النفاق الأميركي تجاه فلسطين بين الفيتو والكلام.. "إسرائيل" المستفيد الأكبر
بينما تعلن الولايات المتحدة رفضها لضمّ "إسرائيل" للضفة الغربية، تواصل الأخيرة توسيع المستوطنات وفرض سيطرتها على الأرض بدعمٍ سياسي ودبلوماسي أميركي يمنحها غطاءً كاملاً للاحتلال.
-
استخدام الولايات المتحدة لحق النقض (الفيتو) في مقر الأمم المتحدة بنيويورك 18 أيلول/سبتمبر 2025 (الأناضول)
بينما تعلن الولايات المتحدة عن رفضها لضمّ "إسرائيل" للضفة الغربية المحتلة، يواجه الفلسطينيون واقعاً ميدانياً مغايراً تماماً.
على الأرض، تتسارع "إسرائيل" في توسيع المستوطنات وتسليح المستوطنين وهدم أكبر عدد من منازل الفلسطينيين، بينما يقدّم المجتمع الدولي، وخصوصاً واشنطن، تصريحاتٍ رسمية عن "خطوط حمراء" لا تُترجم إلى أفعالٍ ملموسة. هذا التناقض بين الكلام والفيتو الأميركي يكشف عن نفاقٍ استراتيجي يترك الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة في مواجهة الاحتلال وحدهم.
تصريحات ضدّ الضم وغياب التنفيذ
في 25 أيلول/سبتمبر 2025، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب: "لن أسمح لإسرائيل أن تضمّ الضفة الغربية".
وفي 23 تشرين الأول/أكتوبر 2025، صرّح ترامب لمجلّة تايم الأميركية قائلاً: "ضمّ الضفة الغربية لن يحدث لأنني وعدتُ الدول العربية بعدم حدوثه".
تتوالى تصريحات الإدارة الأميركية حول رفضها لضمّ الضفة، لكنها تبقى كلاماً بلا أدواتٍ واضحةٍ للتنفيذ. في الوقت نفسه، تستمر "إسرائيل" في مشاريع الاستيطان وفرض سيطرتها على الأرض، ما يجعل تصريحات واشنطن مجرّد تغطيةٍ إعلاميةٍ لصالح "إسرائيل"، دون أيّ حمايةٍ فعليةٍ للفلسطينيين.
النوايا الأميركية المعلنة والمضمَرة: تلميحات وتناقضات حول الضفة الغربية
رغم الخطاب الرسمي الأميركي الرافض لضمّ الضفة الغربية، يُظهر سجلّ إدارة ترامب والمواقف الدبلوماسية الأميركية في "تل أبيب" تناقضاتٍ واضحةً بين الكلام والسياسات الفعلية على الأرض.
في كانون الثاني/يناير 2020، أعلنت إدارة ترامب خطة السلام المعروفة بـ"صفقة القرن"، والتي لم تمنع ضمّ "إسرائيل" للمستوطنات في الضفة الغربية، بل تركت المجال مفتوحاً لتوسيع السيطرة الإسرائيلية ضمن إطار صفقةٍ شاملة، وهو ما اعتُبر دعماً ضمنياً للتوسّع التدريجي.
في 4 شباط/فبراير 2025، تحدّث ترامب عن صِغَر مساحة "إسرائيل"، وقال: "مساحة إسرائيل صغيرة جداً.. ولطالما فكّرتُ كيف يمكن توسيعها"، وأجاب بطريقةٍ غامضة عندما سُئل عن ضمّ الضفة الغربية، موضحاً أنّ إسرائيل "تمثّل مساحة صغيرة على الخريطة"، في إشارةٍ ضمنيةٍ إلى إمكانية توسيع الدولة الإسرائيلية جغرافياً.
هذا الميل للتوسّع يتعزّز بخطاب ترامب أمام الكنيست في 13 تشرين الأول/أكتوبر 2025، حيث قال:
"Let’s rebuild Israel, and make it stronger, and bigger and better than it’s ever been before".
