"نيويورك تايمز": الصحافة في غزة.. مهنة قاتلة

يواجه الصحافيون الواقع المرير نفسه الذي يواجهه غيرهم من سكان غزة: الجوع والتهديد المستمر بالموت. تُنذر هذه التحدّيات بحجب ما يسمعه العالم عن الحرب في القطاع.

0:00
  • "نيويورك تايمز": الصحافة في غزة.. مهنة قاتلة

صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تنشر مقالاً يتناول الاستهداف الممنهج للصحافيين الفلسطينيين في غزة خلال الحرب المستمرة، ويعرضه في إطار واسع يشمل الجوانب الإنسانية والسياسية والإعلامية. 

المقال يسلّط الضوء على أنّ الصحافيين في غزة ليسوا مجرّد ناقلين للأحداث، بل هم جزء من ضحاياها المباشرين؛ يتعرّضون للقتل والاستهداف الممنهج من جانب "إسرائيل"، ويعيشون ظروفاً إنسانية كارثية مثل بقية السكان، مع قيود تمنع العالم من الاطلاع الحرّ على حقيقة ما يجري.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:

كانت الغارات الإسرائيلية التي أودت بحياة خمسة صحافيين في مستشفى بغزة، يوم الاثنين، أحدث حلقة في سلسلة الصراع المميت الذي يواجهه الصحافيون الفلسطينيون، والذين شكّلوا في كثير من الأحيان شهوداً عالميين على الحملة الإسرائيلية.

وقالت جيفارا الصفدي، وهي مصوّرة تعمل مع قناة "الكوفية" الفلسطينية: "لقد وصل الأمر إلى حد أنني أخشى ممارسة عملي في التغطية والإبلاغ". هذه المخاوف، إلى جانب المخاطر القاتلة التي تلاحق الصحافيين في غزة، تهدّد بمزيد من خنق تدفّق المعلومات من قلب الحرب.

كما منعت "إسرائيل" الصحافيين الدوليين من دخول غزة بحرية لتغطية الأحداث، في حين قتلت عشرات الصحافيين الفلسطينيين بزعم أنهم أعضاء في حماس أو جماعات مسلحة أخرى. ووفقاً للجنة حماية الصحافيين، فقد قُتل أكثر من 190 إعلامياً، غالبيتهم من الفلسطينيين، منذ اندلاع الحرب في تشرين الأول/أكتوبر 2023.

بدأت أحداث يوم الاثنين بعد أن قصفت "إسرائيل" مستشفى ناصر جنوب غزة، وأصابت أحد الصحافيين، وفقاً لعبد الله العطار، الصحافي المستقل الذي كان حاضراً. وبينما هرع صحافيون آخرون وموظفو الطوارئ الطبية إلى موقع الحادث، شنّت القوات الإسرائيلية هجوماً جديداً، مما أسفر عن مقتل 20 شخصاً وإصابة آخرين، وفقاً لمسؤولي الصحة. وقد أكدت لجنة حماية الصحافيين رواية العطار.

كان من بين الضحايا خمسة صحافيين عملوا متعاقدين مع وكالات "أسوشيتد برس" و"رويترز" وقناة "الجزيرة" وموقع "ميدل إيست آي". وفي المقابل، أعلن "الجيش" الإسرائيلي عن أسماء ستة أشخاص آخرين قال إنهم مسلحون قُتلوا في الهجوم. وزعم أنّ الضربات استهدفت كاميرا اعتقد الجنود الإسرائيليون أنها كانت تراقب تحرّكاتهم.

لقد كان الصراع مميتاً على نحو استثنائي لسكان غزة عموماً؛ إذ قُتل أكثر من 60 ألف شخص، بينهم آلاف الأطفال وغيرهم من المدنيين، وفقاً لمسؤولي الصحة المحليين.

إلى جانب حملتها العسكرية في غزة، شنّت الحكومة الإسرائيلية معركة لا هوادة فيها للسيطرة على رواية القتال. فإلى جانب السماح فقط بدخول الصحافيين الدوليين المرافقين لـ "الجيش"، شكّكت أيضاً في دوافع وموضوعية العديد من الصحافيين الفلسطينيين العاملين داخل القطاع، بدعوى أنهم يخضعون لسيطرة حماس.

تحسين الأسطل، نائب رئيس نقابة الصحافيين الفلسطينيين في غزة،قال إن "إجراءات إسرائيل تهدف إلى السماح لها بترويج روايتها للأحداث من دون قيود". وأضاف: "لا تريد إسرائيل أن يرى العالم حجم ما يحدث هنا".

