الصين تتفوق على أميركا: كيف سيطرت بكين على الاقتصاد العالمي؟

تتقدم الصين بسرعة كبيرة على الولايات المتحدة في مجالات التصنيع، والابتكار، والقدرات العسكرية، وفقًا لتقارير ومؤشرات دولية. هذا التقرير يرصد بالأرقام كيف نجحت الصين في تجاوز واشنطن اقتصادياً وعسكرياً، وانعكاسات ذلك على المستقبل العالمي.

  • بكين على عرش التصنيع العالمي.. بالأرقام: كيف تتفوّق الصين على الولايات المتحدة؟
    بكين على عرش التصنيع العالمي.. بالأرقام: كيف تتفوّق الصين على الولايات المتحدة؟

أثارت الحروب الجمركيّة التي يقودها الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع دول العالم تساؤلات متجددة حول التفوّق الاقتصادي والعسكري بين الصين والولايات المتحدة. فهل تتفوّق الصين بالفعل على واشنطن، وما هي الحقائق والأرقام التي تؤكد ذلك؟

على الرغم من هيمنة الولايات المتحدة اقتصادياً وجيوسياسياً لعقود، فإن الواقع الحالي يشير إلى تغيّر واضح لصالح الصين، خاصة في قطاعات التصنيع والتكنولوجيا والقدرات العسكرية، وفقاً لتقارير ومؤشرات دولية.

أميركا ووهم التفوّق على الصين

على مدى السنوات الطويلة الماضية، ساد، بما يُشبه الإجماع بين السياسيين الأميركيين، أنّ الصين، التي تشيخ وتتراجع وتُصبح أقلّ مرونة، لن تتفوّق على الولايات المتحدة الصاعدة، وبالتالي فإنّ ثقة أميركا الزائدة بنفسها إلى حدّ الإفراط، جعلها تُقلّل من شأن القوّة الكامنة والفعليّة للمنافس الوحيد (أي بكين) خلال قرن، والذي تجاوز ناتجه المحليّ الإجماليّ 70% من ناتج الولايات المتحدة، بحسب دوريّة "فورين أفيرز".

لا شكّ أنّ الصين تُواجه مشكلات عدة منها؛ مجتمعٌ مُسنّ، وديونٌ، ومخاطر متزايدة في سوق الإسكان، وارتفاعٌ في بطالة الشباب، وحملاتٌ قمعيّةٌ على القطاع الخاص. لكن حتّى التحدّيات الاقتصاديّة لا تُترجم بوضوحٍ إلى عوائق استراتيجيّة. إذ إنّ هناك حقيقتين يمكن أن تحدثا في آنٍ واحد: فالصين قد تزداد قوّةً استراتيجيّاً، من خلال معالجة التحدّيات الاقتصاديّة بالعودة إلى اتخاذ قراراتٍ حكيمةٍ في السنوات القادمة.

أكثر من ذلك، تكشف المؤشّرات بشكل حاسم، أنّ الصين تفوّقت بالفعل على الولايات المتحدة. ففي حين تفتخر بكين اقتصاديّاً ببلوغها ضعف القدرة التصنيعيّة لواشنطن، فإنّها واقعاً تُهيمن تقنيّاً على كلّ شيء، بدءاً من المركبات الكهربائيّة، وصولاً إلى مفاعلات الجيل الرابع النوويّة. كما تُنتج الآن براءات اختراع أكثر نشاطاً ومنشورات علميّة يُستشهد بها سنويّاً.

أمّا على الصعيد العسكري، فتمتلك الصين أكبر أسطول بحري في العالم، مدعوماً بقدرة بناء سفن تفوق الولايات المتحدة بمئتي ضعف، إضافة إلى مخزونات صواريخ أكبر بأضعاف، مع قدرات تقنيّة عالية وأكثر تطوّراً على مستوى الدول – وكلّها نتائج أسرع تحديث عسكري في التاريخ. وحتّى لو تباطأ نموّ الصين وتعثّر نظامها، ستظلّ قوّة هائلة استراتيجيّاً.

ليس هذا فحسب، فإذا أخذنا القوّة الشرائيّة والأسعار المحليّة بعين الاعتبار باستخدام منهجيّة البنك الدولي – رغم كونها غير مثاليّة – يتّضح لنا أنّ اقتصاد الصين قد تجاوز اقتصاد الولايات المتحدة منذ نحو عقد من الزمن، وهو الآن أكبر بنسبة 25%: نحو 30 تريليون دولار مقارنة بـ24 تريليون دولار للولايات المتحدة.

