"نيويورك تايمز": المسيرة غير المفهومة نحو تغيير النظام في فنزويلا
يبدو أنّ الإدارة الأميركية مستعدة لتوسيع نطاق الصراع المسلّح ليشمل فنزويلا.
-
الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو
صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تنشر مقالاً يتناول التصعيد الخطير في سياسة الولايات المتحدة تجاه فنزويلا في عهد ترامب، يقوم على تبرير مواجهة عسكرية محتملة ضدّ نظام نيكولاس مادورو عبر تصنيف كيان وهمي كمنظمة إرهابية، وسط مؤشرات متزايدة على استعدادات عسكرية فعلية، مع تجاهل شبه كامل للرأي العامّ الأميركي.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
في يوم الاثنين، صنّفت الولايات المتحدة رسمياً الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو وحلفاءه في الحكومة كأعضاء في منظمة إرهابية أجنبية تسمّى "كارتل دي لوس سولس"، وهي مجموعة غير موجودة.
قال لي فيل غانسون، كبير المحلّلين في مجموعة الأزمات الدولية، عبر الهاتف من العاصمة الفنزويلية كاراكاس يوم الاثنين: "لا وجود لما يُسمّى كارتل".
كارتل دي لوس سولس، أو كارتل الشمس، مصطلح فنزويلي مهين يُطلق على الشخصيات الفاسدة في القوات المسلحة التي تتقاضى أموالاً من تجار المخدّرات؛ والاسم يُشير إلى شعار الشمس على زيهم العسكري.
وأضاف غانسون أنّ هذا المصطلح صيغ قبل أكثر من 30 عاماً، كاختصار صحفي، "وظلّ يُستخدم كنوع من التسميات الساخرة". وكأنّ دونالد ترامب صنّف "الدولة العميقة" عصابة إجرامية.
إنّ إعلان هذه العصابة الوهمية منظّمة إرهابية قد تكون له عواقب وخيمة. قال غونسون: "أعتقد أنّ الهدف من ذلك هو إيصال رسالة إلى مادورو مفادها أنك تُعتبر الآن إرهابياً، وبالتالي قد تلقى مصير أسامة بن لادن نفسه". إنه تهديد ومبرّر في آن واحد لعملية محتملة لتغيير النظام، وهي مغامرة عسكرية تبدو سخيفة للغاية، لكنها تبدو أيضاً مرجّحة بشكل متزايد.
لا أحد يعلم إن كنّا على وشك البدء بقصف فنزويلا، لكنّ خطاب الإدارة الداعي للانتقام من كارتل دي لوس سولس ليس سوى مؤشّر واحد من مؤشّرات عديدة مثيرة للقلق.
منذ أشهر، ترتكب الولايات المتحدة عمليات إعدام خارج نطاق القضاء لمهرّبين مشتبه بهم في تجارة المخدّرات، كثير منهم من فنزويلا، في البحر الكاريبي وشرق المحيط الهادئ. وكما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"، تبرّر الإدارة هذه الضربات بادّعاء أنّ أميركا في حالة صراع مسلّح مع كارتلات المخدّرات. والآن، يبدو أنّ الإدارة مستعدّة لتوسيع نطاق هذا الصراع المسلّح ليشمل فنزويلا.
وصلت مؤخّراً أكبر حاملة طائرات تابعة للبحرية الأميركية إلى المنطقة، في إطار أكبر حشد عسكري في منطقة البحر الكاريبي منذ أزمة الصواريخ الكوبية. وفي الأسبوع الماضي، أفادت صحيفة "نيويورك تايمز" أنّ ترامب أذن بخطط لعمل سرّي لوكالة المخابرات المركزية الأميركية في فنزويلا. وألغت شركات الطيران رحلاتها بسبب تحذير إدارة الطيران الفيدرالية من "تدهور الوضع الأمني".
