واقع العراق على مشارف الانتخابات البرلمانية.. ماذا يريد المواطن؟
يبدو المشهد السياسي في العراق مشحوناً وسط منافسة قوية بين آلاف المرشحين للانتخابات البرلمانية، ووسط شارع يريد التغيير وبرامج واقعية تُطبّق على الأرض، فيما يبقى السؤال عمّا إذا كانت هذه الانتخابات ستفتح صفحةً جديدة في المشهد السياسي العراقي.
-
أكثر من 7768 مرشحاً يتنافسون على مقاعد البرلمان البالغ عددها 329
تسود الشارع العراقي أجواء انتخابية معقّدة مع اقتراب الانتخابات البرلمانية في الحادي عشر من شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، خصوصاً مع ترشّح أكثر من 7768 مرشحاً، منهم 2248 من الإناث، و5520 من الذكور، لهذا الاستحقاق، الذي يشهد تنافساً حاداً بين 31 تحالفاً و38 حزباً، و75 قائمة منفردة، بغية الوصول إلى مقاعد البرلمان البالغ عددها 329.
الواقع السياسي والاقتصادي في العراق
صور المرشّحين عمّت أرجاء المدن العراقية مع انطلاق الحملات الانتخابية، مرفقةً بأرقام قوائمهم، وبالشعارات الانتخابية والتنموية والخدمية، فيما الشارع منقسم بين من يريد مقاطعة الانتخابات، ومن يريد المشاركة، على الرغم من تكرر الوجوه المرشحة، وبين من يتأمّل بالتغيير الحقيقي، على حساب أنّ هذه الانتخابات مفصلية ومهمة في ظل التغيرات التي يشهدها الداخل العراقي والمنطقة على حدّ سواء.
داخلياً، هذه المنافسة لا تغيّر من حقيقة أنّ العراق يحتاج دائماً إلى توافق سياسي بين مكوناته المختلفة، حتى يكون قرار الدولة قوياً، وبالتالي يستطيع أن يتجلى عملياً على الأرض. أمّا اقتصادياً، فإنّ العراق يمتلك إمكانيات كبيرة لكنه يخفق في إدارة هذه الإمكانيات ويحتاج إلى صياغات جديدة حقيقة لحل هذه المشكلات، بحسب محللين.
ووفق أحدث البيانات الصادرة عن البنك المركزي العراقي، فإنّ العراق يشهد تصاعداً في مستوى الدين العام الداخلي خلال عام 2025، حيث سجل الدين الداخلي زيادة جديدة، ليصل إلى نحو 87.7 تريليون دينار (نحو 66.4 مليار دولار) في نهاية حزيران/يونيو الماضي، فيما يأتي هذا التضخم في حجم الديون في إطار الاعتماد شبه الكلي على الإيرادات النفطية المتذبذبة، ما يدفع الحكومة نحو الاقتراض الداخلي لتمويل العجز في الموازنة.
هذاٍ الواقع يطرح الكثير من الأسئلة بشأن صوت الناس على الأرض، ومطالبهم المعيشية واليومية، على بعد أقل من شهر من الاستحقاق الانتخابي. جولةٌ واحدة في أحد شوارع بغداد الشعبية، تظهر التفاوت في الآراء بين الناس، فهناك من يُعبّر عن استيائه من كثرة الصور في الشوارع ومقاطعته للانتخابات، خصوصاً وأنّ "أغلب المرشحين، هم وجوه معروفة وليست بالجديدة، والمجرّب لا يُجرّب"، بحسب أحد المواطنين، فيما يؤكّد مواطنٌ آخر أنّه سيشارك في الانتخابات على الرغم من قلقه وخوفه من أنّ "الوعود المطروحة سينساها المسؤولون فور فوزهم كما كان يحصل في السابق"، موضحاً أنهّ يتأمّل من المسؤولين الجدد والحكومة المستقبلية التركيز على قضايا الرعاية الاجتماعية والقضاء على البطالة والتخفيف من الفقر. غير أنّ كثيرين رفضوا إبداء أي رأي في هذا الإطار، مبررين ذلك بأنّ الكلام بهذا الخصوص "لم يعد يجدي نفعاً".
