قسد تغلق المدارس الرسمية في الحسكة: آلاف الطلاب محرومون من الامتحانات
آلاف الطلاب في الحسكة مهددون بفقدان عامهم الدراسي بعد إغلاق "قسد" للمدارس الرسمية ورفضها أي حل بدون شروط سياسية.
-
قسد تغلق المدارس الرسمية في الحسكة: آلاف الطلاب محرومون من الامتحانات
أمام مكتب منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونسيف" في محافظة الحسكة شمال شرق سوريا، تجمّع المئات من طلاب شهادتي التعليم الأساسي والثانوي، وذويهم، للمطالبة بتحييد التعليم في مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية - قسد" عن أيّ تجاذبات سياسية، في صورة تعكس حالة اليأس التي وصل إليها الأهالي قبيل موعد الامتحانات النهائية، بعد إغلاق "قسد" عشرات المدارس الحكومية والاستيلاء عليها، ما يهدد بحرمان آلاف الطلاب من تقديم امتحاناتهم هذا العام.
وفي منتصف كانون الأول/ديسمبر الماضي، أعلنت هيئة التربية التابعة لـ"الإدارة الذاتية" إيقاف التعليم في عشرات المدارس الرسمية والمؤقتة بمحافظة الحسكة، بعد سقوط نظام بشار الأسد، ما أدى إلى إبعاد نحو 150 ألف طالب عن مقاعد الدراسة، بينهم قرابة 20 ألف طالب ضمن شهادتي التعليم الأساسي والثانوي، ورفضت "قسد" التفاوض حول فتح المدارس مجدداً منذ ذلك الحين إلى اليوم.
"حلم حياتي عم يتبخّر قدام عيوني"، هذا ما قاله سامح الفدوة (48 عاماً) للميادين نت تعليقاً على إمكانية عدم تقديم ابنه لشهادة التعليم الثانوي، وهو الذي كان ينتظر مشاهدته يدرس الطب في الجامعة العام المقبل.
يقول الفدوة: "قسد ترتكب جريمة بحق الإنسانية من دون رقيب أو حسيب، من خلال حرمان آلاف الطلاب من التعليم، ولذلك لم يبقَ أمام الأهالي خيار إلا التظاهر السلمي لإيصال الصوت إلى المنظمات الدولية، كي تضغط على قسد للعدول عن قرارها".
ويتابع الفدوة: "قسد تدفع الطلاب إما لفقدان عام دراسي كامل وتبديد أحلامهم، أو اللجوء إلى مدارس دير الزور لتقديم امتحانات الشهادات الإعدادية والثانوية، وهو خيار صعب للغاية نتيجة بُعد المسافة والمخاطر الأمنية، إضافة إلى أن انقطاع الطلاب عن الدراسة لأكثر من أربعة أشهر سيكون عاملاً سلبياً في حال تمكنوا من تقديم الامتحانات، ولن يحصلوا على الفرصة المناسبة لتحقيق أهدافهم".
جهود حكومية
الشهر الماضي، كشف وزير التربية السوري، محمد تركو، أن الوزارة توصّلت إلى تفاهمات مع "الإدارة الذاتية" التابعة لـ"قسد"، حول ملف التعليم شمال شرق البلاد.
وأعلنت الوزارة لاحقاً تمديد فترة التسجيل لتقديم الامتحانات العامّة في الحسكة والقامشلي حتى بداية الشهر الخامس، في محاولة لتذليل العقبات أمام الطلاب وتمكينهم من تقديم امتحاناتهم، إلا أن تلك المحاولات بقيت عاجزة أمام حلّ المشكلة، خاصّة أن "قسد" تضع شروطاً عديدة لإعادة تفعيل العملية التعليمية في مناطق سيطرتها.
وبحسب مصادر خاصّة للميادين نت فقد حددت هيئة التربية والتعليم التابعة لـ "قسد" 3 شروط لإعادة افتتاح المدارس الحكومية في مناطق سيطرتها، وهي:
- اعتراف وزارة التعليم العالي السورية بجامعة "روج آفا" الكردية التابعة لـ "الإدارة الذاتية"، وكلّياتها، ومعاهدها، ومنح خريجيها الدرجة العلمية المصدّقة، أسوة ببقية الجامعات السورية المعروفة.
- اعتراف وزارة التربية السورية بمناهج "الإدارة الذاتية" التعليمية، ومدارسها القائمة، وتخصيص التدريس باللغة الكردية لمن يرغب من الطلاب، وترك حرية الاختيار للأهالي والطلاب.
- إقامة امتحانات شهادتي التعليم الأساسي والثانوي في محافظة الحسكة ضمن مدارس "الإدارة الذاتية"، وتحت إشرافها، وبمراقبة مدرسين يتم تعيينهم من قبلها.
التعليم حرام على الفقراء
الأزمة الأخيرة دفعت بعض العائلات إلى تسجيل أبنائها في مدراس مدينة دير الزور، برغم بُعد المسافة والتكلفة المادية الكبيرة، إلا أن هذا الخيار بقي حكراً على التجار وأصحاب الأموال، في حين أن الفقراء، وهم النسبة الأكبر في مجتمع الحسكة والقامشلي، لم يتمكنوا من القيام بهذه الخطوة، وهم ينتظرون ما ستؤول إليه المفاوضات بين "قسد" ووزارة التربية السورية.
