سوريا تواجه أزمة دواء خانقة: 80% من أدوية الأمراض المزمنة مفقودة
بحسب إحصائيات رسمية، لا يتوفر حالياً في سوريا سوى 20% من الاحتياجات الفعلية للأدوية لبعض أنواع السرطانات، فيما نفدت الكمية تماماً لأنواع أخرى، الأمر الذي ينذر بكارثة صحية.
-
سوريا تواجه أزمة دواء خانقة: 80% من أدوية الأمراض المزمنة مفقودة
"كارثة إنسانية".. ربما هو الوصف الدقيق لما يمرّ به القطاع الطبي داخل سوريا خلال الوقت الحالي، في ظلّ النقص الحاد في أدوية الأمراض السرطانية والمزمنة في المستشفيات الحكومية، التي كانت تقدمها بشكلٍ مجاني خلال السنوات الماضية، فيما تسجل أسعار هذه الأدوية أرقاماً خيالية في الصيدليات الخاصّة، إن وجدت أصلاً.
ومؤخراً، أطلقت وزارة الصحة السورية نداءً إنسانياً عاجلاً إلى المنظمات الدولية لتوفير أدوية الأمراض المزمنة، معتبرة أن نقص أدوية علاج السرطان واحد من أعقد التحديات التي يواجهها القطاع الصحي خلال الفترة الحالية.
وكشف مدير التخطيط والتعاون الدولي في وزارة الصحة، زهير قراط، خلال مؤتمر صحافي أن هذه الأزمة تؤثر بشكل كارثي على حياة آلاف المرضى وعائلاتهم في مختلف أنحاء البلاد، وأصبحت أزمة صحية وإنسانية واسعة النطاق.
وبحسب إحصائيات رسمية، لا يتوفر حالياً في سوريا سوى 20% من الاحتياجات الفعلية للأدوية لبعض أنواع السرطانات، فيما نفدت الكمية تماماً لأنواع أخرى، الأمر الذي ينذر بكارثة صحية هائلة تطال المرضى، ويعرضهم لفقدان الفرصة في العلاج المناسب، ويزيد من نسبة الوفيات بهذا المرض.
ويعتمد مرضى السرطان في سوريا على مستشفى "البيروني" الحكومي للحصول على الدواء والجرعات الكيماوية بشكل مجاني، لكن المستشفى بدأ مؤخراً يواجه أزمة دواء خطيرة، ما دفعه إلى تقنين الأدوية المقدمة للمرضى، لكنه في المقابل ما زال يؤمّن جرعات الكيماوي بشكل منتظم ومجاني.
"المرض والظروف علينا"؛ بنبرة يملؤها الانكسار يتحدث خالد صبوح (68 عاماً) إلى الميادين نت عن رحلته اليومية لتأمين دواء السرطان، متنقلاً بين مستشفى "البيروني" الحكومي والجمعيات الخيرية والصيدليات، فهو لا يملك القدرة على شراء الدواء بالكامل، إذ يتجاوز ثمن العلبة الواحدة أكثر من 75 ألف ليرة سورية (7.5 دولارات أميركية).
يقول صبوح: "أصبت بالمرض قبل 7 سنوات، وكنت أتلقى جرعات الكيماوي وأحصل على الدواء من مستشفى البيروني، لكن منذ 4 أشهر بدأت الكميات المتوفرة تنخفض تدريجياً، حتى إنّ بعض الأصناف انقطعت بشكل كامل، وهي أدوية ضرورية للعلاج، ولا يمكن الاستغناء عنها، كما أنها مرتفعة الثمن. لذلك، أحاول تأمينها اليوم عن طريق الجمعيات الخيرية التي تؤمّن لي جزءاً كبيراً من ثمنها، لكن المشكلة الأكبر أن أدوية الأمراض السرطانية شبه مقطوعة في الصيدليات الخاصّة. لذلك، فإن رحلة البحث عنها مهمة شاقّة إضافية".
إصابات بالآلاف وقدرة محدودة
دائرة الأمراض المزمنة والسرطانية في وزارة الصحة السورية كشفت عن ازدياد كبير بأعداد الإصابات بمرض السرطان، إذ تشهد سوريا سنوياً 1500 إصابة بين الأطفال.
وبحسب السجل الوطني لمرضى السرطان في سوريا، فإنّ عدد الإصابات المسجلة سنوياً يبلغ 17500 إصابة، فيما يتراوح عدد الوفيات سنوياً بين 15 و17 ألف وفاة، وتكون ذروة حدوث الإصابات عند الرجال بين 60 و64 سنة. أما ذروة حدوث الإصابات عند النساء، فتكون بين 50 و54 سنة.
ويعدّ معمل "كيور فارما" الوحيد الذي ينتج بعض أنواع الأدوية السرطانية داخل البلاد، وتحديداً 8 أصناف فقط، كما أنه لا يغطي الكمية التي يحتاجها جميع المرضى. وكانت الصحة السورية تلجأ خلال السنوات الماضية إلى منظمة الصحة العالمية والاستيراد من بعض الدول لتأمين حاجتها من هذه الأدوية، إذ كانت العقوبات الغربية تؤثر بشكل كبير في سلاسل التوريد والإمداد.
وبرغم الأوضاع المعيشية الصعبة التي يمرّ بها السوريون حالياً، لم يعد آلاف المرضى يستطيعون الحصول على الدواء اللازم لأمراضهم المزمنة، وهو ما يعمّق معاناتهم المعيشية والصحية على حدٍ سواء.
