كيف أصبح "إكس" موقعاً لمشاهد الرعب؟ وكيف تؤدي وسائل التواصل إلى نشر العنف؟

فيديوهات القتل والعنف تلاحقنا على منصة "إكس"، تماماً كما الموادّ الإباحية، وهناك جدل قائم بشأن تأثير هذه المواد على الأفراد.

  • فيديوهات وصور الإعدامات التي نفّذها تنظيم
    فيديوهات وصور الإعدامات التي نفّذها تنظيم "داعش" ونشرها على مواقع التواصل حظيت بشعبية بين أنصاره

موقع "Unherd" البريطاني ينشر مقالاً للكاتب سيمون كوتي، يتحدّث فيه عن مسألة انتشار مشاهد العنف والجرائم على مواقع التواصل الاجتماعي وتحديداً منصة "إكس" بعد أن قام إيلون ماسك بشرائها. كما يشرح الدور الذي قد تؤدّيه هذه المشاهد في تغذية الشر الموجود لدى بعض الأشخاص الذي نفّذوا عمليات قتل.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

بعد ساعات قليلة من وقوع جريمة قتل مروّعة أودت بحياة 3 طفلات في مدينة ساوثبورت في إنكلترا في تموز/يوليو الماضي، بدأ تداول صور الضحايا ينتشر كما النار في الهشيم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي على الإنترنت. وكان أحد النشطاء اليمينيين غاضباً جدّاً، ونشر الخبر عبر منصّة "إكس" لإعلام الآلاف من متابعيه، ويحرّضهم على ردّة فعل، ودعاهم إلى الانفجار عبر فيديو قصير سجّله في سيارته. وبالفعل، سرعان ما وقع ذلك، فقد اندلعت احتجاجات ضارية في ساوثبورت وسندرلاند وروثرهام، والعديد من المدن الأخرى في جميع أنحاء المملكة المتّحدة.

هناك الآلاف من الصور المماثلة على شبكة الإنترنت، حيث تلاحقنا فيديوهات القتل في كلّ مكان، مثل إعلانات الموادّ الإباحية. لم يكن الأمر في السابق على هذا النحو في الماضي غير البعيد، ومشاهدة الجثث المشوّهة أو جريمة قتل عنيفة، كانت تتطلّب الذهاب إلى متجر فيديو لاستئجار فيلم رعب مثل "وجوه الموت" الشهير. أمّا الآن، فكلّ ما على المرء فعله هو الذهاب إلى منصّة "إكس"، فمنذ أن استحوذ إيلون ماسك على المنصّة في العام 2022، أصبحت "إباحيّة مشاهد الموت" حاضرة بقوّة على المنصة، سواء أعجبنا ذلك أم لا.

على مدار العام الماضي ومع أنّني لم أبحث عن هذه الفيديوهات، لكنّني شاهدت على قناة منصّة "إكس" فيديوهات لطعن وحشي لرجل مشرّد في أحد الشوارع، وهجوم إرهابي غاشم في قاعة حفلات موسيقية، وهياج وطعن في أحد المتاجر التجارية، وحرق امرأة حيّة في قطار أنفاق نيويورك في ليلة عيد الميلاد.

كان قاتل ساوثبورت، أكسل روداكوبانا، يبحث عن هذه الصور والفيديوهات. ولم يكن اهتمامه بأفلام الموت والعنف على الإنترنت مجرّد أمر فضولي، بل كان هوساً. ومن بين الآلاف من الوثائق التي بحثت فيها الشرطة  على أجهزته الإلكترونية، وجد الكثير مما يتعلّق بالحرب والإرهاب والإبادة الجماعية، ووجدت صور لجثث الموتى وضحايا التعذيب وقطع الرؤوس. كما كان قد قام أيضاً لمرّتين على الأقلّ منذ عام 2021، بتحميل دليل إرشادي لتنظيم "القاعدة" يحتوي على قسم كامل عن كيفية استخدام السكّين كسلاح هجومي. وفي صباح يوم المذبحة، كما لو كان يهيّئ نفسه للرعب الذي كان على وشك إطلاق العنان له، بحث عن مقطع فيديو على موقع "إكس" عن طعن أسقف في كنيسة في سيدني في أستراليا.

