النووي الإيراني: المفاوضات في ميزان الصبر والخيانة
تواجه الجمهورية الإسلامية في إيران، منذ بدء مشروعها النووي، هجوماً إسرائيلياً مدعوماً من الولايات المتحدة والدول الغربية. ورغم استعداد إيران الدائم لحل المسألة النووية سلمياً، إلا أنّها كانت تصطدم دوماً بالخداع وعدم الالتزام وصولاً إلى الحرب العسكرية المباشرة.
-
مسار طويل وشائك وسم الحوار بين إيران والولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي الإيراني
اتخذت طهران، مبكراً، موقفاً مبدئياً من السلاح النووي، مستندةً إلى فتوى دينية صادرة عن قائد الثورة والجمهورية الإسلامية في إيران، السيد علي الخامنئي، تُحرّم إنتاج أو استخدام هذا السلاح.
ورغم ما واجهته طهران من اتهامات غربية متكررة، فإنها ظلّت عضواً ملتزماً بمعاهدة عدم الانتشار النووي (NPT)، وتعاونت على نحو غير مسبوق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حيث سمحت لعشرات عمليات التفتيش المفاجئ، وقدّمت تقارير دورية عن برنامجها النووي، خصوصاً خلال السنوات التي تلت توقيع الاتفاق النووي عام 2015.
ورغم هذا الالتزام، واجهت إيران سيلاً من العقوبات والتهديدات، بينما استُثنيت "إسرائيل"، الدولة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك ترسانة نووية غير خاضعة لأي رقابة دولية، من أي شكل من أشكال المساءلة. هذا الكيل بمكيالين لم يكن مجرد سلوك انتقائي، بل تعبير عن واقع دولي يُدير ملف الانتشار النووي بمعايير سياسية لا تقنية.
تُميّز طهران، في خطاباتها الرسمية، دائماً بين امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية، وبين السعي إلى التسلّح، وهو ما كرره المسؤولون الإيرانيون مراراً، معتبرين أن مشروعهم النووي يندرج ضمن حقهم السيادي، لا تهديداً للسلم العالمي.
من 1996 إلى 2025..
— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) June 19, 2025
30 عاماً وبنيامين نتنياهو يكرر الرواية ذاتها:
"#إيران على بُعد أسابيع من امتلاك القنبلة النووية".#الميادين pic.twitter.com/42tHN2EJ3G
جولات بلا ضوء: ثلاثة فصول من المفاوضات
عرف الملف النووي الإيراني ثلاث مراحل تفاوضية مركزية خلال العقدين الأخيرين، تراوحت بين الانفراج النسبي والانهيار الدراماتيكي.
المرحلة الأولى جاءت مع إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، التي انخرطت في مفاوضات طويلة ومضنية، انتهت بتوقيع الاتفاق النووي في تموز/يوليو 2015، أو ما يعرف بـ"خطة العمل المشتركة الشاملة".
وقد مثّل هذا الاتفاق تتويجاً لمسار دبلوماسي قادته مجموعة 5+1 (وهي مجموعة الدول الـ5 دائمة العضوية في مجلس الأمن: الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، روسيا، الصين بالإضافة إلى ألمانيا)، ووافق فيه الجانب الإيراني، بقيادة الرئيس حسن روحاني، ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، على قيود تتعلق بالتخصيب والمراقبة والتصدير النووي، مقابل رفع تدريجي للعقوبات الاقتصادية.
لكن التطبيق العملي لم يواكب الطموحات، إذ ماطلت الولايات المتحدة، حتى في عهد أوباما، في رفع العقوبات الأساسية، وترددت الشركات الأوروبية في الاستثمار داخل إيران خوفاً من العقوبات الثانوية.
المرحلة الثانية دشنها انسحاب دونالد ترامب من الاتفاق عام 2018، في خطوة وصفها حلفاء واشنطن قبل خصومها بـ"الخرق السافر" للقانون الدولي. إذ فرضت إدارة ترامب حملة "الضغوط القصوى"، وأدرجت حرس الثورة على لائحة الإرهاب، وأعادت العقوبات بالكامل، ساعيةً إلى إسقاط النظام الإيراني اقتصادياً.
