الكاريبي على حافة الحرب: فنزويلا تتجهّز لعدوان أميركي محتمل

الولايات المتحدة الأميركية تتذرع بحجج واهية تحت عنوان مكافحة المخدرات لإشعال فتيل الحرب في البحر الكاريبي.

  • تُظهر الصورة لقطتي شاشة من فيديو نُشر على حساب البيت الأبيض على منصة
    تُظهر الصورة لقطتي شاشة من فيديو نُشر على حساب البيت الأبيض على منصة "X" في 15 أيلول/سبتمبر 2025، يُصوّر ما وصفه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بضربة عسكرية أمريكية على سفينة فنزويلية

خلال مؤتمر صحافي دولي في كاراكاس، أكد الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، أمس الإثنين، أنّ ما يجري في البحر الكاريبي ليس "توترات" كما تصفها بعض وسائل الإعلام، وإنما "عدوان مباشر" يستهدف سيادة بلاده وسلامها. وأوضح مادورو أن وجود سفن صاروخية وغواصة نووية أميركية يشكّل تهديداً معلناً، كاشفاً عن تلقيه شخصياً ووزير دفاعه، فلاديمير بادرينو لوبيز، رسائل تهديد. وفي مواجهة هذا التصعيد، شدّد الرئيس على أنّ ردّ حكومته يتمحور حول "تمكين الشعب وتدريبه والدفاع عن الحقيقة"، مؤكداً أن الفنزويليين "شعب صادق وثوري" يُعاقَب لأنه يصرّ على استقلاله. كما حمّل مادورو واشنطن مسؤولية تدمير قنوات الاتصال بين البلدين عبر "سياسة التهديد والابتزاز"، واتهم وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بالسعي إلى "تأليب جيران الكاريبي"، مثل بورتوريكو وترينيداد وتوباغو، ضد فنزويلا في إطار خطة أوسع لتطويقها.

يبدو البحر الكاريبي اليوم على حافة مواجهة مفتوحة، بعدما انتقل التصعيد الأميركي ضد فنزويلا من لغة التهديد إلى وقائع ميدانية متلاحقة. لقد تتابعت منذ أيام الطلعات الجوية والانتشارات البحرية وحوادث البحر، بينما رُفعت لافتة "مكافحة المخدرات" لتبرير كل خطوة. لكن خلف الشعار يلوح اختبار منظّم لأعصاب كاراكاس وسيادة الإقليم بأكمله: سفنٌ تحوم عند خطوط تماس حساسة، وبياناتٌ تُحمّل فنزويلا مسؤولية "الخطر" تمهيداً لإجراء "عقابي". وجاء ردّ فنزويلا على لسان سلطاتها السياسية والعسكرية: سلطة تقول إن السلام هدفٌ ثابت لكنه لا يُشترى بالتنازلات، وجيشٌ يعلن جهوزية رادعة ويضع البحر والبر والجو تحت مراقبة مستمرة. وبين هذا وذاك، يراقب سكان الجزر والسواحل ما يجري بقلق متزايد، فيما يتقدّم سؤال السيادة على كل ما عداه.

تفاصيل الحشد لا توحي بعملية أمنية عابرة. ثمة مدمرات وسفن إنزال وبوارج دعم، إضافة إلى غواصة نووية وتموضع صاروخي متقدّم مع طلعات تجسس إلكتروني. وتؤكد التقارير وصول عشر مقاتلات إف-35 إلى بورتوريكو، مع انتشار مروحيات وأوسبري وقوات إضافية، وزيارة مفاجئة لوزير الدفاع الأميركي للجزيرة. يروّج هذا التواجد العسكري كجزء من "الحرب على المخدرات"، لكنه يتقاطع مع تسريبات عن ثمانية سفن حربية وغواصة نووية وأكثر من أربعة آلاف جندي ومئات الصواريخ في محيط فنزويلا، إضافة إلى طائرات بي-8 وآواكس وطائرات تزويد بالوقود. ومثل هذا المزيج لا يُستخدم لتعقب قوارب صغيرة؛ إنه تجهيز لخيار هجومي قابل للتحوّل في لحظة إلى عدوان واسع المفاعيل أو "عمليات جراحية" بالغة الأثر. والأخطر أن اللغة السياسية الأميركية المرافِقة تُطبع الرأي العام بسردية "الخطر القادم من الجنوب"، تمهيداً لإضفاء شرعية وهمية على استخدام القوة خارج القانون الدولي.

