دروز سوريا يواجهون مخطط تطييف المجتمع: لسنا درعاً لـ"إسرائيل"
يحاول الاحتلال الإسرائيلي تطييف المجتمع السوري للذهاب لاحقاً نحو الفدرلة أو التقسيم، لكن دعوة نتنياهو لحماية "الأقلية الدرزية" لاقت استنكاراً من قبل الأهالي في الجنوب السوري وتحديداً في السويداء.
-
دروز سوريا يواجهون مخطط تطييف المجتمع: لسنا درعاً لـ"إسرائيل"
"قاعدتي الأساسية في الحياة أن أقف دوماً في الجهة المقابلة لإسرائيل"، بهذه الكلمات عبّر الناشط السوري جلال حردين عن رأيه بتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن سوريا، وتهديده كل من يقترب من أبناء الطائفة الدرزية في الجنوب السوري، وتأكيده أن جيش الاحتلال سيحتفظ بالمواقع التي توغل فيها داخل سوريا كـ"إجراء دفاعي" وفق زعمه.
حردين أشار للميادين نت إلى أن "نتنياهو العنصري الذي أظهر وجهه الحقيقي في فلسطين المحتلّة وجنوب لبنان من خلال عمليات الإبادة الجماعية للمدنيين واحتلال الأراضي؛ يحاول اليوم تكرار الأمر نفسه في سوريا، مستفيداً من الموقف الأميريكي الداعم لمخططاته، إلا أن السوريين سيقفون بوجه هذه الأهداف بإظهار تماسكهم ووحدتهم، برغم الجراح التي يعيشونها والمرحلة الحسّاسة التي يمرّون بها، عقب سقوط نظام الأسد".
أهالي السويداء يردّون على نتنياهو
لم يُخفِ رئيس الوزراء الإسرائيلي موقفه التحريضي بشأن الأحداث الجارية في سوريا، فحاول اللعب على الوتر الطائفي بمغازلة أبناء الطائفة الدرزية والدعوة لحمايتهم من الإدارة السورية الجديدة، قائلاً إن "دروز سوريا هم امتداد لدروز الأراضي المحتلة".
لكن دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لحماية "الأقلية الدرزية" لاقت استنكاراً من قبل الأهالي في الجنوب السوري وتحديداً في السويداء ذات الغالبية الدرزية، الذين أصرّوا على انتمائهم الوطني لسوريا، ورفضهم المطلق لمخططات نتنياهو في بلادهم.
وبرغم تسجيلهم لعدد من الملاحظات تجاه سلوك الحكم الجديد في دمشق، وتحفظهم على الآلية التي يحاول من خلالها "فرض شرعية ثورية" بدلاً من سلوك الطرق الديمقراطية للبقاء في السلطة، إلا أن الدروز السوريين عبّروا من خلال وقفات احتجاجية على موقفهم المبدئي والراسخ بالانتماء إلى سوريا بعيداً من التدخلات الخارجية، وخاصّة تلك التي أطلقها نتنياهو قبل أيام.
الصحافي فارس جاد الله ابن مدينة السويداء يؤكد للميادين نت أن "نتنياهو يلعب على الوتر الطائفي لتنفيذ مخططاته داخل سوريا، مستغلّاً ضعف السلطة الجديدة المنشغلة بالقضايا الأمنية المعيشية والاقتصادية والسياسية الداخلية، وهذا ما دفع جيش الاحتلال الإسرائيلي للهجوم المُباغت على جبل الشيخ ثم التوغل بريّاً في القنيطرة ودرعا، بعد تدمير ترسانة الجيش السوري العسكرية، وكل ذلك كان حلماً مستحيلاً لنتنياهو في السابق".
وعن الوضع في السويداء وردّ الفعل الشعبي تجاه تصريحات نتنياهو، يؤكد جاد الله أن "الدروز لا يعيرون أيّ أهمية لكلام رئيس الوزراء الإسرائيلي المعروف بتاريخه الدموي، والذي يسعى اليوم لتحقيق مكاسب سياسية جديدة على حساب الدم السوري والأرض السورية، كما أن الدروز لم يطلبوا من أحد حمايتهم لا سابقاً ولا حالياً ولن يطلبوها مستقبلاً".