وفي هذا السياق، تقول السيدة بادية المحمد (52 عاماً) للميادين نت: "لا أحد يملك إجابة لأسئلتنا المتكررة ومعاناة أبنائنا المستمرة، والحلّ الوحيد أمام الطلاب هو الانتقال إلى دير الزور أو محافظة أخرى خلال فترة الامتحانات، وهو خيار لا يمكن لمعظم العائلات تحمّل تكلفته المادية؛ فكيف لربّ أسرة راتبه لا يتجاوز 700 ألف ليرة سورية أن يقوم بهذه الخطوة؟".
وتضيف المحمد: "المشكلة الأكبر هي عدم وجود أيّ تصريح حكومي لتفسير ما يجري، وتبديد مخاوف الأهالي، الذين ينتقلون باستمرار ما بين مديرية التربية السورية ومكاتب التعليم التابعة لقسد للحصول على معطيات إيجابية حول إمكانية حلّ المشكلة قبل موعد الامتحانات، إلا أن جميع المسؤولين في المنطقة لا يعرفون كيف ومتى ستنتهي الأزمة".
وأمام صعوبة الانتقال إلى مدينة دير الزور، وجد بعض الأهالي حلّاً إسعافياً، يقوم على استئجار سيارة لمجموعة من الطلاب بشكلٍ يومي، من أجل نقلهم إلى دير الزور خلال فترة الامتحانات، وتقاسم المبلغ المالي فيما بينهم، إلا أن هذه الخطوة تبدو خطيرة نظراً للوضع الأمني الهشّ في المناطق الفاصلة بين سيطرة "قسد" وسيطرة الحكومة السورية الانتقالية.
المناهج الكردية تغزو المجتمعات العربية
منذ سيطرتها على منطقة شرق الفرات في أقصى شمال شرق البلاد عام 2014، شرَعَت "قسد" في فرض مناهجها التعليمية الكردية، التي تتضمن أفكاراً حول "الدولة الكردية" وحدودها، وضرورة القتال لإقامتها بين سوريا والعراق وإيران وتركيا، باعتبارها حلم الشعب الكردي ويجب القتال لتحقيقه، إضافة إلى ذلك احتوت المناهج على أفكار وأقوال للزعيم الكردي عبد الله أوجلان، بينما أفردت المناهج مساحات واسعة للحديث عن الزعماء الكرد، في إشارة إلى ضرورة تخلي أبناء المجتمع السوري عن وطنهم، وزرع أفكار جديدة تناسب العقيدة الكردية الانفصالية.
ولم تغفل المناهج الجديدة عن عرض أحداث معاصرة متعلقة بالحرب الحالية، من خلال تأكيد فكرة "محاربة قسد لداعش بشكل فردي"، حيث مجّدت الدروس قادة "القوات"، فظهر في بعض الصور داخل المناهج قتلى من "قسد"، ومنهم فيصل سعدون، الذي قُتل عام 2016 في إقليم كردستان العراق، إضافة إلى ورود اسم أفيستا خابور المقاتلة الكردية التي فجرت نفسها في معارك عفرين بريف حلب شمال سوريا.
وحول هذا الموضوع، كشف معلمون للميادين نت أن المناهج التي فرضتها "قسد" تضم عدداً قليلاً من المواد التعليمية، ولا تغطي كامل العملية التربوية، وتقتصر على عدد محدود من المواد، هي اللغة الكردية، اللغة العربية، والرياضيات، والعلوم، كما أنها لا تغطي كامل العام الدراسي.
وخلال السنوات الماضية، أصدرت "الإدارة الذاتية" التابعة لـ"قوات سوريا الديمقراطية" قرارات متلاحقة بإغلاق المدارس والمعاهد الخاصّة التي تدرّس مناهج وزارة التربية السورية، في محاولة لدفع أهالي الجزيرة إلى الالتحاق بالمدارس التي تديرها "قسد"، وبالتالي إجبار الطلاب على تعلّم المناهج الكردية.
وفي عام 2022، حظرت هيئة التربية في "الإدارة الذاتية" تدريس مناهج نظام الأسد في جميع المدارس والمعاهد التعليمية ضمن مناطق شمال شرق سوريا، تحت طائلة فرض غرامة مالية والسجن بحق المخالفين.
وأثارت هذه الخطوة خلافات وانتقادات واسعة في المنطقة الشرقية، خصوصاً أنها أدت إلى حدوث شرخ تعليمي كبير بين المدارس الحكومية والمدارس التابعة لـ"الإدارة الذاتية".
كما ساهمت هذه الخطوات في ارتفاع معدلات الجهل ضمن محافظات شمال شرق سوريا، حيث كشفت معلومات للميادين نت أن نسبة الأمية ارتفعت خلال السنوات الأخيرة إلى 35%، بسبب تدمير عدد كبير من المدارس خلال الحرب، ومنع "قوات سوريا الديمقراطية" تدريس المناهج الرسمية في المناطق الخاضعة لسيطرتها، مما أجبر الكثير من الطلاب على الابتعاد عن مقاعد الدراسة.