"نيويوركر": "الشرق الأوسط الجديد".. الإعلان عنه أسهل من تحقيقه
مع ترسيخ وقف إطلاق النار الذي طال انتظاره وسط أنقاض غزة، تُركز زيارة ترامب لفلسطين المحتلّة على السياسة التجارية أكثر من السلام التحويلي.
-
"نيويوركر": "الشرق الأوسط الجديد".. الإعلان عنه أسهل من تحقيقه
مجلة "نيويوركر" الأميركية تنشر مقالاً يتناول أبرز الأحداث السياسية والدبلوماسية المتعلقة بوقف إطلاق النار في غزة، ويقدّم تحليلاً لزيارة ترامب إلى الأراضي المحتلة، مع التشديد على الفجوة بين التصريحات الرنانة للزعماء وواقع الأرض والتحديات الإنسانية والسياسية التي ما زالت قائمة.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
وصل الرئيس دونالد ترامب إلى مطار بن غوريون صباح الاثنين 13 أكتوبر/تشرين الأول، في الوقت الذي كانت حماس تُطلق سراح آخر الأسرى الإسرائيليين الناجين بعد عامين من الأسر القاسي، وبعدما أوقفت "إسرائيل" قصفها المُدمر على غزة. منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، قُتل ألفا إسرائيلي و67 ألف فلسطيني، وتحول القطاع إلى أرضٍ من العوز والخراب. ووقف إطلاق النار، الذي كان من الممكن، بل كان ينبغي، أن يأتي منذ زمن بعيد، بدأ أخيراً، وبشكلٍ متقطع، يترسخ.
وخلال خطاب ترامب أمام الكنيست، رفع نائبان يساريان، عوفر كاسيف، وهو يهودي إسرائيلي، وأيمن عودة، وهو فلسطيني إسرائيلي، لافتات صغيرة كُتب عليها "اعترفوا بفلسطين". وقد أخرجهما الحراس بسرعة من القاعة. أشاد الرئيس بالسرعة التي تم بها قمع هذا الاحتجاج المتواضع. وقال ببهجة: "كان ذلك فعالاً للغاية". وفي حديثه المُبالغ فيه، خصص ترامب وقتاً ليشكر كبير مفاوضيه: ستيف ويتكوف (الذي يُشبه كيسنجر)، وإحدى أغنى رعاته، ميريام أديلسون (التي قالت: "لديها ستون مليار دولار في البنك!")، ثم قال عن جو بايدن باستهزاء إنّه "أسوأ رئيس في تاريخ بلادنا بلا منازع، ولم يكن باراك أوباما بعيداً عنه".
من المستحيل ألا نشعر بارتياح كبير لأن هذه الحرب الطويلة والرهيبة قد تنتهي أخيراً، ومن الصعب أيضاً تجاهل أن قرار الرئيس باستخدام نفوذه ومكره على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لم يكن مدفوعاً باستراتيجية متسقة أو تعاطف أو قناعة راسخة. في الواقع، أججت تأملاته المتهورة في وقت سابق من هذا العام حول جعل غزة "ريفييرا الشرق الأوسط" خيالات اليمين الإسرائيلي بإعادة توطين القطاع وضم الضفة الغربية. كما أنها عمقت غضب العالم. جاءت اللحظة الحاسمة في 9 أيلول/سبتمبر، عندما أمر نتنياهو بشن غارة جوية على مبنى سكني في الدوحة، على أمل قتل أربعة من قادة حماس الذين كانوا منخرطين آنذاك في مفاوضات وقف إطلاق النار. أخطأت الضربة أهدافها، لكنها هزت ترامب بوضوح.
مثل العديد من الرؤساء الذين سبقوه، انصاع ترامب لنزعة نتنياهو لاعتبار الدعم العسكري والسياسي الأميركي أمراً مفروغاً منه، لكن الضربة على الدوحة لمست شيئاً أكثر حساسية من المبادئ: النتيجة النهائية. تتشابك مشاريع عائلة ترامب التجارية بشكل متزايد مع رأس المال القطري والخليجي. أجبر ترامب نتنياهو على تقديم اعتذار مكتوب للقطريين، وهي خطوة أعادت لهم كرامتهم، وطمأنت تركيا ومصر، ودفع هذين النظامين إلى الضغط على حماس لقبول اتفاق وقف إطلاق النار المرتقب. في النهاية، كانت الضربة الجوية الإسرائيلية الأكثر أهمية في الحرب هي تلك التي فشلت.
يشيد ترامب الآن بـ"الفجر التاريخي لشرق أوسط جديد". عندما استخدم شمعون بيريز هذه العبارة، خلال سنوات اتفاقيات أوسلو المفعمة بالأمل، سخر منه لسذاجته. رواية ترامب لا تدين بالدبلوماسية بقدر ما تدين بالحديث عن العقارات. ومع أنّ الرئيس يُقدّر "رجال الصفقات" على الدبلوماسيين المتزمتين، إلا أنّ تحقيق السلام في الشرق الأوسط ليس بهذه البساطة كإفراغ كازينو مُغلق. لا يمكن للإدارة ببساطة إعلان نهاية ما يسميه الرئيس "ثلاثة آلاف عام" من الصراع والانتقال إلى مشروعها المحلي لتقويض سيادة القانون. التاريخ يقاوم الاختصار.
إنَّ رسمة "الشرق الأوسط الجديد" المثالية في رؤية نتنياهو المنتصرة هي تلك تخفف من تهديدات حماس وحزب الله وسوريا واليمن وإيران أو تهزمها. هذا ما يعتبره نتنياهو الفجر، لكن ماذا عن فشله في حماية البلاد في السابع من أكتوبر؟ فهذا قد نسيه الجميع.
رؤية نتنياهو تتجاهل التكلفة في الرأي العام العالمي، إلى جانب التصدعات الأخلاقية والسياسية داخل "إسرائيل" نفسها. كما أنها تتجاهل الغضب المُتأجج في قلوب الشباب الفلسطيني، الذين فقدوا أصدقاءهم وأفراداً من عائلاتهم، لكنهم لم يفقدوا إصرارهم على الكرامة والوطن.
الأسئلة الآن كثيرة: من سيدفع تكاليف إعادة إعمار غزة؟ من سيحكمها؟ هل ستبقى القوات الإسرائيلية في القطاع؟ وفوق كل شيء، ما مصير "المسار الموثوق لتقرير المصير الفلسطيني وإقامة الدولة"؟ لطالما رُفض الحديث عن حل الدولتين، أو الكونفدرالية، أو أي احتمال تقريباً لتعايش آمن وحر، باعتباره إما ادعاءً ساذجاً أو تمثيلية هزلية ساخرة، أو بادرة فارغة نحو مستقبل لا يتوقعه أحد.
ما حدث في تل أبيب الأسبوع الماضي بدا أقرب إلى تكرار لأنماطه القديمة، وليس إلى ظهور "شرق أوسط جديد": غرور القادة الذين يخلطون بين إعلانات النصر والقرارات الحقيقية وصمود أولئك الذين تُركوا لتحمّل العواقب.
إنّ مهمة تحقيق العدالة، كما هي العادة، لا تقع على عاتق من يعلنون بزوغ فجر التاريخ ويتجاوزونه، بل على عاتق من يضطرون إلى اجتياز يومه الطويل والمرهق.
نقله إلى العربية: الميادين نت.