مواقف الكرد من التفاوض مع حكومة الشرع.. هل تضحي "قسد" بالنفط من أجل إدارة ذاتية؟

مصادر مقرّبة من قوات سوريا الديموقراطية أكدت وجود ثلاثة مواقف كردية حول شكل وطبيعة العلاقة مع حكومة دمشق.

  • مقاتلون كرد في شمال شرق سوريا تابعون لقوات
    مقاتلون كرد في شمال شرق سوريا تابعون لقوات "قسد" (رويترز)

أربعة أشهر مرت على توقيع الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي اتفاقاً لرسم شكل العلاقة المستقبلية بين الطرفين، وتحديداً في ما يتعلق بدمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة لـ "الإدارة الذاتية" الكردية ضمن الدولة السورية الجديدة، إضافة إلى معالجة ملفات حقول النفط والغاز، والتعليم، وحقوق الكرد الثقافية.

إلا أن أيّاً من بنود الاتفاق لم يرَ النور وبقي حبراً على ورق، كما شهدت العلاقة بين "قسد" وحكومة دمشق توتراً ومطبات عديدة خلال الفترة الماضية، لم يكن آخرها المؤتمر الذي استضافته "قسد" في مدينة الحسكة، وضم مكونات سورية مختلفة من الساحل والسويداء والمنطقة الشرقية، وهو ما عدّته دمشق تجاوزاً للخطوط الحمراء وينذر بخطوات انفصالية.

في العاشر من آذار الماضي، وبينما كانت الأنظار في الشارع السوري متجهة نحو الساحل، لمتابعة نتائج الهجمات الدموية التي شنتها قوات حكومية على المنطقة، حطّ قائد "قسد" مظلوم عبدي في دمشق، ليعلن بدء مرحلة سياسية جديدة مع الحكومة الانتقالية في البلاد، لكن هذا الاتفاق كان محاطاً بمشهد سياسي وميداني معقد، حتى داخل الأوساط الكردية، التي انقسمت حول طبيعة الاتفاق وشكله وآلية تنفيذه، حتى إن بعض الأطراف الكردية ذهبت لمناقشة أسباب التفاوض مع حكومة دمشق.

مواقف متباينة

مصادر مقرّبة من "قوات سوريا الديمقراطية" أكدت وجود ثلاثة مواقف كردية حول شكل وطبيعة العلاقة مع حكومة دمشق، الأول: يرفض بالمطلق أيّ تفاوض في الوقت الحالي، والثاني: وسطي يريد الحفاظ على "شعرة معاوية" مع إدارة الشرع من دون التهاون في الحصول على حقوق الكرد الأساسية؛ أما الرأي الثالث فيسعى لطيّ ملف "الحكم الذاتي" والاندماج في الدولة السورية الجديدة مع مراعاة خصوصية الكرد ودورهم في إدارة البلاد.

وتؤكد المصادر أن عرّابي الرأي الرافض للتفاوض مع دمشق هم المتشددون في المؤسسات العسكرية والأمنية والسياسية، مثل: سيبان حمو، محمود رش، الدار خليل، وفوزه اليوسف، هؤلاء من القادة الكرد المتعصبين لفكرة إقامة دولة كردستان، وتوحيد أجزائها الأربعة في سوريا والعراق وتركيا وإيران.

ويرى هذا الفريق أن الاتفاق الذي وُقّع في العاشر من آذار الماضي بين الشرع وعبدي جاء تحت ضغط أميركي، ولا يمثل رؤية الكرد وتضحياتهم من أجل إقامة إقليم في الشمال الشرقي من سوريا تحت مسمى "روج آفا".

المصادر تؤكد أن هذا الفريق يجد "قسد" في موقف سياسي وعسكري أقوى من الحكومة الانتقالية التي تستنزف قوتها في صراعات جانبية، كما جرى في الساحل السوري والسويداء، إضافة إلى تدمير "إسرائيل" لمعظم قدراتها العسكرية خلال الأشهر الماضية.

