"نيويورك تايمز": هل هوليوود لا تزال في هوليوود؟

الأفلام والإنتاجات التلفزيونية تغادر الولايات المتحدة. فما هي الأسباب؟

  • لوحة كلمة
    لوحة كلمة "هولييود" في كاليفورنيا محطمة

صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تنشر مقالاً يتناول الأزمة التي تمرّ بها صناعة السينما والإنتاج التلفزيوني في ولاية كاليفورنيا، وتحديداً في هوليوود، بسبب انتقال عدد متزايد من الإنتاجات إلى دول ومناطق خارج الولايات المتحدة.

النص يرسم صورة قاتمة لمستقبل هوليوود كمركز عالمي للإنتاج السينمائي، حيث تدفع العوامل الاقتصادية والضريبية المنتجين إلى المغادرة، ما يهدد وظائف ومكانة المدينة في الصناعة، وسط قلق متزايد من فقدان الولايات المتحدة دورها التاريخي في هذا المجال.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

كان تصوير برنامج المسابقات "The Floor" في لوس أنجلوس سهلاً، فالمدينة تضمّ العديد من الاستوديوهات الفارغة التي كان بإمكانها بسهولة استيعاب شاشة العرض الكبيرة وأرضيتها الزرقاء الداكنة تحت أقدام المتسابقين. لكنّ، قناة "فوكس" أرسلت مقدم البرنامج روب لو، مع 100 متسابق أميركي آلاف الأميال عبر المحيط الأطلسي للإجابة عن أسئلة عامة حول الكلاب والنجمات وشخصيات ديزني في استوديو بدبلن. هذا الخيار أكثر منطقية من الناحية المالية من التصوير في كاليفورنيا.

خيار القناة استند إلى المصلحة في خفض تكلفة الإنتاج المالي عن تكلفة التصوير في استوديوهات كاليفورنيا، خاصة مع ارتفاع تكاليف العمالة بعد إضرابين، بدأ منتجو برامج الواقع والأفلام المستقلّة وحتّى الضخمة يتّجهون بشكل متزايد بعيداً عن لوس أنجلس إلى استوديوهات التصوير في خارج البلاد.

وبلا ريب، هذا الأمر الاقتصادي له عواقب كبيرة على آلاف العمّال من القطاعات المتوسّطة في المهنة، من المصوّرين ومهندسي الديكور والإضاءة الذين يجعلون من إنتاج الأفلام والمسلسلات التلفزيونية ممكناً. وقد بلغ الإحباط ذروته ودرجة الغليان، وفقاً لأكثر من 20 شخصاً يكسبون رزقهم من صناعة الترفيه، الذين أعربوا عن قلقهم من ضمور هوليوود كما نعرفها.

هذه "أزمة وجودية وزلزال"، يقول منتج الأعمال الكبيرة مثل فيلم "سان أندرياس" بو فلين، الذي تدور أحداثه على خلفية وقوع زلزال في كاليفورنيا، إلّا أنّ معظمه صور في أستراليا، "هذه أشياء حقيقية تحصل، وليست دراما مسرحية".

لعقود صورت الإنتاجات السينمائية خارج الولايات المتحدة، ولكن نادراً ما شهدت أعمال هوليوود ازدهاراً في الخارج في وقت كان فيه العمل في استديوهاتها نادراً إلى هذا الحدّ، بينما تعج في الدول الأوروبية بالعمالة. ووفقاً لبيانات "المكتب السينمائي الرسمي" في لوس أنجلس، انخفض إنتاج الأفلام والدراما التلفزيونية في المقاطعة بأكثر من الثلث خلال العقد الماضي.

ويقول نائب رئيس التحالف الدولي لموظفي المسرح مايكل إف ميلر جونيور، الذي يشرف على إنتاج الأفلام والأعمال التلفزيونية لمصلحة النقابة، إنّ نحو 18 ألف وظيفة بدوام كامل تبخّرت في السنوات الثلاث الماضية معظمها في ولاية كاليفورنيا. وأضاف: "نحن نسمح لكاليفورنيا بأن تصبح في مجال صناعة الترفيه ما أصبحت عليه ولاية ديترويت في صناعة السيارات".

مع ذلك، حافظ جزء كبير من الإنتاج على وجوده داخل الولايات المتحدة. كما أنفقت 38 ولاية أكثر من 25 مليار دولار كحوافز ضريبية على صناعة السينما والدراما، ما أدّى إلى إنشاء مراكز إنتاج في جورجيا وولايات أخرى. وينتقد بعض الاقتصاديين هذا الاستخدام لأموال دافعي الضرائب، معتبرين إياه خسارة إيرادات لتلك الولايات. ولكن مع البنية التحتية المستقرّة وتكاليف طواقم العمل الرخيصة دولياً، يتزايد حجم الإنتاجات التي تغادر البلاد الآن.