ويُظهر ذلك أنّ هناك حالة من فقدان الثقة بين المواطن العراقي والدولة بعد 5 دورات انتخابية شهدها العراق منذ عام 2003، وبتعبير آخر من المحلل والأستاذ في التاريخ والفكر السياسي، طالب محمد كريم، فإنّ "هناك تشظياً وانقساماً مجتمعياً تجاه العملية السياسية برمتها، فالشعب العراقي خلال هذه الفترة يمتلك خيار تقييم المعادلة السياسية، وهو في مرحلة أنضج وأكثر وعياً، ويقارن ويقيس الدورات السابقة".
من الشوارع إلى الجسور والأحياء… بغداد تزدحم بصور المرشحين مع انطلاق الحملات الانتخابية رسميًا 🇮🇶
— الميادين عراق (@almayadeeniraq) October 9, 2025
أكثر من مليون صورة في اليوم الأول فقط، والمنافسة تشتعل على كل زاوية!
فهل تعكس هذه الصور الوعود الحقيقية؟#الميادين_عراق #العراق_خيار_وقرار @rahalbatoul1 pic.twitter.com/3yh4Mvb15b
ما الذي يمكن أن يعيد ثقة المواطن العراقي بالدولة؟
إذاً، هل يمكن أن يستعيد المواطن العراقي ثقته بالدولة؟ سؤالٌ غالباً ما كان يطرح في صالونات السياسية النخبوية العالية جداً، بحسب كريم، فالناخب اليوم "لا يقتنع فقط بالمدونات التي تكتب على الأوراق أو التي تعلن من خلال وسائل إعلام أو منصات التواصل الاجتماعي، بل هو يريد أن تطبق هذه البرامج، وأن يتلمس آثارها"، في حين أنّ "أغلبها لم يترجم إلى واقع عملي".
ورأى كريم، في هذا الإطار، أنّ "المحاصصة السياسية ربما هي الضربة القاضية التي تقضي على أي محاولة تقدّم بالعملية السياسية"، بحيث "لم نلمس أي طرف سياسي مشارك بالقرار السياسي يتخلى عن قسمة القسمة، أو ربما عن حصته بالمحاصصة السياسية".
وأضاف أنّ المحاصصة هي التي "تحكم المعادلة السياسية اليوم، الأمر الذي يمثل رسالة سلبية للمجتمع"، على الرغم من محاولة تأطير هذا الأمر ضمن مصطلح "التوافق السياسي".
وأعرب كريم عن اعتقاده بأنّ هناك "إخفاق كبير من جهة السياسي العراقي تجاه العمل على إعادة تقييم أدائه بشكل يندمج مع رغبة المواطن العراقي"، معرباً عن أسفه من أنّ "نسبة عالية من السياسيين أخفقت في إنتاج معادلة تدعو جميع الأطياف العراقية، إلى المشاركة بالقرار السياسي وبناء الدولة العراقية".
ماذا يريد المواطن العراقي اليوم من المسؤولين؟
لذلك، فإنّ المواطن العراقي "يريد اليوم أن يكون المسؤول رجل دولة، لا يعود إلى أسرة أو إلى عشيرة، ويريد أمناء على الدولة العراقية، وتطبيق مواد الدستور العراقي الذي ينص على أنّ ثروات البلاد يجب أن توزع على عموم الشعب، وبنص على مبدأ الحريات ومكافحة الفساد الإداري والمالي والمشاركة في العمل السياسي من دون محاصصة"، فـ"إذا ما أردنا أن نعمل على استدامة النظام ونمد في عمره وأن يندمج فيه جيل جديد جاء بعد 2003، يُفترض أن نبني شراكة سياسية وثقافية واجتماعية ما بين مؤسسات الدولة، وما بين الفئات الجماهيرية المتنوعة".
