كيف يؤثر ترحيل الهندوراسيين من الولايات المتحدة في الوجود العسكري الأميركي في هندوراس؟

  • كيف يؤثر ترحيل الهندوراسيين من الولايات المتحدة في الوجود العسكري الأميركي في هندوراس؟
    كيف يؤثر ترحيل الهندوراسيين من الولايات المتحدة في الوجود العسكري الأميركي في هندوراس؟

في حديث تلفزيوني مطوّل، الأربعاء الماضي، ناقشت رئيسة هندوراس، زيومارا كاسترو، عدداً من المشكلات الخاصة بمستقبل بلادها، على رأسها الوجود العسكري الأميركي داخل البلد. أعلنت كاسترو رفضها تدخل الولايات المتحدة في الشؤون الداخلية لبلادها،  مؤكدةً أنها تسعى لـ"مواجهة موقف الطرد الجماعي" الذي يتعرض له الهندوراسيون في الولايات المتحدة. وأشارت إلى أن ذلك الموقف يدفع بلادها إلى "التفكير في تغيير سياسات التعاون مع الولايات المتحدة، وخصوصاً في المجال العسكري"، وشددت على أن الأميركيين "يحتفظون بقواعد عسكرية في أراضينا منذ عقود من دون دفع سنت واحد". كما أكدت أن هذا الوجود العسكري "سوف يفقد كل مبرراته" إذا تبنت الإدارة الأميركية الجديدة سياسات عدائية تجاه المهاجرين الهندوراسيين.

جاءت تصريحات الرئيسة كاسترو استباقاً لاستلام ترامب مقاليد الحكم مجدداً، وتحوّطاً من أي نوع من الممارسات التي قد تفرضها إدارته الجديدة على الهندوراسيين في الولايات المتحدة. ويتعلق التهديد الأبرز، في حديث كاسترو، بالوجود العسكري الأميركي في هندوراس، والمتمثل أساساً بقاعدة "بالميرولا" الجوية (تعرف أيضاً باسم قاعدة "سوتو كانو") في مدينة كوماياغوا، وسط هندوراس، والتي تشكل نقطة استراتيجية للقيادة الجنوبية الأميركية (SOUTHCOM) منذ عام 1982، وتضم الآن ما يزيد على 500 عسكري ومدني أميركي. والجدير ذكره هنا، أن الوجود العسكري الأميركي في هندوراس قائم في الأساس، بحسب المبررات الرسمية، من أجل محاربة "تجارة المخدرات"، وهي الرواية التي تضفي شرعية على تدخل الولايات المتحدة في شؤون هندوراس الداخلية. 

ولم يعد التدخل الأميركي في دول أميركا الوسطى والجنوبية يأخذ شكلاً عسكرياً كما عهدنا من قبل، وإنما باتت الإدارة الأميركية تتبع تكتيك "الحرب القانونية". وفي سياق ذلك جاء إلغاء هندوراس لمعاهدة "تسليم المجرمين" مع الولايات المتحدة، في أيلول/سبتمبر الماضي، على خلفية اشتراك السفيرة الأميركية في البلاد، لورا دوجو، في مخطط انقلاب على الرئيسة كاسترو، مع عسكريين هندوراسيين متقاعدين، وهي المحاولة الثامنة الفاشلة للانقلاب على كاسترو منذ ترأست البلاد في عام 2022. والجدير ذكره هنا، أن هندوراس سلَّمت الولايات المتحدة، بموجب هذه المعاهدة، ما يزيد على 40 شخصاً على مدى العقد الماضي، لمحاكمتهم في قضايا مرتبطة بالمخدرات، وكان ضمنهم الرئيس السابق للبلاد، خوان هرنانديز، الذي حُكم عليه مؤخراً بالسجن مدة 45 عاماً من محكمة في نيويورك.