سلسلة أفلام "مارفل" التي كانت القلب النابض لصناعة السينما في جورجيا، تنتقل الآن إلى بريطانيا. وكان الرئيس التنفيذي الشريك في "نتفليكس" تيد ساراندوس قد قال مؤخّراً، إنّ الشركة التي أنشأت استوديوهات في نيو مكسيكو، وتعمل على بناء آخر في نيوجيرسي، ستستثمر مليار دولار خلال السنوات الأربع المقبلة لإنتاج مسلسلات وأفلام في المكسيك.

غالبا ما تكون تكاليف العمالة في المواقع الدولية أقلّ، وتقدّم حوافز ضريبية أكثر مرونة من تلك التي تقدّمها كاليفورنيا، ما يجعل التصوير هناك أوفر بكثير. كما أصبحت هنغاريا من أكثر الوجهات شعبية لتوجّه صناعة الدراما. ويذكر آرون رايدر منتج أفلام مثل "الوصول"، و "ومال غبي" وغيرها الكثير، حين التقى الممثّل مارك سترونغ في فندق في مدينة بودابست في أثناء بحثه عن عمل. كما قال إنّه رأى المنتج جيري بروكهايمر يستخدم جهاز المشي في صالة الألعاب الرياضية بذات الفندق، "يمكنك الدخول إلى المطعم في بهو فندق فور سيزونز، وربّما ترى المزيد من الزملاء أو الممثّلين والمخرجين والوكلاء والأشخاص الذين تعرفهم هناك أكثر ممّا يمكنك رؤيته في فندق فور سيزونز في لوس أنجلوس".

هذا خبر سيّئ لأشخاص مثل جوش فيرز، الفنّان ومدير التصوير لأكثر من 25 عاما. قال إنّه انخرط في 3 مشاريع أفلام كبيرة خلال الأشهر الماضية، لكن تمّ إلغاء كلّ واحد مِنْها، وانتقل إنتاجها إلى بريطانيا وأستراليا وهنغاريا.

قال فيرز، وهو أب لطفلين (48 عاما)، والذي فقدت عائلته منزلها في كاليفورنيا خلال حرائق الغابات هذا العام، "لقد وهبت حياتي سدى في هذه الصناعة تقريبا، الأمر مؤلم بقوة".

أحيانا يتطلّب الفيلم خلفية مشهدية طبيعية من كاليفورنيا، حيث ينتهي الأمر عادة بتكلفة باهظة لشحن المعدات والأشخاص إلى الخارج أكثر ممّا تتوقّع الشركات توفيره من الإعفاءات الضريبية. مع ذلك، يقول المنتجون إنّ تكلفة العمل في كاليفورنيا باهظة، بينما الميزانيات تتقلّص باستمرار، حيث انتهى موسم ذروة العروض، وتراجع عدد رواد دور السينما، ولم تعد الاستوديوهات تجني أرباحاً من مبيعات أقراص دي في دي، حسب ما يقول بول أودلي رئيس جمعية فيلم إل إيه، "نحن نحصل على قطعة أصغر من فطيرة صغيرة".

في أوّل العام الجاري، وبينما كانت حرائق الغابات لا تزال مشتعلة، رغبت المنتجة آمي باير في نقل إنتاج فيلمها الكوميدي القادم من فانكوفر في كولومبيا البريطانية، إلى لوس أنجلس، لمساعدة المخرج الذي يعمل معها وفقد منزله ودمّرت ناحيته، ولمساعدة مدينتها. لكن، عندما أجرت باير حساباتها وجدت أنّ هناك استحالة في ذلك، لأنّ تلبية الإضافات على ميزانية الفيلم البالغة 10 ملايين دولار، تتطلب من فريقها تقليص عشرة أسابيع من العمل، أي ثلث الجدول الزمني.

تقول باير، "كانت الفكرة تدور حول إمكانيتنا لمحاولة إبقاء هذا المشروع في لوس أنجلس، وَكانَ الجَوابُ لا، نهائية، وتشي بأنّنا وصلنا إلى نقطة تحوّل وخطر فقدان القدرة على إنتاج الأفلام في الولايات المتحدة إلى الأبد".

كذلك، يقدّم المزيد من الدول حوافز ضريبية سخية أكثر من أيّ وقت مضى، وقد قام العديد من الاستوديوهات من بينها في ألمانيا وجمهورية التشيك مؤخّرا بتحسين عروضه لتقديم حسومات تعادل أو تفوق تلك التي تقدمها كاليفورنيا، مع قواعد أكثر مرونة تسمح بتأهّل أنواع أكثر من المشاريع والحصول على الإعفاءات.

وبخلاف كاليفورنيا، يسمح بعض الدول للإنتاجات بإدراج العائدات وتكاليف توظيف الممثّلين والمخرجين والمنتجين عند حساب نفقاتهم، ما يزيد حجم العائدات الضريبية التي يحصلون عليها.