وعلى الضفة المقابلة، رسمت كاراكاس معادلتها الدفاعية تحت عنوان "خطة الاستقلال 200". لقد أعلن الرئيس مادورو تفعيل أكثر من 280 جبهة موزعة من السواحل إلى الحدود، مع توجيه واضح: مقاومة نشِطة، ورقابة دائمة، وتكاتفٍ مدني-عسكري. وأُقرت إجراءات لحماية الموانئ والمطارات والمصانع والطرق الإستراتيجية، وتكثفت التدريبات ضمن ما يزيد على 310 موقع عسكري مع فتح أبواب "الميليشيا الوطنية" أمام أكثر من 8 ملايين من المتطوعين بمستويات تدريب على الرماية والإنقاذ والإمداد. ووُزّعت المهام على محاور الساحل في ولاية فالكون ومنطقة الكاتاتومبو وسلسلة جبال الأنديز وسهول آبوري؛ وهذه الهندسة العسكرية تمتد أيضاً إلى الأحياء والجامعات ومواقع الإنتاج. والرسالة واضحة: فنزويلا لا تسعى إلى حرب، لكنها لن تقبل لغة الإملاء، والسلام الذي تطلبه هو سلام السيادة، وليس سلام الخضوع. ولقد جرى تحديد نقاط حيوية تشمل المطارات المدنية والعسكرية والموانئ النفطية ومحطات الكهرباء والسدود، مع خطط إسناد لوجستي دائمة تربط الوحدات العسكرية بالشبكات المجتمعية في المدن والريف.

الحوادث البحرية الأخيرة توضح ما يجري، في مطلع الشهر الجاري أعلن الجيش الأميركي أنه دمّر قارباً وقتل 11 شخصاً بدعوى تهريب مخدرات. ولاحقاً ظهرت روايات صحفية تقول إن القارب كان قد غيّر مساره قبل الضربة، ما يجعل حديث "الدفاع عن النفس" الأميركي بلا سند. ومن ثم جاء مشهد أكثر فجاجة: صعود ثمانية عشر مسلحاً من المدمرة "يو إس إس جيسون دونهام" إلى مركب الصيد الفنزويلي "كارمن روزا" داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة لفنزويلا، على مسافة تقارب 48 ميلاً بحرياً شمالي شرق جزيرة "لا بلانكيّا" الفنزويلية، وقاموا باحتجاز تسعة صيادين لنحو 8 ساعات. وتؤكد مصادر أميركية أن التفتيش جاء إثر "معلومة" ولم يُعثر على ممنوعات، فيما راقبت وحدات فنزويلية الحادثة دقيقةً بدقيقة حتى الإفراج. ومثل هذا السلوك ليس "إسناداً قانونياً" لحرية الملاحة كما يُشاع، وإنما إهانة للأهالي وخرق صريح لحقوق دولة ساحلية على مواردها وحياة عمّالها.

