"آبل" تضحي بخصوصية المستخدمين
"آبل" توقف ميزة "حماية البيانات المتقدمة Advanced Data Protection" في بريطانيا، فما هي هذه الميزة؟ ولماذا تم تعطيلها؟ وكيف سيؤثر القرار على خصوصية المستخدمين؟
-
"آبل" تزيل أداة حماية البيانات المتقدمة في مواجهة طلب حكومة المملكة المتحدة
في خبر تقني مثير للجدل قادم من المملكة المتحدة، أعلنت شركة "آبل" عن قرارها بإيقاف ميزة حماية البيانات المتقدمة (ADP) على خدمة التخزين السحابي (iCloud) في بريطانيا، وذلك اعتباراً من 21 شباط/فبراير 2025. هذا القرار، الذي أثار استياء الكثير من المستخدمين وخبراء الخصوصية، جاء نتيجة ضغوط من الحكومة البريطانية التي طالبت الشركة بتوفير "Back Door" للوصول إلى بيانات المستخدمين، وهو ما رفضته "آبل" بشكل مباشر، مفضلة تعطيل الميزة بدلاً من الخضوع للطلب. فما هي هذه الميزة؟ ولماذا تم تعطيلها؟ وكيف سيؤثر القرار على خصوصية المستخدمين؟
ما هي ميزة حماية البيانات المتقدمة (ADP)؟
عندما نتحدث عن استخدام الهواتف الذكية، سواء كانت تعمل بنظام iOS من "آبل" أو "أندرويد" من "غوغل"، فإن معظم المستخدمين يعتمدون على خدمات التخزين السحابي للاحتفاظ بنسخ احتياطية من بياناتهم. بالنسبة لمستخدمي أجهزة "آيفون"، يتم تخزين الصور، الرسائل النصية، الملاحظات، التسجيلات الصوتية، وحتى بيانات المحفظة الإلكترونية على خدمة iCloud. أما بالنسبة لأجهزة "أندرويد"، فإن خدمات مثل " Google Cloud" أو " Samsung Cloud" تقوم بالمهمة ذاتها. لكن المشكلة تكمن في أن هذه البيانات، في صورتها التقليدية، تكون متاحة للشركات المشغلة للخدمة، مما يعني أن "آبل" أو "غوغل" أو غيرها يمكنها الوصول إلى محتوياتك، بل وحتى تسليمها إلى الجهات الحكومية بناءً على طلب رسمي، أو استخدامها لأغراض أخرى مثل تدريب تقنيات الذكاء الاصطناعي.
في عام 2022، اتخذت "آبل" خطوة استباقية لتعزيز الخصوصية عبر إطلاق ميزة "حماية البيانات المتقدمة"، وهي خاصية تعتمد على تقنية التشفير التام من طرف إلى طرف (End-to-End Encryption - E2EE). بمعنى آخر، يتم تشفير بياناتك على iCloud بشكل كامل بحيث لا يستطيع أحد، بما في ذلك "آبل" نفسها، فك تشفيرها أو الوصول إلى محتواها إلا صاحب الجهاز. كانت هذه الخطوة بمثابة قفزة نوعية في مسيرة "آبل" نحو تعزيز الأمان والخصوصية، مما جعلها تكتسب ثقة المستخدمين الذين يبحثون عن حماية أكبر لبياناتهم الشخصية.
لماذا تم تعطيل الميزة في بريطانيا؟
القصة بدأت عندما نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريراً في شباط/ فبراير 2025 يكشف عن مراسلات بين مكتب وزير الداخلية البريطاني وشركة "آبل". الحكومة البريطانية طالبت الشركة بتوفير ما يُعرف بـ "الباب الخلفي (Backdoor)"، وهو وسيلة تتيح للسلطات الاطلاع على محتويات جميع حسابات iCloud حول العالم، وليس فقط في بريطانيا، وكان الهدف من هذا الطلب منح الحكومة القدرة على مراقبة أي حساب تراه ضرورياً لأغراض أمنية، وهو مطلب أثار مخاوف واسعة بين المدافعين عن الخصوصية.