في هذه المرحلة، كانت طهران تُراكم خيبة الأمل، لكنها حافظت على منسوبٍ من ضبط النفس، مكتفية بخطوات تدريجية في رفع نسبة التخصيب كردّ على النكث الأميركي.
بدأت المرحلة الثالثة مع تولّي جو بايدن الرئاسة، ووعوده بإعادة إحياء الاتفاق، لكن تعنّت واشنطن ومماطلتها، واشتراطها مفاوضات "موسّعة" تشمل برنامج الصواريخ والنفوذ الإقليمي، عطّل المفاوضات. ومع صعود إبراهيم رئيسي، إلى الرئاسة الإيرانية، أصرت طهران على ضمانات قانونية تمنع تكرار الانسحاب الأميركي.
بعد انتخاب الرئيس مسعود بزيشكيان، وعودة ترامب إلى رأس الإدارة الأميركية، أعيد فتح باب التفاوض، في ظل إشارات خجولة من واشنطن، لكن دون أن تُظهر الأخيرة استعداداً للتراجع عن شروطها المسبقة.
وفي نيسان/إبريل المنصرم، انطلقت سلسلة جديدة من المحادثات بين إيران والولايات المتحدة الأميركية برعاية عمانية، ما بين مسقط وروما، تأرجحت في مسارها، الذي امتد على 5 جولات تفاوضية، قبل أن تنتهي بالاعتداء الإسرائيلي على إيران صباح الـ13 من حزيران الجاري.
"الهدف الأميركي والإسرائيلي هو إسقاط النظام الإيراني، لأنه يواصل السعي لتحقيق حقه في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، وحقه في الدفاع عن نفسه من خلال برنامج صاروخي مستقل"
— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) June 23, 2025
أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة حسن نافعة لـ #الميادين pic.twitter.com/3YpbhPq4Iu
خيانة مزدوجة: الانسحاب ثم الحرب
في النظرة الإيرانية، لم يكن الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي مجرّد إخلال باتفاق، بل خيانة سياسية موصوفة. فكل التقارير الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية حتى عام 2018 كانت تؤكد التزام إيران الكامل ببنود الاتفاق.
ومع ذلك، قررت إدارة ترامب الانسحاب، من دون مشاورات، وبذريعة "النية العدوانية الإيرانية"، التي لم تثبت في أي محفل.
وإذا كان هذا الانسحاب قد شكّل الخيانة الأولى، فإن ما تراه طهران خيانةً ثانية أكثر فداحة، حدث خلال العام الجاري، حين استُؤنفت المفاوضات غير المباشرة بين واشنطن وطهران بوساطة عمانية.
لكن في خضمّ هذه المفاوضات، انتقلت الولايات المتحدة الأميركية إلى المطالبة بوقف التخصيب في المنشآت النووية الإيرانية بشكل كامل، وتفكيك البرنامج النووي الإيراني، وإنهاء المشروع، وهو ما لم توافق عليه طهران، التي ورغم ذلك لم تنسحب من المفاوضات، وتابعت مشاركاتها في الجولات المتتالية، غير المباشرة، بمشاركة وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقتشي، والمبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف، إلى أنّ بدأت الحرب الإسرائيلية على إيران، بدعم ورعاية أميركي.
هكذا، وجدت طهران نفسها تفاوض بيد، وتُستهدف باليد الأخرى. ولم تكن المسألة مجرّد "توقيت سيّئ"، بل سلوك أميركي مكرّر: التفاوض من موقع التفوق، والضغط العسكري كورقة مساومة.
وهو ما يدفع المفاوض الإيراني، مرة تلو أخرى، إلى استنتاج ثابت: لا يمكن الوثوق بالإدارة الأميركية، أياً كان ساكن البيت الأبيض.
في هذا السياق، صرّح عراقتشي، في الـ21 من حزيران/يونيو الحالي، في حوار له مع شبكة "أن بي سي نيوز" الأميركية، في جنيف في سويسرا، قائلاً إن "إيران لا تعرف ما إذا كان يمكن الوثوق في الولايات المتحدة بعد الآن"، واصفاً تصرفات إدارة ترامب بأنها "خيانة للدبلوماسية".