ومع ذلك، لا تشعر الولايات المتحدة إطلاقاً بأنها دولة تتجه نحو الحرب. ففنزويلا بالكاد تُذكر في نقاشاتنا العامّة. في استطلاع حديث أجرته شبكة "سي بي أس نيوز" بالتعاون مع "يوغوف"، أفاد واحد فقط من كلّ خمسة أميركيين بأنه سمع أو قرأ الكثير عن التعزيزات العسكرية في المنطقة. إنّ التفسيرات السريعة التي تقدّمها الإدارة الأميركية للعمل العسكري المحتمل تجعل مبرّر حرب العراق يبدو قوياً. يبدو الأمر كما لو أنّ البيت الأبيض لا يكترث بالرأي العامّ لدرجة أنه لا يشعر حتى بالحاجة إلى شنّ حملة دعائية مناسبة.
بحسب ما تقوله الإدارة، فإنّ عداءنا لفنزويلا يدور في معظمه حول دور البلاد في تهريب المخدّرات. لكنّ الفنتانيل، وهو المخدّر الذي يُشكّل جوهر أزمة الإدمان الأميركية، لا ينشأ ولا يمرّ عبر فنزويلا. تُعدّ فنزويلا مركزاً لتهريب الكوكايين، ولكن في الغالب إلى أوروبا. لذا، يبدو خطاب الإدارة عن حرب المخدّرات ذريعة. ولكن ذريعة لماذا؟
قال غانسون: "أشعر أنّ هناك تحالفاً غير مستقر في الإدارة الأميركية يقف وراء هذا". ماركو روبيو، وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي بالإنابة، هو من يقود سياسة البيت الأبيض تجاه فنزويلا. إنه مناهض شرس للشيوعية، ويبدو أنه يعتقد أنّ الإطاحة بمادورو قد تُسهم في إسقاط النظام في كوبا، مسقط رأس والديه. وأضاف غانسون أنّ آخرين يتمنّون لو استطاعوا قصف تجار المخدّرات في المكسيك، حيث يُستخرج معظم الفنتانيل الأميركي، ويأملون أن يُسهم الهجوم على فنزويلا في توجيه رسالة على الأقل.
يُقال أيضاً إنّ ترامب مُعجبٌ بفكرة القرن التاسع عشر المتمثّلة في تقسيم العالم إلى مناطق نفوذ تُسيطر عليها القوى الكبرى؛ وقد تكون الإطاحة بمادورو وسيلةً لفرض سيطرته في نصف الكرة الغربي. وبالطبع، تمتلك فنزويلا أكبر احتياطيات نفطية معروفة في العالم. وفي حديثه مع لورا إنغراهام من قناة "فوكس نيوز" الأسبوع الماضي، قال وزير الخزانة "سكوت بيسنت": "إذا حدث أيّ طارئ في فنزويلا، فسنشهد انخفاضاً حاداً في أسعار النفط".
إنّ مجرّد التكهّن بأسباب تهديد الإدارة لفنزويلا يُبرز مدى غرابة سياستها. من المؤكّد أنّ الأميركيين ليسوا مستعدّين للحرب؛ ففي استطلاع "سي بي أس نيوز/يوغوف"، عارض 70% من المشاركين العمل العسكري هناك. ترشّح ترامب ضدّ الحروب العبثية في انتخابات 2024، وتوقّع السيناتور راند بول، الجمهوري من كنتاكي، أن تؤدّي الضربات على فنزويلا إلى تفكّك حركة "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى". ربما لهذا السبب كان النقاش العامّ محدوداً نسبياً؛ فقصف فنزويلا لا معنى له، لدرجة أنّ معظم الناس لا يصدّقون إمكانية حدوثه.
يرى غونسون أنّ معسكر ترامب كان يأمل أن تؤدّي حملة الضغط التي شنّها إلى فرار مادورو أو الإطاحة به، وهو ما كان دائماً غير واقعي. وقال: "في غياب توسّع عسكري فعلي، لا أعتقد أنّ هناك نقطةً سيقول فيها مادورو فجأةً: 'أجل، إنهم لا يخدعون'". إذا كان غونسون مُحقّاً، فلا يزال بإمكان ترامب عقد صفقة مع مادورو، أو ببساطة إعلان النصر والعودة إلى الوطن.
لكن غونسون يخشى ألّا تكون هذه هي النتيجة الأكثر ترجيحاً. وقال: "أشعر أنهم في الأساس هم من صنعوا هذه الحرب الزائفة، وقد ذهبوا بها إلى حدٍّ يجعلهم الآن مضطرين إلى خوض حرب حقيقية".
نقلته إلى العربية: بتول دياب.