اقرأ أيضاً: الصين تكسب الجنوب العالمي

بالأرقام: تفوّق الصين على أميركا

تفوق القدرة الإنتاجيّة للصين مثيلتها في الولايات المتحدة بثلاثة أضعاف – وهي ميزة حاسمة في المنافسة العسكريّة والتكنولوجيّة – وتتجاوز قدرة الدول التسع التالية مجتمعة (اليابان، المكسيك، إيطاليا، البرازيل، كوريا الجنوبيّة، الهند، روسيا، أميركا، وألمانيا).

ووفقاً لشبكة تلفزيون الصين الدوليّة، تضاعفت حصة بكين من التصنيع العالمي خلال العقدين اللذين أعقبا انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالميّة، خمس مرّات لتصل إلى 30%، بينما انخفضت حصة الولايات المتحدة إلى النصف لتصل إلى نحو 15%. ولذلك، قدّرت الأمم المتحدة أنّه بحلول عام 2030، سيتّسع هذا التفاوت ليصل إلى 45% لصالح بكين، مقابل 11% لواشنطن.

علاوة على ذلك، تتصدّر الصين العديد من الصناعات التقليديّة – إذ وفقاً لموقع tradingeconomics تنتج 20 ضعفاً من الأسمنت، و13 ضعفاً من الصلب، وثلاثة أضعاف من السيارات، وضعف الطاقة التي تنتجها الولايات المتحدة – وتتزايد صدارتها أيضاً في القطاعات المتقدّمة.

خطط صينيّة طموحة لتقليص نقاط القوّة الأميركيّة

على الرغم من أنّ الصين لا تزال تُحاول اللحاق بركب التقدّم في مجالات مثل التكنولوجيا الحيويّة والطيران، وهي قطاعات تُعدّ تقليديّاً من نقاط القوّة الأميركيّة، فإنّها – بفضل سياسات صناعيّة طموحة مثل مبادرة "صُنع في الصين 2025" – أنتجت ما يقرب من نصف المواد الكيميائيّة في العالم، ونصف السفن العالميّة، وأكثر من ثلثي السيارات الكهربائيّة، وما يفوق ثلاثة أرباع البطاريّات الكهربائيّة، و80% من الطائرات المسيّرة الاستهلاكيّة، و90% من الألواح الشمسيّة والمعادن الأرضيّة النادرة المكرّرة ذات الأهميّة الاستراتيجيّة.

إلى جانب ذلك، تتّخذ بكين خطوات تضمن من خلالها استمرار هذا التفوّق وتوسّعه، خصوصاً في مجالات الروبوتات الصناعية والتكنولوجيا النووية.

اقرأ أيضاً: متقدمةً على الولايات المتحدة.. الصين هي القوة الدبلوماسية الأولى في العالم

الصين على مشارف الريادة الابتكاريّة في العالم

يميل المراقبون الأميركيون إلى التقليل من شأن قدرة الصين على الابتكار، لكنّ حجم الاستثمارات الصينيّة في مجال العلوم بات يُضاهي الولايات المتحدة. كما توفر الكثافة السكانية الصينية الكبيرة مواهب بشرية وقدرة تنافسية عالية، ما يجعل الصين على مشارف الريادة الابتكارية في 6 من أصل 10 قطاعات صناعية مستقبلية.

المنافسة العسكريّة: الصين تقترب من التفوّق الكامل

تتمتع الصين بأكبر أسطول بحري في العالم، مع قدرات تقنية متقدمة في صناعة السفن والصواريخ، إضافة إلى تقدم واضح في تقنيات الطيران والصواريخ الفرط صوتية. هذه القوة العسكرية الهائلة من المتوقع أن تزداد خلال السنوات المقبلة.

في المحصلة

إذا استمرّت الولايات المتحدة في مسارها الحالي بقيادة ترامب، فقد تجد نفسها أمام قوة عظمى غير مسبوقة هي الصين، وستشهد عالماً تكون فيه بكين الطرف الأكثر نفوذاً وتأثيراً اقتصادياً وعسكرياً.

اخترنا لك