كما تجعل دول أخرى برامج تلفزيون الواقع والعروض الترفيهية مؤهّلة للحصول على ائتمان ضريبي. حتّى من دون تلك الحوافز، غالباً ما يكون التصوير خارج الولايات المتحدة أقل تكلفة وأكثر سلاسة.

اضطرّ حاكم ولاية كاليفورنيا غافن نيوسوم إلى زيادة التمويل لبرنامج الحوافز الضريبية في الولاية بأكثر من الضعف، تحت ضغط من الناخبين والعديد من التحالفات التي تشكّلت بعد حرائق الغابات مؤخّراً، حيث قدّم المشرّعون أيضاً مشاريع قوانين من شأنها زيادة المعدّل الأساسي للائتمان الضريبي لصناعة الأفلام وزيادة عدد البرامج المؤهّلة. ومن نقاط الخلاف الأخرى ضيق الوقت المتاح للتقديم، ما قد يؤدّي إلى مشاكل لوجستية لصانعي الأفلام.

لكن في جلسة استماع عقدت في ساكرامنتو الشهر الماضي، زعم بعض المسؤولين في الولاية أنّ العديد من القيود كان حاسماً. وقال جيه تي كريدون، محلّل ميزانية مالية الولاية، خلال جلسة الاستماع، "لا ندعم أيّ عمل فنّي بارز، أو أيّ عمل يتقاضى فيه ممثّلون رواتب بملايين الدولارات، فالقيود هي مصدر قوتنا".

يقول رجال الأعمال الكبار، إنّهم يدركون أنّ هوليوود مركز صناعة تجارية، وأنّ تكلفة التصوير في كاليفورنيا لن تكون مساوية لتكلفة التصوير في بلغاريا. وهذا أحد أسباب المطالبة للحكومة الفيدرالية بالتدخّل، مع أنّه ليس من الواضح ما قد تعنيه جهود الرئيس ترامب لإعادة المزيد من الأعمال التجارية إلى الولايات المتحدة بالنسبة إلى صناعة الأفلام.

المنافسة في الخارج شرسة. غالباً ما تكون تكاليف العمالة في البلدان التي تغطّي حكوماتها تكاليف الرعاية الصحية أقلّ بكثير من أي مكان آخر في الولايات المتحدة، وخاصة في كاليفورنيا. ويرى البعض أنّ هذا التفاوت قد اتّسع بعد أن وافقت الاستوديوهات والنقابات في السنوات الأخيرة على عقود جديدة تضمّنت زيادات في أجور العمال.

وأظهرت إحدى وثائق الميزانية التي اطّلعت عليها صحيفة "نيويورك تايمز" أنّ تكلفة فريق العمليات المكوّن من 7 مساعدين تبلغ حوالي 59 ألف دولار أميركي لتصوير مدّته 30 يوماً في بودابست. وبسبب الرعاية الصحية والمعاشات التقاعدية وغيرها من النفقات، تبلغ تكلفة توظيف موظّف كبير واحد فقط في لوس أنجلس لنفس الفترة الزمنية حوالى 53 ألف دولار، وفقاً لمدير إنتاج مخضرم.

وقال نائب رئيس التحالف الدولي لموظفي المسرح مايكل إف ميلر جونيور، "نحن نسمح لكاليفورنيا بأن تصبح في صناعة الترفيه مثل ما أصبحت عليه ديترويت في صناعة السيارات". وهذا أحد أسباب قيام أحد المنتجين بتصوير فيلمه الأخير في المدينة قبل 19 عاماً. وقال إنّ من واجبه إنتاج أفضل عمل ممكن ضمن ميزانيته، سواء كان ذلك يعني التصوير في مكان آخر بالولايات المتحدة أم خارجها.

ويضيف، "سوف يرغب المنتجون في الذهاب إلى مكان يسمح لهم بأكبر عدد من الأيام للتصوير مع توفير أكبر قدر من المال لقسم الفن لديهم ولأقسامهم الإبداعية الأخرى المختلفة".

تصنَّف لوس أنجلس الآن سادس أفضل موقع للتصوير، وفقاً لاستطلاع أجري مؤخّراً، لرصد اتّجاهات الإنتاج بين مديري الاستوديوهات. وأشار الاستطلاع إلى أنّ تورنتو، وبريطانيا، وفانكوفر، وأوروبا الوسطى، وأستراليا، جميعها وجهات مرغوبة أكثر من الولايات المتحدة.

كلّ ذلك يقلق عمال الصناعة إزاء الحال الجديد. وفي يوم حارّ بشكل غير معتاد في الوادي هذا الشهر، تظاهر المئات منهم مطالبين بحوافز أفضل لإبقاء الإنتاج في كاليفورنيا، وكتبوا في أحد شعاراتهم المرفوعة، "احملوا الكاميرات، لا الأمتعة".

نقله إلى العربية: حسين قطايا.