رفضت "آبل" هذا الطلب بشكل قاطع، معتبرة أن إنشاء "باب خلفي" يعرض خصوصية جميع مستخدميها للخطر، لأنه قد يتم استغلاله من قبل جهات أخرى، بما في ذلك الحكومات أو "الهاكرز"، لكن بدلاً من الدخول في معركة قانونية طويلة الأمد مع الحكومة البريطانية، اختارت "آبل" حلاً بديلاً يتمثل بتعطيل ميزة "حماية البيانات المتقدمة" في بريطانيا بالكامل. وهكذا، اعتباراً من 21 شباط/ فبراير 2025، لن يتمكن المستخدمون الجدد في بريطانيا من تفعيل هذه الميزة، بينما طُلب من المستخدمين الحاليين الذين يستخدمونها إلغاء تفعيلها إذا أرادوا الاستمرار في استخدام خدمة التخزين السحابي.
وقالت شركة "آبل" في بيان: "نشعر بخيبة أمل شديدة لأن الحماية التي توفرها ADP لن تكون متاحة لعملائنا في المملكة المتحدة نظراً للارتفاع المستمر في خروقات البيانات والتهديدات الأخرى لخصوصية العملاء". "تحمي ADP بيانات iCloud بالتشفير E2EE، مما يعني أنه لا يمكن فك تشفير البيانات إلا بواسطة المستخدم الذي يمتلكها، وعلى أجهزتهم الموثوقة فقط".
لماذا يعتبر هذا القرار سيئاً؟
القرار الذي اتخذته "آبل" يثير تساؤلات جوهرية حول التزام الشركة بحماية خصوصية مستخدميها، فبدلاً من الدفاع عن مبادئها والدخول في مواجهة قانونية للحفاظ على التشفير التام، اختارت "آبل" التضحية بخصوصية مستخدميها في بريطانيا كحل وسط. الآن، أصبحت بيانات أي مستخدم بريطاني على iCloud عرضة للوصول من قبل "آبل"، وبالتالي يمكن للحكومة البريطانية الحصول عليها بسهولة من خلال طلب رسمي، وهذا يعني أن الصور الشخصية، الرسائل، والملفات الحساسة لن تكون محمية بنفس المستوى الذي كانت عليه سابقاً.
قبل هذا القرار، كانت "آبل" ترد على طلبات الحكومة للوصول إلى حسابات محمية بميزة التشفير التام بالقول إنها غير قادرة تقنياً على تقديم البيانات لأنها ببساطة لا تملك مفتاح التشفير. أما الآن، وبعد تعطيل الميزة، أصبحت الشركة قادرة على الوصول إلى محتوى iCloud لمستخدميها في بريطانيا، مما يجعلها ملزمة قانونياً بتسليم البيانات إذا تلقت أمراً رسمياً، وهذا التحول يضع المستخدمين في موقف ضعيف، حيث أصبحت بياناتهم عرضة للتجسس الحكومي دون وجود حاجز تقني يحميهم.
مخاوف أوسع نطاقاً!
هذا القرار لا يقتصر تأثيره على بريطانيا فقط، بل يفتح الباب أمام تساؤلات حول مستقبل الخصوصية الرقمية عالمياً، فطلب الحكومة البريطانية الأصلي للوصول إلى جميع حسابات iCloud في العالم يشير إلى نية لتوسيع نطاق المراقبة، مما قد يشجع حكومات أخرى على تقديم مطالب مماثلة. من ناحية أخرى، رد فعل "آبل" بإلغاء الميزة بدلاً من مواجهة الضغوط يثير قلقاً حول مدى استعداد الشركات التقنية للتنازل عن مبادئها تحت الضغط الحكومي.
في النهاية، يبقى هذا القرار بمثابة تذكير قاسٍ بأن التوازن بين الأمان القومي والخصوصية الفردية لا يزال معركة مستمرة، وأن المستخدمين قد يجدون أنفسهم في النهاية هم الخاسرون الأكبر.