كلمة "bigger" هنا تُعتبر تلميحاً واضحاً لدعم المشاريع التوسّعية لإسرائيل، ما ينسجم مع تصريحاته السابقة حول "إسرائيل الصغيرة"، ويمنح إسرائيل غطاءً سياسياً ضمنياً لتوسيع السيطرة على الأرض الفلسطينية دون التطرّق مباشرةً لمسألة الضم.
هذا التناقض بين الخطاب العلني وسلوك الإدارة الأميركية يتعزّز أيضاً من خلال تصريحات السفير الأميركي في "إسرائيل"، مايك هاكابي، في آب/أغسطس 2025، حيث أكّد أن الولايات المتحدة لم تطلب من "إسرائيل" التراجع عن فرض سيادتها في الضفة الغربية المحتلّة، وأن واشنطن لن تملي على الحكومة الإسرائيلية ما يجب أن تفعله في هذا الصدد.
وأشارت شبكة "إن بي سي" إلى أن هاكابي عبّر عن "التفاني تجاه إسرائيل والقناعة بأداء عملٍ إلهيّ في الأرض المقدّسة"، وسبق له التأكيد على أن "لا يوجد شيء اسمه الضفة الغربية"، داعماً بذلك السياساتَ التوسّعية لحكومة نتنياهو وشرعنةَ الاحتلال عملياً.
هذا التناقض بين الخطاب الأميركي الرسمي حول رفض الضم، وتصريحات المسؤولين الأميركيين التي تمنح "إسرائيل" غطاءً عملياً لتوسيع السيطرة، يشير إلى أن موقف ترامب العلني قد يكون تكتيكياً لتأمين استمرار الاتفاقيات الإبراهيمية، بما في ذلك توسيع مظلتها لتشمل السعودية ودولاً إسلامية أخرى، من دون أيّ تقدّمٍ ملموس في حقوق الفلسطينيين، مع إبقاء السيطرة الإسرائيلية على الأرض الفلسطينية مستمرّة.
سجلّ الفيتو الأميركي: حماية "إسرائيل" ومنع الفلسطينيين
أصبح الفيتو الأميركي في مجلس الأمن أداةً ثابتةً لعرقلة أيّ دعمٍ للفلسطينيين:
- نيسان/أبريل 2024: فيتو ضدّ مشروع قرار لقبول فلسطين كدولةٍ عضوٍ كاملٍ في الأمم المتحدة.
- حزيران/يونيو 2025: فيتو ضدّ مشروع قرارٍ لوقف العدوان وفرض هدنةٍ دائمةٍ في غزة.
- في السنوات الماضية، استخدم الفيتو مراراً لمنع قراراتٍ تُدين الاستيطان الإسرائيلي، ما أضعف القدرة الدولية على حماية الأراضي الفلسطينية وإنهاء الاحتلال.
الواقع الميداني للفلسطينيين في الضفة المحتلة
يعيش الفلسطينيون في الضفة الغربية تحت ضغوطٍ يومية متصاعدة:
-توسّعٌ مستمرّ للمستوطنات، مصحوبٌ بتسلّح المستوطنين واعتداءاتٍ متكرّرة.
-محدودية الحركة، هدم للمنازل، اعتقالات يومية بالعشرات، إلى جانب حصارٍ اقتصادي وتهديدٍ للمزارع والمصادر الاقتصادية.
-غياب لأيّ آليةٍ دوليةٍ قادرة على فرض حمايةٍ أو وقف التمدّد الاستيطاني، بسبب الفيتو الأميركي والكلام الرنان عن "الخطوط الحمراء".
من المستفيد؟ "إسرائيل" فقط
التناقض الأميركي يخدم "إسرائيل" بشكلٍ مباشر:
- تصريح ضد الضم يعطيها غطاء سياسي، بينما الفيتو يحميها دبلوماسياً.