لا توجد مواصفات واحدة لمجرمي القتل الجماعي، بخلاف أنّ غالبيّتهم من الذكور. مع ذلك، هناك أنماط متكرّرة بالإضافة إلى الرغبة في القتل، فإنّ معظمهم لديهم اهتمام شره بتاريخ المجرمين المشهورين، بالاطّلاع ومشاهدة فيديوهات كاميرات المراقبة لأعمالهم الوحشية تبدو كمرآة لرغباتهم المظلمة، وهو ما يجعلهم يشعرون بأنّهم أقلّ وحدة وانحرافاً، وتقدّم لهم نموذجاً لكيفيّة تنفيذ جريمة قتل. وربّما أيضاً، يستمتع القتلة المحتملون بالمشاهدة أو القراءة عن مثيلهم، ويتقمّصون شخصيّاتهم سيّئة السمعة.

في الحقيقة، إنّ العديد من هؤلاء يتسمون بروح التنافسية الشديدة، وغالباً ما تكون لديهم معرفة موسوعية بأعداد الموتى الذين قُتلوا على يد قاتل جماعي. ويبدون إعجاباً متحفّظاً بالقتلة الكبار لأجل منافستهم. على سبيل المثال، "الجهادي" الأميركي الطموح الذي أصبح الآن سجيناً، يشعر بالغيرة بوضوح من القاتل الجماعي نضال مالك حسن وقال عنه: "إنّ الرجل الفلسطيني المجنون نضال صاحب الوجه الحليق، ليس أفضل مني، سأفعل ضعف ما فعله".

هناك الكثير من القواسم المشتركة بين روداكوبانا وجيك دافيسون، آخر قاتل جماعي في بريطانيا، وهو مثل روداكوبانا، شُخّص على أنّه مصاب بالتوحّد، ولديه تاريخ من العنف، وقد أُحيل سابقاً إلى برنامج منع العنف، ولم يكن لديه دافع واضح أو توجيه أيدولوجي معروف لتنفيذ أعماله الوحشية. كما أنّه كان يشترك مع روداكوبانا في هوسه بالأسلحة واهتمامه المتعاطف مع مثيلهما من المجرمين. 

ليس من المفاجئ أن يكون القتلة الجماعيون مهووسين بالعنف. ما هو أكثر إزعاجاً هو أنّ العديد من الأشخاص العاديين يبدو أنّهم يشتركون بمستوى ما  في هذا الهوس المقزّز. ومن أفلاطون إلى إدموند بيرك، اعترف الفلاسفة الكلاسيكيون منذ زمن طويل بالجاذبية الغريبة للصور الفظيعة. و"يبدو أنّ أفلاطون يعتبر هذا كأمر مسلّم به أنّ لدى الإنسان شغفاً لرؤية الانحطاط والألم والتشويه"، كما قالت سوزان سونتاغ، التي كتبت مطوّلاً عن هذا الموضوع. "لا يوجد عرض نسعى إليه بشغف كما نسعى إلى مشاهدة عرض بعض الكوارث غير العادية والمروّعة"، كما لاحظ بيرك في كتابه "بحث فلسفي في أصول السامي والجميل"، في العام 1757، وقبل وقت طويل من ظهور الوثائقيات التلفزيونية عن الجرائم الحقيقية.

ولم يكن هذا الأمر أكثر وضوحاً ممّا كان عليه حين كان تنظيم "داعش" ينشر فيديوهات الإعدامات، التي تحظى بشعبية كبيرة بين أنصار الجماعة، ووجدت لها قاعدة جماهيرية مخلصة من بين الذين يصفون أنفسهم بـ"مدمني الموت" والمتصيّدين الذين يتسكّعون على المواقع التي تنشر موادّ صادمة على شبكة الإنترنت. وفي أثناء بحثي في كتاب حول هذا الموضوع، اكتشفت أنّ أولئك الذين يشاهدون مقاطع الفيديو الدموية يفعلون ذلك لأسباب مختلفة، مثل إشباع فضولهم الهوسي بالموت، أو للشعور بعاطفة قوية تجتاحهم، أو لسحق المخاوف الدفينة حول الموت والانتهاك، أو لتعلّم شيء ما عن الزوايا المظلمة في العالم، أو لتحييد مشاعر الرضا عن النفس أو الملل، أو لاختبار شجاعتهم.