في كل حال، سيعود دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 20 كانون الثاني/يناير الجاري، ومن المرجح أن يوقع على سلسلة من الأوامر التنفيذية لمعالجة الهجرة غير الشرعية وأمن الحدود، والتي اشتمل عليها برنامج الحزب الجمهوري ووعد هو نفسه بتنفيذها عدة مرات، مؤخراً، عند تنصيبه رئيساً للبلاد. وإلى جانب ذلك، هدد ترامب بفرض تعرفات جمركية شاملة على المكسيك وكندا إذا لم تتعاونا مع خططه للحد الهجرة غير الشرعية إلى بلاده، ومن المرجح أن تطول هذه التعرفات الجمركية المهاجرين الهندوراسيين أيضاً، والذين يمرون خلال هجرتهم بغواتيمالا وصولاً إلى المكسيك، ومنها إلى الولايات المتحدة. وبصفتها الرئيسة الموقتة لمجموعة دول أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي (CELAC)، أعلنت كاسترو أن بلادها ستستضيف خلال الشهر الجاري اجتماعاً مشتركاً مع الرئيسة المكسيكية، كلوديا شينباوم، ووزراء خارجية المجموعة من أجل مناقشة قضايا الهجرة وخطط الإدارة الأميركية الجديدة للتعامل معها.

وبينما يتجه عشرات الآلاف من سكان أميركا الوسطى، سنوياً، إلى الهجرة غير الشرعية نحو الولايات المتحدة، أشار مؤخراً نائب وزير الخارجية الهندوراسي، توني جارسيا، إلى أن الولايات المتحدة تستعد لترحيل ما يزيد على 250 ألف هندوراسي خلال العام الجاري، لافتاً إلى وجود نحو مليونَي هندوراسي في الولايات المتحدة، بحسب الإحصاءات الرسمية للحكومة الهندوراسية، وأنه منذ عام 2022 دخل الولايات المتحدة نحو 525 ألف مهاجر هندوراسي غير شرعي. وأكَّد، في تصريح، أن بلاده "ليست مستعدة للتعامل مع هذا التدفق الكبير من المهاجرين". من جهتها، انتقدت الرئيسة كاسترو الحكومة الأميركية بسبب التضييق على شخصيات سياسية وقضائية هندوراسية، وأعلنت أن بلادها ستقوم برفع "احتجاج رسمي إلى واشنطن بحجة أن هذه التدابير تقوّض السيادة الوطنية".

وأعربت الرئيسة كاسترو، في حديثها التلفزيوني المطوّل، أخيراً، عن أن بلادها تأمل أن "تكون الإدارة الأميركية الجديدة منفتحة على الحوار والبناء والود"، مؤكدة ضرورة ألّا تتخذ هذه الإدارة "إجراءات انتقامية غير ضرورية ضد المهاجرين الهندوراسيين، الذين يساهمون عادة، بصورة كبيرة، في الاقتصاد الأميركي"، ووعدت بأن بلادها لن تتوانى عن الرد على أي عمل عدائي قد يُتخذ ضد الهندوراسيين في الولايات المتحدة.

وبقدر ما يعكس هذا الحديث الممارسات التي تنتهجها الولايات المتحدة في التعامل مع أزمة الهجرة إليها، فهو يعكس أيضاً نية الرئيسة كاسترو مواجهة هذا التحدي والدفاع عن حقوق الهندوراسيين وسيادة بلادها ضد أي تدخل خارجي، في وقت تتعرض كاسترو وعائلتها لحملة سياسية وحملة قانونية تستهدفان النيل منها، خلافاً لمحاولات الانقلاب المستمرة منذ توليها الرئاسة.

ستواجه إدارة ترامب الجديدة مأزقاً كبيراً إذا حاولت فعلاً تنفيذ مقترحاته بشأن الترحيل الجماعي للمهاجرين غير الشرعيين ورفض طلبات اللجوء وفصل العائلات عند الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك. وخلافاً لمواقف المكسيك وهندوراس ومجموعة من دول أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي، والرافضة لهذه المقترحات، من المرجح أن تواجه إدارة ترامب هجوماً على أرضية قانونية من جانب بعض المشرعين الأميركيين والمدافعين عن الهجرة. وسيشمل تنفيذ هذه المقترحات، التي يعدّها البعض سلوكاً عدوانياً، العنف العسكري على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، وهذا بدوره قد يعمّق الأزمة ويشعل فتيل المنطقة.