحياة الطبيعية. وإذا استؤنفت الحرب تحت ضغط أقلّية صغيرة نسبياً من اليمين المتطرّف، مثل سموتريتش وبن غفير وهما يحوزان 14 مقعداً في الكنيست فقط، واستطلاعات الرأي تشير إلى أنّ نسبة مؤيّديهما بانخفاض مستمرّ، فإنّ هذا من شأنه أن يوصل إلى تمزيق الجمهور الإسرائيلي أكثر ممّا هو عليه الآن.
كذلك، إنّ العودة إلى القتال ستكون صعبة عسكرياً أيضاً، فـ "الجيش" الإسرائيلي منهك بالفعل،ولم يعد الجنود يعرفون ما هو المطلوب منهم وإلى أين تتّجه هذه الحرب. كما أنّ نسبة جنود الاحتياط الذين يلتحقون بالخدمة في تناقص مستمرّ. وإذا نُفّذت بنود المرحلة الأولى بشكل تامّ، فإنّ مئات الآلاف من الفلسطينيين سيعودون إلى شمال قطاع غزّة، وهذا سيشكّل تحدّياً هائلاً لـ "الجيش" الإسرائيلي، لأنّه سيحارب في منطقة ستصبح مرّة أخرى ذات كثافة سكانية عالية.
لقد أثبتت حركة "حماس" قدرتها الفعلية على إعادة تنظيم صفوفها، كما اتّضح عندما قتل 15 جندياً إسرائيلياً في أسبوع واحد في بيت حانون. وبعد 42 يوماً من وقف إطلاق النار، فمن المؤكّد أنها سوف تكون أكثر استعداداً. ومن المنطقي أن نفترض أنّ المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار سوف تدخل حيّز التنفيذ، وهو ما سيؤدّي إلى إطلاق سراح جميع الأسرى والتوصّل إلى هدنة دائمة بين الطرفين.
تأثير الحرب على "المجتمع" الإسرائيلي
إن أغلب الإسرائيليين يريدون العودة إلى مرحلة ما قبل السابع من أكتوبر، إلى نوع من المصالحة اليهودية الداخلية بين الوسط واليمين المعتدل ويسار الوسط، ومواصلة تجاهل القضية الفلسطينية، كما كانت الحال في حكومة بينيت-لبيد التي سبقت إدارة نتنياهو الحالية.
ولكن بعد صدمة 7 تشرين الأول/أكتوبر وخمسة عشر شهراً من الحرب المدمّرة ضدّ الفلسطينيين في غزة، والتي فشلت في تحقيق أيّ نتائج، سيكون من الصعب إعادة هذا المارد الفلسطيني إلى القمقم، فعلى الساحة الدولية، أصبحت القضية الفلسطينية في مكان مختلف تماماً عمّا كانت عليه في السادس من تشرين الأول/أكتوبر 2023.
ولقد أصبحت القضية الفلسطينية والسلام الأكثر إلحاحاً، وهذا مطلب يصدح من حرم جامعات ووزارات خارجية في مختلف أنحاء العالم. وهو يؤشّر الآن إلى أنّ فرص سماح المجتمع الدولي لـ "إسرائيل" بإدارة القضية الفلسطينية بالطريقة التي تراها مناسبة أصبحت الآن ضئيلة للغاية.
قد تنشأ قوى سياسية واجتماعية جديدة بين الإسرائيليين، من بين تلك التي قادت التظاهرات الضخمة "القضائية" ضدّ حكومة نتنياهو في عام 2023، والاحتجاجات من أجل إعادة الأسرى، والتي باتت تدرك أنّه لم يعد من الممكن تجاهل الفلسطينيين. ليس لأسباب أخلاقية، بل لأنّ 7 تشرين الأوّل/أكتوبر والحرب أظهرا لهم أنّه من المستحيل أن يعيشوا حياة طبيعية في "إسرائيل"، في حين أنّ هذه القضية لم تسوّ، حتّى بالقوّة.
من المبكر للغاية القول ما إذا كانت وجهة النظر السياسية الجديدة هذه سوف تظهر بعد انتهاء هذه الحرب، ولكنّ ماضي الإسرائيليين يشي بأنّ هذا ممكن. فبعد انتهاء الحرب في عام 1973، شعر العديد من الإسرائيليين بأنّهم فازوا في الصراع. ومع ذلك فإنّ صدمة الهزيمة في الأيّام الأولى للحرب ظلّت تطاردهم. وبعد 6 سنوات، وقّعت "إسرائيل" معاهدة سلام مع مصر، وانسحبت من الأراضي التي احتلتها في شبه جزيرة سيناء في عام 1967.
نقله إلى العربية: حسين قطايا.