"نيويورك تايمز": "طالبان" تحفر الأرض لإنعاش الاقتصاد

تعتمد حكومة "طالبان" على الموارد الوفيرة من الأحجار الكريمة والمعادن في أفغانستان بعد خسارة مليارات الدولارات من المساعدات الدولية.

0:00
  • "نيويورك تايمز": "طالبان" تحفر الأرض لإنعاش الاقتصاد

صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تنشر تقريراً كتبه ديفيد زوكينو، تحدّث فيه عن الاقتصاد الأفغاني في ظلّ حكومة حركة "طالبان"، وكيف تقوم الأخيرة بالاستفادة من استخراج الأحجار الكريمة لتوفّر شريان حياة مهمّاً للاقتصاد الأفغاني الضعيف.

أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:

منذ استيلائها على السلطة في العام 2021، تقول حركة طالبان إنّها وقّعت اتّفاقيّات مع عشرات المستثمرين لاستخراج الأحجار الكريمة والذهب والنحاس والحديد ومعادن قيّمة أخرى، من الكنوز المدفونة تحت الأرض، والتي توفّر شريان حياة مهمّاً للاقتصاد الأفغاني الضعيف. الصين، تقدّمت لائحة المستثمرين في إطار مبادرة الحزام والطريق، وجهود بكين القوية لتوسعة نفوذها في جميع أنحاء العالم. كذلك وقّع مستثمرون من روسيا وإيران، على عقود تراخيص التعدين ضمن توجّه لملء الفراغ الذي خلّفه انسحاب الولايات المتّحدة من أفغانستان في العام 2021. كذلك، تستثمر تركيا وقطر، في مناجم الحديد والنحاس والذهب والأسمنت. كما وقّعت شركات أوزبكية صفقات لاستخراج النفط في شمال البلاد.

وكانت الحكومة الأميركية قد قدّرت أنّ أفغانستان تختزن رواسب معدنية قيمتها نحو تريليون دولار على الأقلّ تحت الأراضي الوعرة. والبلاد غنية بالنحاس والذهب والزنك والكروم والكوبالت والليثيوم والمعادن الصناعية الأخرى، إضافة إلى الأحجار الكريمة وشبه الكريمة مثل الزمرد والياقوت والزفير والعقيق واللازورد. كما تمتلك أفغانستان أيضاً كنزاً من العناصر الأرضية النادرة التي تستخدم في صناعة مجموعة من التقنيّات الحديثة مثل الهواتف المحمولة وأجهزة الحاسوب والمركبات الكهربائية، وفقاً لمكتب المفتّش الأميركي العامّ المخصّص لإعادة إعمار أفغانستان جون سوبكو. 

مع ذلك، تحاول حركة طالبان أن تفعل ما لم تستطع فعله الولايات المتّحدة خلال احتلالها لأفغانستان لعقدين من الزمن. حيث أنفقت واشنطن ما يقرب من مليار دولار لتطوير مشاريع التعدين في أفغانستان، ولكن من دون "تقدّم ملموس والنتائج ضئيلة وغير مستدامة". ويضيف سوبكو،" آنذاك، كان هناك العديد من العقبات مثل الافتقار إلى الأمن، والبنية الأساسية الرديئة، والفساد، والسياسات واللوائح الحكومية غير المتّسقة، والتغيير المتكرّر للمسؤولين الحكوميّين.

ومع ذلك، لا تزال حركة طالبان تحاول جاهدة بسبب حاجتها الشديدة إلى الموارد، خاصة بعد التوقّف المفاجئ للمساعدات الأميركية في أثر الانسحاب. وخلال الحرب، قدّمت الولايات المتّحدة ما يقرب من 143 مليار دولار كمساعدات تنموية وإنسانية لدعم حكومة كابول المتحالفة معها. ومنذ عام 2021، قدّمت الولايات المتحدة 2.6 مليار دولار من هذه المساعدات، سُلّمت من قبل مقاول خاصّ في حزم نقدية مغلّفة بالبلاستيك على متن رحلات جوّية إلى كابول، وفقاً للمفتّش سوبكو.

ومنذ أشهر أفاد البنك الدولي عن أنّ الاقتصاد الأفغاني انكمش بنسبة 26% على مدى العامين الماضيين، بسبب الانخفاض الحادّ في المساعدات الدولية ممّا ترك أفغانستان من دون أيّ حوافز داخلية للنموّ.