الرواية الأميركية التي تعتبر فنزويلا "دولة مخدرات" لا تصمد أمام الوقائع. فمسارات الشحن تُظهر أن الجزء الأعظم من الكوكايين المتجه شمالاً يسلك طرقاً عبر المحيط الهادئ وموانئ كولومبيا والإكوادور، فيما دور فنزويلا هامشي في العبور، ولا وجود لزراعة أو مختبرات إنتاج داخلها. وتشير تقارير أممية إلى أن أقل من عُشر التدفقات إلى الولايات المتحدة يمر عبر الأراضي الفنزويلية. وذلك يوضّح من دون لبس أنه بدلاً من مواجهة الطلب الداخلي وغسل الأموال وتدفّق السلاح، يُعاد تدوير شماعة "الحرب على المخدرات" لتبرير عسكرة الإقليم وإنعاش ميزانيات أمنية. ويزداد اتضاح التناقض مع سجل فضائح تورط عناصر من أجهزة أميركية في بيئات التهريب، دون أن يُقنع ذلك واشنطن بمراجعة خطابها. والنتيجة واحدة: اختزال قضية صحية-اجتماعية مركّبة في مشهد عسكري على شواطئ بلدٍ لا يصنع السم، بينما تُترك بنوك تُهرّب الأرباح وأسواقٌ تستهلك بلا رادع.

ولا تنفصل هذه الجولة عن نزاع إقليم إيسيكيبو، ولا عن دولٍ قررت وضع أراضيها بتصرف الأساطيل الأميركية. لقد حذّرت كاراكاس بوضوح حكومة غويانا وحكومة ترينيداد وتوباغو من السماح باستخدام أراضيهما أو مجالهما لعدوان على فنزويلا، وربطت ذلك بحقوقها التاريخية في الامتداد الأطلسي وحماية الاستغلال القانوني للموارد؛ هنا تتشابك امتيازات شركات نفطية كبرى مع وجود عسكري أميركي متنامٍ، ويُراد للخلاف القانوني أن يتحول أمراً واقعاً تحرسه المدمرات والبوارج. وفي الخلفية التزام إقليمي أقرّته مجموعة "سيلاك"، عام 2014، بجعل أميركا اللاتينية "منطقة سلام"، ومعاهدة "تلاتيلولكو" لنزع السلاح النووي، وقد ضربت الولايات المتحدة بكل ذلك عرض الحائط مع وجود غواصة نووية والمناورات قرب سواحل متنازع عليها. وحتى البيانات التي تربط التحركات بإشارات جيوسياسية نحو قوى دولية أخرى لا تخفي الحقيقة الواضحة: استعراض قوة لحماية مصالح شركات فوق القانون.

وعلى الصعيد الداخلي، تشتغل فنزويلا على محورين متلازمين. الأول إصلاحي-اجتماعي يعالج آثار الحصار الاقتصادي ويقوّي شبكات الإمداد؛ وتعرض الحكومة أرقاماً عن اقتراب الاكتفاء الغذائي بنسبة 90%، وإلى جانب ذلك توسيع المخازن وتحديث النقل والشراء الحكومي من المنتجين المحليين. والثاني تنظيمي-سياسي يعيد هندسة العلاقة بين الحزب والدولة والمجتمع، كما ظهر في المؤتمر الاستثنائي للحزب "الاشتراكي الموحّد" الحاكم الذي حدّد ثلاث مهام: رفع كفاءة الحكم في حل مشكلات الناس، وتعميق سلطة الكوميونات المنظَّمة في الأحياء والقرى ومناطق الإنتاج، والاستعداد لتحويل الدفاع إلى واجب عام إذا فُرضت المواجهة. وفي هذا السياق تُبرز الدولة نماذج إنتاجية جديدة، من شركات دواجن تلبّي السوق وتستعد للتصدير، إلى شبكات توزيع شعبية تسد الفجوات. والرسالة أن التعافي الاقتصادي الممكن لا ينفصل عن السيادة وأن حماية لقمة العيش جزء من معركة الاستقلال.