وحول هذه الأزمة، نشرت صفحة "سماعة حكيم" المختصّة بالشأن الطبي بياناً قالت فيه: "قبل 4 أشهر، كانت المستشفيات الحكومية قادرة على تأمين بعض أنواع الأدوية بشكل مجاني لمرضى السرطان والكلى والأمراض المناعية، لكن حالياً أكثر هذه الأدوية غير متوفر، وبالتالي فإن آلاف المرضى لديهم معاناة شديدة، فلا يوجد لديهم قدرة مادية لتأمين الدواء، برغم أنه يؤخذ بشكل دائم ودوري، وهو مرتفع الثمن، إن توفّر".
قبل الحرب في سوريا، اعتُبِرَتْ الصناعات الدوائية من بين الاستثمارات الأكثر نمواً، إذ كانت منتجاتها تغطي ما نسبته 93% من احتياجات السوق المحلية، لكن الإنتاج انخفض خلال سنوات الحرب إلى أقل من 70%، وبدأ التركيز ينصبّ نحو الاستيراد.
وتأثر الإنتاج بشكل كبير بخروج معامل عديدة من الخدمة، إضافة إلى العقوبات الاقتصادية التي طالت القطاع الطبي بشكلٍ مباشر، ومنعت استيراد المواد الأولية، والآلات، وقطع التبديل، وبعض مواد التغليف، إضافة إلى حظر وصول أدوية الأمراض المزمنة، ومنع عمليات التحويل المصرفية والبنكية. كل ذلك أدى إلى تضرر في البنية الأساسية للقطاع الطبي في البلاد.
ندرة المواد الأولية في المستشفيات الحكومية
ولا تقتصر الأزمة التي يعانيها القطاع الصحي داخل سوريا على أدوية الأمراض السرطانية والمزمنة، إذ تشهد المستشفيات الحكومية نقصاً حادّاً في المواد الأولية التي تعوق إجراء المعالجات الطبية الضرورية للمرضى أو تأجيل بعض العمليات الجراحية.
على سبيل المثال، يعاني مستشفى الأمراض الجلدية في دمشق منذ أسابيع انقطاع مادة "الآزوت السائل" اللازم لعلاج الإنتانات الجلدية. وبرغم أن المستشفى هو الوحيد المتخصص داخل العاصمة، فإنَّ أسئلة المرضى لا تجد غير جواب واحد: "غير متوفر حالياً".
وحول هذا الموضوع، تقول السيدة ليلى الأشقر للميادين نت: "منذ أسابيع، نراجع مستشفى الجلدية في منطقة البرامكة، والجواب دائماً: لا يوجد آزوت سائل. أخبرنا الأطباء أن المادة مقطوعة من الوزارة، وهم ينتظرون وصولها إلى المستشفى مجدداً لإعادة جدولة المواعيد للمرضى".
وتؤكد الأشقر المُصابة بإنتان جلدي في قدمها أنها بحاجة 7 أو 8 جلسات لوضع الآزوت السائل على المنطقة المُصابة، وهي لم تخضع حتى الآن إلا لجلستين، وتقول: "الجلسة الواحدة في المراكز الطبية الخاصّة تتراوح بين 75 ألفاً و100 ألف ليرة، وهذا ما يفوق قدرتي بكثير. لذلك، نأمل حلّ هذه المشكلة سريعاً، لكي أتمكن من استكمال العلاج".
في المقابل، شهدت بعض المستشفيات الحكومية داخل العاصمة دمشق خلال الأشهر الماضية نقلة نوعية على صعيد الخدمات، وتحديداً مستشفيات "المجتهد" و"المواساة" و"ابن النفيس"، التي شهدت عمليات إعادة تأهيل للمرافق الخدمية والبُنى التحتية.
وبدا جليّاً التغيّر الحاصل من خلال النظافة والتعقيم والخدمات وجدولة مواعيد المعاينات والعمليات، وهو ما يُعتبر تطوراً نوعياً عن وضع تلك المستشفيات خلال الأعوام الماضية.
ارتفاع أجور المعاينات
لأن "المصائب لا تأتي فُرادى"، يعاني السوريون اليوم ارتفاع تكاليف المعاينات الطبية لدى أطباء القطاع الخاص، إذ تصل كلفة معاينة الطبيب المختص بأمراض القلب والسكري في العاصمة دمشق إلى نحو 250 ألف ليرة سورية (25 دولاراً)، برغم أن راتب الموظف الحكومي لا يتجاوز حالياً 400 ألف ليرة (40 دولاراً)، في حين تبلغ أجور معاينة طبيب الأطفال 100 ألف ليرة (10 دولارات)، وذلك دون حساب تكلفة التحاليل وصور الأشعة.
وفي ظل هذا الواقع، يلجأ العديد من المرضى في غالب الأحيان إلى أداء دور "الطبيب"، من خلال شراء الأدوية من دون وصفة طبية، لعدم توفر سيولة مالية لمراجعة الأطباء، وخصوصاً في الحالات الصحية غير الطارئة.
أمام الأزمة الطبية التي تشهدها سوريا اليوم، بات لزاماً على الحكومة الجديدة التحرك سريعاً لمعالجة التحديات التي يواجهها القطاع الطبي، بدايةً من إحياء معامل الأدوية المتوقفة عن العمل، والاستفادة من تخفيف العقوبات الجزئي لفتح قنوات اتصال مع المنظمات الإنسانية الدولية والدول العربية والأجنبية لاستيراد الأدوية الضرورية للأمراض السرطانية والمزمنة، بهدف إنهاء معاناة آلاف المرضى الذين ينتظرون جرعة الدواء اليومية.