أمّا من الناحية الاقتصادية، فهو "يريد برامج اجتماعية حقيقية تتعلق بالأسر والتأمين الصحي والنظام التعليمي، والتخفيف من الفقر والبطالة، وأيضاً إجراءات أمنية تحميه من الاستهدافات الإرهابية".
يأتي ذلك فيما يعمل المرشحون على طرح برامجهم الانتخابية، رافعين شعارات ومشاريع تتعلق بإعادة الإعمار وتحسين الخدمات المجتمعية المختلفة، إضافةً إلى طرح أهداف مرتبطة بإصلاح السياسة الداخلية والخارجية، عبر إصلاح مؤسسات الدولة وفرض الأمن واستعادة سيادة البلاد الكاملة، مع الحفاظ على الانفتاح المتوازن.
ما إمكانية تحقق البرامج الانتخابية؟ وهل يتأثر تحقيقها بضغوط سياسية أو ضغوط خارجية؟
وأمام هذه البرامج المطروحة على مسامع أكثر من 21 مليون ناخب عراقي، يمكنهم الإدلاء بأصواتهم، في ظل الواقع السياسي والاقتصادي الذي تحدثنا عنه، هناك تساؤلات حول مدى إمكانية تحقق هذه البرامج، ومدى تأثر تحققها أيضاً بضغوط داخلية أو خارجية، وبالمستجدات التي تحيط بالمنطقة.
وبالجواب عن ذلك، قال كريم إنّ العراق "يتأثر بلا شكّ في التحولات الحاصلة في المنطقة الإقليمية الدولية، ويواجه أزمات كثيرة وتدخلات خارجية، لكن هذه التدخلات تُقاس على من يعطيها المساحة والأريحية للتحرك من خلالها".
ووفقاً له، فإنّ "جزءاً من المرشحين يمتلكون وعياً عالياً بالنسبة إلى العمل السياسي والمجتمعي، لكن هذا الجزء لا يمكن أن يفعل شيئاً ضمن منظومة كبيرة ومعقدة".
وأشار كريم إلى أنّ "هناك برامج مطروحة تمثّل مجرد شعارات، مؤكّداً أنّ البرامج الحقيقية هي التي "تستطيع أن تجعل من الدستور العراقي دستوراً مرناً يخرج من الصلابة، بحيث يستطيع الشعب من خلال الوعي أن يقيم تعديلات عليه"، أو أن "تحقق صياغات اقتصادية جديدة وتحوله من الاقتصاد الريعي إلى اقتصاد آخر متنوع".
وأضاف أنّ "الشعب يُفترض أن يكون أمام خطاب دولة حقيقي، يمثّل تاريخ العراق ومرارة العقود السابقة التي مر بها الشعب العراقي قبل 2003، وينتج تحركات مؤسساتية قابلة للتحويل من الفكرة إلى العمل والإجراءات، حتى نستطيع القول إنّنا فعلاً بنينا دولة نظام ديمقراطي".
كيف يمكن تقييم خطوة مقاطعة الانتخابات من قبل التيار الصدري؟
وعلى الضفة الأخرى، يُقاطع التيار الصدري بزعامة السيد مقتدى الصدر، الذي يملك قاعدة جماهيرية واسعة، الانتخابات البرلمانية، لتكون المرة الأولى التي تجري فيها الانتخابات من دون مشاركته. وتأتي خطوة المقاطعة هذه بعدما كان الصدر قد قرر الانسحاب من العملية السياسية في البلاد عام 2022، وعدم المشاركة في أي انتخابات مقبلة حتى "لا يشترك مع الساسة الفاسدين"، ما دفع نواب الكتلة الصدرية (72 نائباً)، إلى تقديم استقالتهم من البرلمان.
وعن مدى فعالية هذه الخطوة وتأثيرها في القرار السياسي، أوضح كريم أنّ "التيار الصدري هو تيار سياسي اجتماعي مشارك بالعملية السياسية بعد 2003، وفي بناء الدولة وفي كثير من المؤسسات، ما يعطي خصوصية لموقفه"، مشيراً إلى أنّ هذا الموقف "تعقد أكثر اليوم".