واقع جديد
منذ سقوط نظام الأسد في الثامن من كانون الأول الماضي/ديسمبر أمعنت قوات جيش الاحتلال في توغلها داخل الأراضي السورية، وفرضت سيطرتها على المنطقة العازلة بين القنيطرة والجولان المحتل، برغم أن المنطقة قائمة بموجب قرار دولي تم التوصل إليه عام 1974، بعد حرب تشرين الأول/أكتوبر التي جرت عام 1973، ويقضي القرار بجعل المنطقة منزوعة السلاح وتُشرف عليها قوات دولية.
وبعد ذلك، تابعت القوات الإسرائيلية توغّلها في الأراضي السورية نحو الحدود الإدارية لمحافظة درعا من جهة القنيطرة، ثم عمدت إلى إغراء المدنيين السوريين ضمن المناطق التي سيطرت عليها بنقلهم للعمل داخل الأراضي المحتلّة مقابل رواتب كبيرة تصل إلى 100 دولار يومياً، مُستغلّة الوضع المعيشي المتردّي الذي تشهده سوريا حالياً.
الصحافي جعفر مشهدية يؤكد للميادين نت أن "إسرائيل تحاول منذ سقوط نظام الأسد فرض واقع جديد في سوريا عبر طرق متعددة، بداية من استهداف بنية الجيش السوري العسكرية وتدميرها بشكل كامل، حتى لا تقع الأسلحة بيد أيّ جهة ممكن أن تستخدمها في مقاومة الكيان، إضافة إلى قيام الجيش الإسرائيلي باحتلال مساحات جديدة من الأراضي السورية في القنيطرة وريف درعا، كما حاولت تل أبيب فرض واقع جديد في الجنوب السوري من خلال تصريحات قادة الكيان عن السيطرة العسكرية على الجنوب والذريعة حماية الدروز في سوريا".
ويرى مشهدية أن "إسرائيل تحاول تطييف المجتمع السوري للذهاب لاحقاً نحو الفدرلة أو التقسيم، فيما يستغلّ نتنياهو وجود شخصيات درزية متآلفة معه في فلسطين المحتلة للإيحاء بأن دروز سوريا تحت سلطته، لكن ما يهم رئيس الوزراء الإسرائيلي حالياً هو السيطرة على سوريا، من خلال توسيع التدخل العسكري الميداني وتعويم النفوذ السياسي الإسرائيلي، وبذلك يحاول نتنياهو تشجيع مكونات أخرى على طلب الحماية الخارجية، وبالتالي تصبح عملية التقسيم أو الفدرلة أسهل، وهنا يمكن تحقيق حلم ممر داوود الذي يصل الأراضي المحتلّة بكردستان العراق".
ويكشف مشهدية عن وجود حالة من التناحر حالياً بين تركيا و"إسرائيل" لفرض النفوذ الأكبر داخل سوريا، لذلك اندفع نتنياهو سريعاً بعد سقوط نظام الأسد، مستغلّاً حالة الفوضى والوضع الأمني الهشّ والوضع المعيشي المتردي لتنفيذ أجندته السياسية والعسكرية.
يعلم السوريون حجم الخطر الذي تحمله التصريحات الإسرائيلية تجاه وطنهم، ويعلمون أيضاً المرحلة المفصلية التي تمرّ بها بلادهم على جميع المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية، لكنهم في المقابل يرفضون بما لا يدع مجالاً للشك جميع المحاولات الإسرائيلية الرامية إلى فرض الوصاية عليهم والسيطرة على جزء كبير من وطنهم، لذلك فإن السوريين اليوم مطالبون بتعرية أيّ مساعٍ خارجية تهدف لتقسيمهم مناطقياً وطائفياً، وهذا الأمر لا يتحقق إلا من خلال الحوار الوطني الشامل بين مختلف المكونات السورية لبناء دولة قوية تعتمد على جميع أبنائها.