ومثل معظم سكان غزة، اضطر الصحافيون الفلسطينيون مراراً وتكراراً إلى الفرار للنجاة بحياتهم، فيما كافحوا لتأمين الطعام لعائلاتهم وسط نقص واسع النطاق ومجاعة متفاقمة. وفي أحيان كثيرة، وجدوا أنفسهم مضطرين لتغطية وفاة أصدقائهم وزملائهم وأحبائهم.

وقالت جودي جينسبيرغ، رئيسة لجنة حماية الصحافيين: "إنهم يتعرّضون لأشكال الحرمان المروّع نفسه التي يعاني منها بقية سكان غزة. إنهم نازحون باستمرار، ويعملون في مساكن شديدة الخطورة".

على عكس الصحافيين الذين يغطون مناطق القتال الأخرى، لا يستطيع الصحافيون الفلسطينيون في غزة مغادرة خطوط المواجهة للراحة والتعافي. لا تسمح "إسرائيل" ومصر لأحد تقريباً بمغادرة القطاع باستثناء عمال الإغاثة، وحاملي الجنسيات المزدوجة، والمرضى أو الجرحى ذوي الحالات الحرجة.

قالت الصفدي: "عندما أعمل ويأمرنا الجيش بالإخلاء، أضطر للبحث عن مكان جديد للعيش. أنت تعمل كصحافي، ولكن عليك أيضاً إعالة أسرتك النازحة".

وقد وقعت الصفدي نفسها في مرمى النيران. ففي أواخر تموز/يوليو، أصابت غارة جوية إسرائيلية منزلاً قريباً في حي الشيخ رضوان بمدينة غزة، مما أدى إلى إصابتها هي وابنتها الصغيرة بشظايا، على حدّ قولها. وأضافت: "هناك الكثير من الخوف، ولا توجد حماية".

تعمّد "الجيش" الإسرائيلي مهاجمة وقتل صحافيين فلسطينيين زعم ​​أنهم ينتمون إلى الجناح العسكري لحماس، كتائب القسّام. وكان العديد من المعتقلين موظفين في قناة الجزيرة المملوكة لقطر، والتي وصفت الاتهامات بأنها لا أساس لها من الصحة.

كان من بينهم أنس الشريف، مراسل قناة الجزيرة، البالغ من العمر 28 عاماً، والذي أصبح وجهاً مألوفاً في جميع أنحاء العالم العربي باعتباره أحد آخر الصحافيين في شمال غزة، الذي دمّرت القوات الإسرائيلية معظمه. ساهم الشريف في مجموعة صور حائزة على جائزة "بوليتزر"، قدّمتها "رويترز "عام 2024 لتغطية الحرب.

في وقت سابق من هذا الشهر، قصف "الجيش" الإسرائيلي خيمةً تؤوي صحافيي الجزيرة في مدينة غزة، مما أسفر عن مقتل الشريف. وفي بيان له، قال "الجيش" إنّ الشريف كان ينتمي إلى كتائب القسام، الجناح العسكري لحماس، وهي تهمةٌ نفاها الشريف والجزيرة قبل أشهر.

لم تتهم "إسرائيل" صحافيي الجزيرة الثلاثة الآخرين والصحافيين المستقلين الاثنين الذين قُتلوا إلى جانب الشريف بصلاتهم بمسلحين. كما لم يوضح "الجيش" الإسرائيلي سبب قراره مهاجمة الشريف في ذلك اليوم، بعد أشهر من اتهامه له بالانتماء إلى حماس.

في منشورٍ له على تيليغرام في أكتوبر 2023، نشر الشريف صورةً لشخص يضغط بحذائه على وجه رجل يرتدي زياً عسكرياً إسرائيلياً. كتب: "كلما انخفضت المعنويات! تذكّروا أننا دسنا على رؤوسهم في وسط قواعدهم العسكرية".

مع ذلك، قالت جينسبيرغ، الناشطة في مجال حقوق الصحافيين، إنّ التعبير عن دعم جماعة مسلحة لا يجعل الشريف هدفاً مشروعاً بحد ذاته. وأضافت: "إذا كانت جريمته هي دعمه لحماس، فهذا لا يجعلك مقاتلاً، ولا يبرّر قتله".

نقلته إلى العربية: بتول دياب.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.