كما يعتبر المتشددون الكرد أن  لدى "قسد" جيشاً قوامه 100 ألف مقاتل، ومخزوناً هائلاً من الأسلحة، وشبكة أنفاق متداخلة ومعقدة ممتدة في معظم مناطق شمال شرق سوريا، إضافة إلى امتلاكها مجموعة كبيرة من المقاتلين المتمرسين القادمين من جبال "قنديل" في العراق، لذلك يجب الحفاظ على كيان "الإدارة الذاتية" القائم والبحث عن حلفاء جدد في العالم مثل فرنسا و"إسرائيل"، مع بناء علاقات داخلية قوية مع الدروز والعلويين لمواجهة حكومة دمشق التي تحمل فكراً إسلامياً متطرفاً، وفق رأيهم.

الموقف الوسطي داخل "قوات سوريا الديمقراطية" يقوده زعيم الجماعة مظلوم عبدي إلى جانب المسؤول السياسي صالح مسلم، ويميل أصحاب هذا الموقف إلى مهادنة الحكومة السورية الجديدة، في ظل تبدل الموقف الدولي تجاه "قسد" لا سيما الموقف الأميركي، خاصّة أن هذا التبدّل جاء بالتزامن مع قرار قيادة حزب العمال الكردستاني في تركيا إلقاء السلاح.

ويؤمن أصحاب الرأي الوسطي بضرورة الحفاظ على خصوصية عسكرية وإدارية في مناطق سيطرة "قسد"، ولأجل ذلك لا بدّ من تقديم المزيد من التنازلات مقابل الحصول على ما يشبه "الإدارة الذاتية"، وتحديداً في محافظة الحسكة.

وتشير المصادر الكردية إلى أن مظلوم عبدي يفضّل إعادة محافظتي الرقة ودير الزور إلى سيطرة الدولة السورية، مقابل الإبقاء على موظفي "الإدارة الذاتية" ضمن مؤسساتها، إضافة إلى وضع ملف النفط والغاز تحت تصرف الحكومة الانتقالية، مقابل الحصول على نسبة ثابتة من العائدات تخصص لمناطق شمال شرق سوريا.

وبحسب المصادر، فإن الهدف الاستراتيجي الذي يسعى مظلوم عبدي لتحقيقه هو الحصول على "إدارة ذاتية" في محافظة الحسكة، مع الحفاظ على خصوصية "قسد" العسكرية والأمنية، عبر دمج "القوات" ككتلة واحدة في صفوف الجيش السوري الجديد.

أما الرأي الثالث، فهو الأقل تشدداً ويمثل الموقف الشعبي الكردي في مناطق شمال شرق سوريا، والذي يسعى لطيّ ملف الحرب والعودة إلى الحياة الطبيعية، من خلال الاندماج بشكل كامل ضمن الدولة الجديدة، مقابل الاعتراف بالحقوق الثقافية والتراثية والتعليمية للكرد.

ويرى أصحاب هذا الموقف أن المنطقة عانت لسنوات طويلة من ويلات الحرب والاقتتال والتهجير، كما أن التمسك بفكرة إقامة إدارة ذاتية في شمال شرق سوريا سيضع المنطقة بين فكي كماشة، فمن جهة هناك تركيا الرافضة لأيّ مشروع انفصالي على حدودها الجنوبية لأنها تعدّ ذلك خطراً على أمنها القومي، ما قد يدفعها إلى التدخل العسكري المباشر كما حدث سابقاً أكثر من مرة، ومن جهة ثانية، هناك قوات الجيش السوري الجديد المدعومة من أنقرة، وهذه الحرب إذا اندلعت ستؤثر بالدرجة الأولى على المدنيين.

وحتى انتهاء مهلة تنفيذ بنود اتفاق الشرع - عبدي المحددة بنهاية العام الحالي، يبقى السؤال المطروح: أيّ موقف من هذه المواقف سينتصر في النهاية ويحدد مستقبل شمال شرق سوريا؟

اخترنا لك