الاعتداء الجنسي والجسدي والنفسي.. سياسة إسرائيلية ممنهجة ضدّ الأسرى

بين الضرب المبرح، الصدمات الكهربائية، الحرمان من العلاج، التفتيش العاري والاعتداءات الجنسية الممنهجة، يعيش الأسرى الفلسطينيون ظروفاً تستدعي وصف ما يتعرّضون له بـ"الإبادة النفسية والجسدية المنظمة".

  • كشفت تقارير حقوقية فلسطينية ودولية، عن نمط واسع من الانتهاكات داخل سجون الاحتلال، خصوصاً في معتقل
    كشفت تقارير حقوقية فلسطينية ودولية عن نمط واسع من الانتهاكات داخل سجون الاحتلال، خصوصاً في معتقل "سدي تيمان"، الذي أصبح يُشار إليه إعلامياً باسم "غوانتانامو إسرائيل"

منذ احتلال فلسطين عام 1948، ظلّت السجون الإسرائيلية مسرحاً لانتهاكات جسيمة، حيث يمارس الاحتلال وسائل التعذيب النفسي والجسدي والجنسي، ضمن سياسات ممنهجة، هدفها كسر إرادة الأسرى الفلسطينيين، البالغ عددهم أكثر من 10,400، بينهم 440 طفلاً و49 امرأةً، بحسب بيانات المؤسسات الفلسطينية، علماً بأنّ هذا الرقم لا يشمل المخفيين قسراً.

حتى اليوم، كشفت تقارير حقوقية فلسطينية ودولية عن نمط واسع من الانتهاكات داخل سجون الاحتلال، خصوصاً في معتقل "سدي تيمان"، الذي أصبح يُشار إليه إعلامياً باسم "غوانتانامو إسرائيل". بين الضرب المبرح، الصدمات الكهربائية، الحرمان من العلاج، التفتيش العاري والاعتداءات الجنسية الممنهجة، يعيش الأسرى الفلسطينيون ظروفاً تستدعي وصف ما يتعرّضون له بـ"الإبادة النفسية والجسدية المنظمة".

في آب/أغسطس 2024، تم تسريب فيديو من معتقل "سدي تيمان"، يظهر جنوداً إسرائيليين وهم يعتدون جنسياً على أسير فلسطيني. أثار الفيديو صدمةً حقوقيةً دولية، وأظهر أنّ هذه الانتهاكات ليست حوادث فردية، بل جزءاً من سياسة ممنهجة داخل المعتقلات، مدفوعة بالتعليمات الأمنية والسياسية. كما كشفت التحقيقات والشهادات عن حالات متعددة تتراوح بين اغتصاب جماعي، ضرب متواصل، تجريد من الملابس، تصوير الاعتداءات ونشرها.

انتهاكات ممنهجة

مديرة المركز الفلسطيني للدفاع عن الأسرى، لينا الطويل، أكدت في مقابلة مع الميادين نت وجود شهادات، توضح حجم المعاناة في سجون الاحتلال وتكشف استراتيجيته الممنهجة للاعتداء على الأسرى. وأكدت الطويل أنّ هذه الشهادات الموثّقة، التي يمتلكها المركز، تثبت قيام الاحتلال بعمليات اغتصاب وتحريض في "سدي تيمان" وسجون أخرى، وهي انتهاكات "لا ترتبط بحوادث فردية، بل تُمارس ضمن منهجية واضحة".

المركز حصل على شهادات مباشرة من الأسرى المحررين أنفسهم، أو من زملائهم الذين شهدوا استشهاد البعض نتيجة التعذيب المميت الذي يمارسه الاحتلال. ولدى سؤال الطويل عن أي تحقيقات أو محاكمات ضدّ المسؤولين الإسرائيليين، أجابت بنفي حصولها، مضيفةً: "في ظل النظر إلى النفي والمزاعم الإسرائيلية بأنّ الرواية الفلسطينية غير صحيحة، فإنّه من المستحيل أن تقوم سلطات الاحتلال بأي نوع من هذه التحقيقات أو المحاكمات. على العكس، نرى احتفاءً إسرائيلياً بالمتّهمين والمتورطين في هذه الاعتداءات".

والتعذيب في السجون الإسرائيلية سياسة واضحة، "توثّقها تصريحات المسؤولين الإسرائيليين أنفسهم، الذين يزورون السجون ويصدرون تعليمات مشددة"، كما تابعت الطويل. وأوضحت الطويل أنّ هذا يرسّخ فكرة أنّ الممارسات ضد الأسرى الفلسطينيين "ليست فرديةً، بل رسميةً وممنهجة".

تشمل أساليب التعذيب، وفقاً للشهادات، الاعتداءات الجنسية، الاغتصاب، التحرش النفسي والجسدي، التفتيش العاري والإذلال القسري والعزل الانفرادي، كأداة لإرهاب الأسرى وكسر إرادتهم. وفي هذا الشأن، أكدت الطويل أنّ "العزلة الانفرادية هي من أسوأ العقوبات التي يتعرّض لها الأسير، لما تحمله من تأثيرات نفسية بالغة، تستمر آثارها لشهور وأعوام.. الاحتلال يتعمّد من خلال هذه العقوبة إفراغ الأسير من كينونته الإنسانية".