كان حظر طالبان زراعة الأفيون قد كلّف المزارعين 1.3 مليار دولار من الخسائر، أي 8% من الناتج المحلّي الإجمالي لأفغانستان. ووفقاً للبنك الدولي، قد أدّى الحظر إلى خسارة 450 ألف مزارع لإنتاجهم. وأفاد مكتب الأمم المتّحِدة المعني بالمخدّرات والجريمة أنّ 100 ألف شخص فقدوا وظائفهم، وانخفضت مساحة الأراضي المزروعة بالخشخاش بنسبة 95%. إضافة إلى أنّ التعدين قد يساعد في استبدال هذه المزروعات بمصدر آخر للدخل.

بالفعل بدأت حكومة طالبان في تحصيل الضرائب من مبيعات أحجار الزمرد، التي كانت في ظلّ الحكومة السابقة تجارة فاسدة، ويهيمن عليها أمراء الحرب وأصحاب رؤوس الأموال والسلطة، وكان تحصيل الضرائب عشوائيّاً في أفضل الأحوال.

ولكن بما أنّ حكومة طالبان قد أقرّت المزادات الأسبوعية للزمرد، فقد فرضت ضرائب على المبيعات جميعها، والتجّار لا يمكنهم الحصول على مشترياتهم إلّا بعد دفع الضريبة المقرّرة. كما تفرض طالبان ضرائب على الأحجار الكريمة الأخرى أيضاً، مثل الياقوت والزفير. ويقول التاجر رحمة الله شريفي، الذي اشترى مجموعتين من الزمرد في المزاد إنّه لا يمانع في دفع الضريبة، "الحكومة بحاجة إلى المال لتنمية البلاد، والسؤال المهمّ إذا كان سينفق على مساعدة الشعب الأفغاني".

وفي ولاية بنجشير، حيث يستخرج معظم الزمرد الأفغاني، أصدرت الحكومة 560 ترخيصاً لاستخراج الزمرد للمستثمرين الأجانب والأفغان، حسبما قال همايون أفغان، المتحدّث باسم وزارة المناجم والنفط. وأضاف، "الوزارة منحت أيضاً تراخيص لاستخراج الياقوت في محافظتي بنجشير وكابول، كما يجري حالياً وضع خطط لإصدار تراخيص الزمرد والأحجار الكريمة في 3 محافظات أخرى.

مع ذلك، ما زالت المناجم القائمة تعاني ضعف البنية الأساسية ونقص المهندسين والخبراء الفنّيين. واعترف السيّد أفغان أنّ البلاد بحاجة إلى المزيد من هؤلاء، ويقول "إنّ المستثمرين الأجانب يستقدمون خبراء معهم، وهم ملزمون بموجب التراخيص بتوظيف الأفغان وتعليمهم المهارات الفنّية والهندسية". ولذلك، إنّ العديد من التراخيص الجديدة مخصّصة لمناجم لم تفتح بعد.

التاجر حاجي غازي يقول، "إنّ أغلب الزمرد الذي يشترى في المزادات الأسبوعية يعاد بيعه للمشترين الأجانب". وهو يبيع أغلب أحجاره الكريمة للمشترين من الإمارات والهند وإيران وتايلاند. لكنه، يفتقد الأيّام التي سبقت استيلاء طالبان على السلطة، عندما كان الاحتلال الأميركي يجلب المشترين المتلهّفين من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وأستراليا.

في متجر مجاور، أشعل عزيز الله نيازي مصباحاً مكتبياً لإضاءة مجموعة من اللازورد والياقوت والزفير والزمرد المنتشرة على طاولة صغيرة. كان لا يزال ينتظر أوّل زبون له في الصباح. "إنّ المبيعات الحالية ليست قويّة كما كانت خلال الأعوام الماضية حين سُمح له فيها ببيع الأحجار الكريمة يوماً واحداً في الأسبوع في متجر صغير داخل قاعدة عسكرية للتحالف الأميركي. حينها ارتفعت أرباحه بشكل كبير مع اصطفاف الجنود والمقاولين المدنيين لشراء معروضاته كلّ يوم جمعة، ونادراً ما كانوا يساومونه على الأسعار، على عكس المشترين الأفغان أو العرب كما يقول نيازي، الذي افتتح فرعاً لمتجره في الصين أيضاً.

تشكّل هذه التجارة في ولاية بنجشير الغنية بالزمرد في شرق أفغانستان، جزءاً من الجهود التي تبذلها حكومة طالبان للاستفادة من الثروات الهائلة التي تتمتّع بها البلاد من المعادن والأحجار الكريمة، خاصّة بعد توقّف مليارات الدولارات من المساعدات الدولية.

نقله إلى العربية: حسين قطايا