وبحسب كريم، فإنّ "الدستور العراقي يسمح لمن يشارك ولمن يقاطع، لكن ماذا بعد المقاطعة؟ فهذه الخطوة ليست كافية"، مبيّناً في هذا السياق، أنّه "يُفترض أن يكون هناك برنامج بعد المقاطعة، وخصوصاً من طرف مهم جداً ومشارك بالعملية السياسية وبناء الدولة العراقية".
فبدلاً من المقاطعة، تمنّى كريم لو أنّ التيار "مشارك في مجلس النواب كمعارضة سياسية"، أو أن يدعم نخباً تمتلك رأياً سياسياً، ومن ثم تصعّدها لإدارة مؤسسات الدولة وللتعاون فيما بينها.
ما أهمية هذه الانتخابات في التوقيت الحالي؟
وبناءً على هذا الواقع الذي يشهده العراق، فإنّ أهمية الانتخابات الكبرى والجوهرية "لا تكمن في صناديق الاقتراع بعد هذه الدورات، وإنّما تكمن في ما يمكن لهذه الصناديق أن تفرزه في المعادلة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفق كريم، إذ يُفترض، بعد تجاوز الانتخابات، أن "يكون العمل على إصلاح المؤسسات وإصلاح الدستور، والعمل على برامج جديدة، وإنتاج خدمات واقعية تخفف عن كاهل المواطن، ما يؤثّر إيجاباً عليه، ويشعره أنّه جزء من القرار السياسي".
وفيما يتعلق بنسبة المشاركة المتوقعة في الانتخابات، لفت كريم إلى أنّ هناك رأياً سائداً أنّه كلما ارتفعت نسبة المشاركة، أعطى ذلك شرعية للنظام السياسي"، في حين أنّ "نسبة المشاركة السياسية بالانتخابات وصناديق الاقتراع تعطي قيمة للمقعد، فالشرعية الحقيقية التي ينظر إليها الرأي العام هي مشاركة النخب العراقية بتنوعاتها، ومدى اندماجها وتناغمها وثقتها بمؤسسات الدولة"، معرباً عن اعتقاده بأنّ هناك "إخفاقاً كبيراً حدث ما بين مفاصل الدولة المتمثلة بالسياسيين وما بين النخب التي تقود الجماهير بفئاتها الجماهيرية المختلفة".
شراء البطاقات ودفع مبالغ للناخبين
ومع توزيع أكثر من مليون وربع المليون بطاقة بايومترية بين الناخبين حتى الآن، وذلك بعد مرور أكثر من 20 يوماً من بدء توزيع البطاقات، بحسب المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، تنتشر معلومات في الأوساط الاجتماعية عن وجود حالات لبيع الأصوات وسحب بطاقة الناخب من قبل المرشحين وإرجاعها يوم الانتخابات، مع الطلب من الناخب توثيق تصويته للمرشح المعني من خلال التصوير، فيما هناك معلومات أيضاً عن وجود جهات تقوم بشراء البطاقات الانتخابية وإتلافها بهدف تقليل نسبة المشاركة، أو استهداف مكون معين، الأمر الذي وصفه كريم بأنّه "خيانة كبرى للدولة العراقية وللدماء التي روت أرض العراق في سبيل إنتاج نظام يحفظ الشعب وسيادة البلاد"، مشدداً على أنّ "من اشترى الأصوات ومن باع صوته يعني أنّه مشارك بعملية الخراب".
وعليه، وجّه عدد من النواب، طلباً رسمياً إلى هيئة النزاهة الاتحادية، لاتخاذ إجراءات رادعة إزاء هذه الممارسات التي تنتهك نزاهة وشفافية العملية الانتخابية، وتؤثر على إرادة الناخبين.
في الخلاصة، يبدو المشهد السياسي مشحوناً وسط منافسة قوية بين آلاف المرشحين، ووسط شارع يريد التغيير وبرامج واقعية تُطبّق على الأرض، فيما يبقى السؤال عمّا إذا كانت هذه الانتخابات ستفتح صفحةً جديدة في المشهد السياسي العراقي.