خسائر اقتصادية فادحة في غزة: تدمير الأبراج والمرافق الحيوية
في إثر العدوان الإسرائيلي المستمر، تحولت العديد من الأبراج السكنية والتجارية في غزة إلى ركام، ما ألحق أضراراً جسيمة بالاقتصاد المحلي وزاد معاناة السكان مع ارتفاع معدلات البطالة والفقر.
-
خسائر اقتصادية فادحة في غزة: تدمير الأبراج والمرافق الحيوية
في مشهد مأساوي، تحولت الأبراج السكنية والتجارية والأسواق المركزية في مدينة غزة إلى ركام في إثر غارات الاحتلال الإسرائيلي، ما ألحق أضراراً جسيمة بالاقتصاد المحلي وأدى إلى نزوح آلاف السكان، كما عطّل الإعلام والخدمات الصحية والتجارة الصغيرة، وحرم السكان وسائل رزقهم اليومية، مع تفاقم الأزمة بعد عامين من العدوان المستمر والقصف المكثف.
الهوية والمراكز الحيوية في خطر
وفي قلب حطام غزة، حيث تنهار الأبراج، يقول المسن أيوب أبو حليمة (72 عاماً): "غزة ليست مجرد حجارة وأسواق، بل تاريخ حي يروي قصص أجدادنا، وأبراجها الحديثة كانت قلب الاقتصاد وعين الحياة، وما دُمِّر ليس إسمنتاً وحديداً، بل روح المدينة وهويتها"، مضيفاً أنّ "انهيار الأبراج السكنية والتجارية لم يمس الاقتصاد فقط، بل مسّ ذاكرتنا الجماعية، فكلّ شارع وزاوية كانت تحمل ذكرى، واليوم صارت كلها ركاماً".
ويشير أبو حليمة للميادين نت، إلى أنّه برغم الدمار، فإنهم باقون، يحملون تاريخ المدينة في قلوبهم، صامدون كما صمد أجدادهم عبر القرون، معترفاً بأنّ الأثر النفسي والاقتصادي لهذا الدمار لن يزول بسهولة.
مكتب نوال الشوا، صاحبة مؤسسة خيرية، تحوّل إلى ركام بعد الغارات الأخيرة، فاختفى مكان العطاء الذي كان يقدم الغذاء والدواء والتعليم لأكثر من ألفي أسرة، مخلفاً خسائر مادية ونفسية جسيمة.
وتؤكد الشوا في حديثها إلى الميادين نت أنّ "المكتب الذي كان مركزاً لإدارة العمليات والخدمات أصبح خارج الخدمة، وتضرّرت المستودعات التي تحتوي على المساعدات الأساسية للفئات الأكثر ضعفاً، ما أوقف جزءاً كبيراً من الخدمات الإنسانية، كما أدّى العدوان إلى إخراج عشرات المنشآت الاقتصادية عن الخدمة، بما في ذلك الأسواق والمصانع والفنادق، ما أفقد آلاف العمال وظائفهم وعطّل حركة رأس المال ورفع معدلات البطالة والفقر.
وتلفت الشوا إلى أن الخسائر طالت المراكز الحيوية كالجامعات والمستشفيات، مما حوّل آلاف الأسر من منتجة إلى معتمدة على المساعدات الإنسانية، داعية إلى التحرك العاجل لحماية المدنيين والمؤسسات الإنسانية.
خسائر فادحة وأعمال متوقفة
أما الغزاوي محمد القيشاوي، صاحب برج سكني دُمّر بالكامل، فيوضح للميادين نت أنّ برجه الذي كان يضمّ عشرات الشقق والمكاتب والمحلات تحوّل إلى ركام، تاركاً عشرات الأسر بلا مأوى وبلا مصدر رزق يومي.
ويؤكد القيشاوي أنّ تدمير الأبراج لم يقتصر على مس حياته الشخصية، بل عطّل الاقتصاد المحلي وأوقف المشاريع الصغيرة التي توفر فرص عمل للشباب، مخلفاً ندوباً عميقة في النفوس.
ويشدد على أنّ هذا التدمير الممنهج يشكل جزءاً من سياسة الاحتلال لتهجير السكان، عبر القضاء على مساكنهم ومصادر رزقهم، مستهدفاً بذلك ليس المباني فحسب، بل روح غزة وهويّتها واستقرارها الاجتماعي.
وسط ركام غزة، تحوّل مركز سامي عجّور التجاري، رمز النشاط الاقتصادي، إلى أنقاض بعد تدميره، مخلّفاً خسائر كبيرة على الموظفين وأسرهم، بينما شملت الأضرار الأسواق الشعبية، ما أوقف الحياة التجارية بالكامل.
يقول سامي عجور في حديثه إلى الميادين نت إنّ تدمير مركزه التجاري لم يُلحق به خسارة مادية فحسب، بل ترك أثراً نفسياً عميقاً وأوقف الأعمال تماماً، مما جعل التعافي شبه مستحيل في الوقت الحالي، مضيفاً أنّ المركز كان يوفّر مصدر رزق لعشرات الموظفين الذين يعيلون أسرهم، كما كان يشكل جزءاً من دورة اقتصادية واسعة تربط الموردين والتجار والعمال في المدينة.
ويشير عجور إلى أن خسائر الأبراج والأسواق أثّرت على اقتصاد المدينة بأكمله، وعطّلت الإمداد والعمل، وزادت معاناة السكان الذين فقد الآلاف منهم منازلهم ويواجهون البطالة والفقر، معتبراً أن ذلك جزء من استراتيجية الاحتلال لإضعاف الصمود وتهجير السكان.