- استمرار السيطرة على الأرض، وتوسيع المستوطنات، وتحجيم أي خطوة فلسطينية نحو الدولة.
- الفلسطينيون يُتركون وحدهم، بدون حماية فعلية أو آليات تنفيذية.
علاقة المماطلة الأميركية بالتطبيع العربي والإسلامي:
المماطلة في إقامة الدولة الفلسطينية ليست تسويفاً سياسياً فحسب، بل جزءٌ من استراتيجيةٍ لإعادة تشكيل المنطقة عبر بوابة التطبيع.
التطبيع بديلاً عن الحل:
توظّف الولايات المتحدة المخاوف من إيران والفوضى الإقليمية لتبرير التحالف مع "إسرائيل" بوصفه ضرورةً أمنية، وتحويل الأنظار بعيداً عن القضية الفلسطينية.
شرعنة الاحتلال تدريجياً:
كلّ اتفاق تطبيعٍ جديدٍ أو قديمٍ من دون شرطٍ بإنهاء الاحتلال يُعَدّ قبولاً ضمنياً بسيطرة "إسرائيل" على الأراضي المحتلّة، ويُضعف الموقف الفلسطيني سياسياً ومعنوي
1. التطبيع كبديل عن الحل: حين يغيب أفق الدولة الفلسطينية، يُقدَّم التطبيع على أنه " طريق السلام الواقعي"، وتُدفَع الدول العربية والإسلامية إلى إقامة علاقات مع " إسرائيل " قبل تحقيق أي إنجاز سياسي للفلسطينيين.
2. خطاب " المخاوف الإقليمية" واستغلاله: الولايات المتحدة تستثمر في الخوف من إيران والفوضى الإقليمية لتبرير التحالف مع إسرائيل باعتباره ضرورة أمنية، وتحويل الأنظار بعيداً عن القضية الفلسطينية.
3.شرعنة الاحتلال تدريجياً: كلّ اتفاق تطبيعٍ جديدٍ أو قديمٍ من دون شرطٍ بإنهاء الاحتلال يُعَدّ قبولاً ضمنياً بسيطرة "إسرائيل" على الأراضي المحتلّة، ويُضعف الموقف الفلسطيني سياسياً ومعنوياً.
خاتمة: التناقض الأميركي ونتيجته العملية
من جهةٍ، تُعلن واشنطن أنها "لن تسمح" بضمّ الضفة الغربية، ومن جهةٍ أخرى تستخدم أدواتها السياسية (الفيتو والحماية الدبلوماسية) لحماية "إسرائيل" من أيّ مساءلةٍ دولية.
النتيجة واضحة:
"إسرائيل" تكسب فهي توسّع المستوطنات، وتعزّز السيطرة على الضفة، وتحصل على أقصى ما يمكن من دعم أميركي، بينما يُحجب على الفلسطينيين أيّ إطارٍ دولي فعّالٍ لتحقيق دولتهم أو إنهاء الاحتلال.
الواقع الميداني يشير إلى أن الضمّ يحدث فعلياً عبر السيطرة الميدانية وتوسّع المستوطنات. وبذلك، فإن "إسرائيل" هي المستفيد الوحيد من هذا النفاق لديها مظلة أميركية ترفض الضم لفظاً، لكنها تغطيه عملياً.
أمّا الفلسطينيون، فيعيشون بين خطابٍ أميركيٍّ يبدو داعماً وواقعٍ ميدانيٍّ متدهور، حيث يُترجم الكلام إلى غطاءٍ لإسرائيل، ويُمنع أيّ تحرّكٍ فعليٍّ يدعم حقوقهم أو قيام دولتهم.
النفاق الأميركي بين الفيتو والتصريحات الرسمية يجعل "إسرائيل" المستفيد الأكبر، ويؤكّد أن ما يحدث على الأرض لا يُمكن حله إلا عبر تغيير السياسة الأميركية من مجرد تصريحات إلى إجراءات حقيقية وملموسة تدعم العدالة الفلسطينية.