والانتهاكات لا تقتصر على الأسرى الرجال؛ الأسيرات والأطفال كانوا هدفاً لسياسات الاحتلال هذه. تعمّد الاحتلال التضييق على الأسيرات مع مراقبة دائمة عليهنّ عبر الكاميرات، واقتحام الغرف من قبل ضباط وجنود ذكور، إضافةً إلى استغلاله الأطفال لإجبارهم على اعترافات باطلة تحت التهديد الجنسي والأخلاقي.

اختبار للبقاء والإرادة الإنسانية

القصص الشخصية للأسرى المحررين تكشف حقيقة ما يحدث داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، بعيداً من الأرقام الرسمية أو البيانات المعلنة. كل شهادة تمثّل نافذةً على معاناة مستمرة، انتهاك ممنهج وإذلال لا يطاق، حيث يتقاطع التعذيب البدني مع الضغط النفسي والتهديدات الجنسية، لتصبح حياة الأسرى اليومية اختباراً للبقاء والإرادة الإنسانية.

يروي نهاد (اسم مستعار)، وهو أسير محرر، تفاصيل معاناته في معتقل "سدي تيمان". تعرّض للضرب المستمر، التعرية التامة بعد التقييد، وخلع أظافره بأداة حادة. الأفظع كان استخدام كلب بوليسي مدرّب لتنفيذ اعتداء جنسي عليه، بينما السجّانون يضحكون ويهتفون. لم تقتصر المعاناة على الاعتداء البدني، بل طالت الضغط النفسي اليومي، بما في ذلك تهديده بقتل أهله وقصف منزله، مع حرمان من النوم، انتشار الحشرات وغياب أي رعاية صحية.

خالد بركات، وهو أسير محرر آخر، قضى 130 يوماً معصوب العينين ومقيّد اليدين والقدمين. تعرّض لهجمات يومية من الكلاب البوليسية، صعقات كهربائية وضرب مستمر في أثناء النقل بين السجون. لم يعرضه الاحتلال على طبيب طوال فترة الأسر، وحرمه زيارات الصليب الأحمر والمحامين.

الكوادر الطبية لم تسلم من الانتهاكات. الطبيب محمد جمال طافش، الذي اعتُقل في أثناء أداء واجبه الإنساني في مجمع الشفاء الطبي، يروي كيف جرّده الاحتلال من ملابسه بالكامل، وضربه وأذلّه خلال النقل بين السجون.

الاحتلال يوسّع دائرة الانتهاكات 

وثّق المركز الفلسطيني للدفاع عن الأسرى اعتداءات متكررة نفّذها الاحتلال على النساء أيضاً: عنف لفظي، تهديدات اغتصاب، تفتيش مهين، حرمان من احتياجات الحيض ومصادرة الممتلكات. الأطفال كانوا كذلك هدفاً للاستغلال الجنسي والنفسي، وشمل ذلك إجبارهم على الإدلاء باعترافات تحت تهديدات جنسية.

لدى سؤالها عن مدى انتشار التعذيب الجسدي والجنسي والنفسي في السجون الإسرائيلية، أكدت الطويل للميادين نت أنّ المستوى الذي بلغه الاحتلال في استخدام التعذيب ضدّ الأسرى الفلسطينيين غير مسبوق خلال العامين الأخيرين". وأضافت: "نتابع التصريحات الإسرائيلية والزيارات الميدانية لكبار المسؤولين، التي تعطي تعليمات لتشديد ظروف الاعتقال، في إشارة واضحة لقوننة عمليات التعذيب".

الآثار النفسية والجسدية بعد الخروج من الأسر

الآثار المترتبة عن التعذيب النفسي والجسدي الذي يمارسه الاحتلال على الأسرى لا تتوقف عند أبواب السجون. وفي هذا الإطار، أكدت الطويل للميادين نت أنّ "الآثار الجسدية التي يعانيها الأسرى بعد التحرر قد تمتد لفترات طويلة، وربما حتى آخر العمر.. العديد منهم تعرّض لبتر أطراف، إصابات في العمود الفقري وأمراض مزمنة نتيجة الإهمال الطبي والضرب المستمر".

‏أما التأثير النفسي فيشمل الانعزال، الانطوائية، الميل إلى التمرد على الواقع وصعوبة الاندماج الاجتماعي، بينما يحتاج البعض إلى دعم طويل الأمد لمواجهة آثار التعذيب. و"ليس من السهل على من أسره الاحتلال واعتقله أن يتجاوز آثار هذا الاعتقال على الصعيد العائلي والاجتماعي. صحيح أنّ البعض يستطيع التغلب عليها بعد مدة، لكنّ شريحةً كبيرةً تبقى بحاجة لاحتضان اجتماعي"، كما أوضحت الطويل.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.

اخترنا لك