ويجد آخرون متعة سادية في رؤية غيرهم يعانون. لم يصف أحد ممّن قابلتهم الأمر بهذه الطريقة تماماً، لكن امرأة أميركية في أوائل العشرينيات من عمرها تحفّظت عن ذكر اسمها قالت: "لطالما كنت مهتمّة بالدماء والأشياء المظلمة وحوادث القتل والموت الفظيع والتعذيب الوحشي. ولا أعتقد أنني أستطيع أن أعطي إجابة حقيقية عن سبب استمتاعي بهذا الأمور سوى أنني أستمتع بها".

لكن، هل من الواجب أن تبقى هذه المواد الفظيعة لتغذية رغبة البعض في مشاهدة الجرائم والوحشية على الإنترنت. قالت الكاتبة سوزان سونتاغ في عام 2004، "دعوا الصور الفظيعة تطاردنا"، معتبرة أنّها تؤدّي وظيفة حيوية في إظهار شرّ "ما يستطيع البشر فعله". 

يصرّ عشّاق أفلام الرعب على أنّ هذا أمر جيّد، وأنّ مقاطع الفيديو الفظيعة هي شكل من أشكال الأخبار الواقعية التي توثّق الجرائم ضد الإنسانية، ويمكن استخدامها لتقديم الجناة إلى العدالة. ولكن حتّى أكثر المعجبين بهذه الأفلام وقاحة يجب أن يعترفوا بأنّ مشاهد قطع الرؤوس هي طريقة غريبة لمواكبة الأخبار. ومن الصعب أن نكون متفائلين تماماً بشأن الحجم الهائل من هذا النوع من الموادّ المتاحة الآن على الإنترنت، والسهولة التي يمكن للكثير من الناس، بمن فيهم الأطفال، الوصول إليها.

إحدى الطرق المؤكّدة التي تعبث بالعقل هي التزييف والخداع وتكريس فكرة أنّ الحياة أكثر عنفاً وجنوناً مما هي عليه في الحقيقة. ويتفاقم هذا الأمر بسبب الطريقة الانتقائية للغاية التي يميل الناس من خلالها إلى مشاهدة ومشاركة الموادّ الوحشية. أمّا بالنسبة لمحبّي أفلام الرعب الذين قابلتهم، فقد اعترف معظمهم بأنّ لديهم نظرة متشائمة، إن لم تكن مظلمة للعالم بعد سنوات من مشاهدة مقاطع الفيديو الوحشية.

فهل عبثت هذه الشرائط المرعبة على الإنترنت بعقل أكسل روداكوبانا مرتكب جريمة ساوثبورت، الإجابة السهلة ولكن غير المقنعة هي أنّها لم تعبث بعقله فحسب، بل دفعته إلى القتل. يستند هذا الافتراض إلى أطروحة حول التأثيرات الخبيثة لوسائل الإعلام العنيفة التي تستحضر بشكل طقسي كلّما ارتكب شخص مضطرب فعل عنف مروّعاً يتحدّى المنطق والفهم. ومع ذلك، فإنّ المشكلة الرئيسية في هذا التفسير هي أنّ أعداداً هائلة من الناس يشاهدون الفيديوهات العنيفة، في حين أنّ عدداً قليلاً فقط يقوم بممارستها أو فعلها.

والسيناريو الأكثر ترجيحاً هو أنّ عقل روداكوبانا كان مشوّهاً بالفعل بشكل عميق منذ البداية، وأن تشوّهه الأخلاقي الموجود مسبقاً هو الذي حرّك اهتمامه بالقتل الجماعي. ربّما كان استنشاقه للمادة المظلمة على الإنترنت لفترة من الوقت يعطيه نوعاً من التنفيس في تنفيذ رغباته السادية. وهذا تفسير أقلّ منطقية لأنّه يشير إلى أنّ فرض الرقابة على المعلومات حول الفظائع أو حظر الصور أو مقاطع الفيديو المنتشرة، كما تدعو الحكومة الآن في أعقاب إدانة روداكوبانا، لم يكن ليوقف روداكوبانا على الأرجح. فمن المحتمل أنّه كان سيجد على الأرجح منافذ أخرى لإشباع نزواته المنحرفة بعد أن أغرته أفكار الموت والقدرة على القتل.

نقله إلى العربية: حسين قطايا