بحلول نهاية 2024، شهد قطاع غزة انكماشاً حاداً في الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 82%، وارتفعت البطالة إلى أكثر من 80% وانخفضت الإنشاءات بنسبة 98% إلى 332 مليون دولار، والصناعة بنسبة 90% إلى 1,038 مليون دولار، بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
وقدّر تقرير للأمم المتحدة في شباط/فبراير 2025 تكلفة إعادة إعمار القطاع بـ53 مليار دولار، مع تخصيص أكثر من 20 مليار دولار للسنوات الثلاث الأولى.
قصف الأبراج يضاعف الفقر والبطالة
بدوره، يؤكد الخبير الاقتصادي سمير أبو مدللة أنّ تدمير الأبراج في غزة له أثر اقتصادي مباشر وكبير، ليس فقط على أصحاب الشقق والمكاتب، بل على الاقتصاد الفلسطيني ككل، إذ يخسر أصحابها مئات الآلاف من الدولارات وتتوقف المؤسسات عن العمل، ما يؤدي إلى فقدان الوظائف وفرص الدخل وزيادة الفقر والبطالة.
ويشير أبو مدللة في حديثه إلى الميادين نت، إلى هجمات الاحتلال ممنهجة وتستهدف جميع الأبراج بدون تمييز، بما في ذلك المكاتب الخدمية والإعلامية والبنوك، خاصة مع توقف المصانع والمؤسسات الإنتاجية والأراضي الزراعية عن العمل، ما يضاعف الخسائر بشكل كبير.
ويوضح الخبير الاقتصادي، أنّ استهداف الأبراج يزيد معاناة المواطنين ويغير أولويات الإنفاق، ويضعف الطلب المحلي، حيث ارتفعت البطالة من 45% قبل العدوان إلى 83%، وانتشر الجوع وانعدام الأمن الغذائي، ويعتمد 95% من السكان الآن على المساعدات مقابل 60% سابقاً.
ويشدد أبو مدللة على أنّ إعادة بناء الأبراج صعبة ومكلفة وتتطلب جهوداً دولية، مؤكداً أن الهجمات تشكل "عقاباً جماعياً" لتدمير الاقتصاد والبنية الحضرية، وليس لها علاقة بالمقاومة كما تزعم "إسرائيل".
توقف التجارة والخدمات
من جهته، يؤكد المتحدث باسم بلدية غزة عاصم النبيه، أنّ "العديد من أسواق المدينة تعرضت لدمار جزئي وكلي، ما أدى إلى فقدان مصادر دخل الكثير من الباعة والعاملين"، مبيناً أنّ الدمار الكامل شمل سوق الشيخ رضوان وسوق الشجاعية وسوق الخضار، بينما تضررت أسواق أخرى بأضرار متفاوتة.
ويلفت النبيه للميادين نت إلى أنّ هذه الأسواق أساسية لحياة المواطنين، وعطل الدمار الأنشطة التجارية وزاد الضغط على الاقتصاد والمعاناة الاجتماعية واعتماد العائلات على المساعدات.
وفي الإطار ذاته، يقول مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، إسماعيل الثوابتة، إنّ العدوان المستمر دمّر أكثر من 1,600 برج سكني وألحق أضرارًا بأكثر من 2,000 برج، إضافة إلى 13,000 خيمة للنازحين، ونزح أكثر من 350,000 مواطن منذ سبتمبر 2025.
ويشير الثوابتة للميادين نت إلى أنّ نحو 90% من البنية التحتية في القطاع تأثرت، ما أوقف التجارة والخدمات وعرقل الدورة الاقتصادية بالكامل، معتبراً أنّ القصف الذي استهدف المدنيين وآلاف الخيام بشكل مباشر، جريمة حرب تهدف إلى تدمير البنية الاجتماعية والاقتصادية وفرض واقع ديموغرافي بالقوة.
ودمّر الاحتلال نحو 5,000 منشأة اقتصادية و195 مقراً حكومياً و113 مدرسة وجامعة، وتضررت 323 مؤسسة جزئياً، فيما بلغت الخسائر المباشرة في اقتصاد غزة نحو 33 مليار دولار حتى نهاية أيلول/سبتمبر 2025، وفقاً للثوابتة.
تهديد متعمد للهوية التاريخية
وفي السياق، حذّر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان من الدمار الواسع في مدينة غزة، الذي طال الأحياء الشعبية والمباني التاريخية والأسواق والمتاحف والمقابر، مهدداً محو التراث المادي واللامادي وطمس الهوية التاريخية للمدينة.
وأكد الأورومتوسطي في بيانه أنّ المواقع المحمية بموجب اتفاقية لاهاي 1954 تتعرض لاستهداف متعمد ضمن استراتيجية لمحو الهوية الفلسطينية والذاكرة الجماعية، حيث دمّر القصف المدفعي والجوي والجرافات والعربات المفخخة مئات الوحدات السكنية وألحق أضراراً بالأحياء القديمة والمساجد والأسواق والمواقع الأثرية.
ودعا المرصد المجتمع الدولي للتحرك العاجل لحماية التراث ومحاسبة المسؤولين وفرض عقوبات على "إسرائيل"، محذراً من أن استمرار هذا المسار قد يؤدي إلى تدمير شامل يهدد حق الفلسطينيين في البقاء والحفاظ على إرثهم الحضاري.