وبالتوازي، تدور حرب روايات كثيفة. تقارير صادرة عن معاهد في ميامي تزعم أن الدفاع الجوي الفنزويلي منهك وأن ضربة خاطفة ستفتح الطريق لسيناريو "انتقالي"، ويقف خلف بعضها ضباط استخبارات متقاعدون يروّجون لعمليات "جراحية" العسكرية كأنها نزهة. ويتقاطع ذلك مع حملات سياسية يقودها مسؤولون نافذون يدفعون باتجاه المغامرة، مع تقديرات إعلامية تلوّح بفكرة "قطع الرأس" عبر صليّات صاروخية وجوية. لكن تجربة السنوات الأخيرة تقول عكس ذلك: سيناريو "الرئيس الموازي" انتهى إلى فراغ، ومحاولات إنزال مرتجلة تحطمت على صخرة مجتمع متحفّز ومؤسسة عسكرية منضبطة. ولأن الرهان على "سهولة" إسقاط الدولة لم يفلح، تُصنع الآن رواية أخلاقية تُشيطن خصماً وتستدرج تعاطفاً، وذلك تمهيداً لإيهام الداخل الأميركي بأن الحرب القصيرة ممكنة بلا أثمان. هكذا تُختزل التعقيدات في تقارير هشّة، وتُهندس موافقات مسبقة على ما لا يمكن تسويغه قانونياً ولا حتى سياسياً.

وبالمقابل، تتبلور مقاومة قانونية وسياسية لهذا النهج. داخل الولايات المتحدة ترتفع أصوات تُذكّر بحدود التفويض الدستوري وتُحاجج بأن الضربات خارج موافقة الكونغرس "غير قانونية"، ويُطرح مسار لوقف المغامرات وإلزام السلطة التنفيذية بالشفافية في المسرح الكاريبي. وداخل القارة اللاتينية تتسع الدعوات للعودة إلى الدبلوماسية ورفض عسكرة البحر الكاريبي؛ من البرازيل إلى المكسيك وكوبا وكولومبيا، مع مواقف تعتبر التصعيد تهديداً للسلم وتطالب بتجنيب المنطقة لعبة الاستفزازات. وفي بورتوريكو خرجت احتجاجات على تحويل الجزيرة إلى منصة لحروب الآخرين، بينما عبّر الصيادون في الجوار عن خوفهم من خلط الأوراق وعمليات عسكرية قد تصيب أبرياء. هذه الأصوات تعبِّر عن إدراك بأن أي شرارة قد تُطلق موجات نزوح وفوضى اقتصادية وتلوّثاً بحرياً، وأن ثمن المغامرة سيدفعه الفقراء أولاً.

جوهر المعركة في الكاريبي يتعلق بحق تقرير المصير على الأرض والبحر والثروة. تريد واشنطن فرض وصاية جديدة على البحر الكاريبي باسم "الأمن" وتحت شعار "الحرب على المخدرات"، فيما تقول فنزويلا إن السلام ممكن بشرط المساواة واحترام السيادة ووقف الابتزاز. وبين هذين الخيارين تُرسم السنوات المقبلة: إما طريق الضربات الاستعراضية التي تُغري بمزيد من الفوضى وتقطع سلاسل الإمداد وتلوّث البحر، أو معادلة ردع متبادل تُقصي المغامرين وتفتح هوامش تعاون وتنمية حقيقية. والتاريخ يُذكّر بأن الذرائع المصنوعة لا تنتهي إلا بكوارث، وأن حادثاً مُفتعَلاً واحداً قادر على إشعال حريق طويل كالذي بدأ في خليج تونكين (الذي فتح الباب للحرب على فيتنام) قبل عقود. وعليه، فالدعوة واضحة: حماية الكاريبي بصفته فضاءً للسلام، ورفض عسكرة النزاعات، والوقوف مع حق فنزويلا في الدفاع عن سيادتها، مع حق شعوب القارة اللاتينية في العيش بلا مدمرات وبوارج أميركية على شواطئهم.

اقرأ أيضاً: فنزويلا تحذر: أي هجوم أميركي سيشعل زعزعة غير مسبوقة في القارة

اخترنا لك