مدارس بلا مقاعد كافية أو أقساط باهظة.. أي مستقبل للتعليم في العراق؟

يواجه قطاع التعليم في العراق أزمة متفاقمة مع بداية العام الدراسي، بين اكتظاظ المدارس الحكومية وسوء بنيتها، وارتفاع أجور المدارس الأهلية بشكل يفوق قدرة العائلات. ويطالب العراقيون الحكومة بخطط عاجلة لبناء آلاف المدارس الجديدة وإنقاذ العملية التعليمية.

0:00
  • مدارس بلا مقاعد كافية أو أقساط باهظة.. أي مستقبل للتعليم في العراق؟
    مدارس بلا مقاعد كافية أو أقساط باهظة.. أي مستقبل للتعليم في العراق؟

انتظر إبراهيم محمد (50 عاماً)، ابن مدينة ديالى وسط العراق، بداية شهر أيلول/سبتمبر لفتح باب الانتقال في مديريات التربية، من أجل نقل ابنه أحمد من مدرسته الحكومية إلى مدرسة أهلية خاصة.

أحمد ينتظره هذا العام اختبار صعب يتمثل بشهادة الصف السادس الابتدائي، وهو بحاجة إلى متابعة ودعم دراسي بجودة عالية، بعيداً عن الاكتظاظ الطلابي في المدارس الحكومية، وفق ما قاله والده إبراهيم للميادين نت.

ويؤكد محمد أن خيار النقل إلى المدرسة الأهلية كان صعباً للغاية، بسبب ارتفاع التكاليف المالية إلى مستويات كبيرة، تصل في بعض الأحيان إلى حدود مليوني دينار سنوياً (1400 دولار أميركي)، يُضاف إليها أجور النقل التي تصل إلى نحو 60 ألف دينار شهرياً.

إبراهيم محمد موظف حكومي، كما يعمل في فترة المساء على سيارة أجرة لتأمين مردود مالي مناسب لعائلته، لكنه سيضطر عند بداية العام الدراسي لاقتطاع جزء كبير من مدخوله لسداد الأقساط الشهرية لمدرسة ابنه الجديدة.

ويقول محمد: "اضطررت لنقل ولدي إلى مدرسة أهلية من أجل ضمان تعليم مناسب يساعده على عبور شهادة الصف السادس بنتيجة جيدة قبل انتقاله إلى المرحلة الإعدادية، ولعل أبرز الأسباب التي دفعتني لهذه الخطوة هو الاكتظاظ الشديد في المدارس الحكومية وسوء بنيتها التحتية، ما يتسبب بضعف تركيز الطلاب وعدم قدرتهم على استيعاب الدروس التعليمية بشكل جيد، لكن بالمقابل سأضطر لتحمل مصاريف إضافية تفوق قدرتي المادية".

حال إبراهيم محمد لا يختلف كثيراً عن العائلات العراقية التي ترهقها سنوياً التكاليف المرتفعة للمدارس الأهلية الخاصة، خصوصاً في ظل الارتفاع المستمر لأجور المدارس بشكل لا يتناسب مع القدرة المالية لشرائح كبيرة من العراقيين.

مشاكل المدارس الحكومية

في نهاية الشهر التاسع، يستعد ملايين الطلاب في مختلف المراحل لبدء عام دراسي جديد، لكن اللافت أن الكثير من العائلات بدأت تتجه إلى تسجيل أبنائها في المدارس الأهلية، مبتعدين عن المدارس الحكومية التي تعاني من الترهل الإداري والاكتظاظ الطلابي وقلّة النشاط الإثرائي.

وتلجأ العديد من المدارس الحكومية إلى العمل على فترتين أو ثلاث فترات في اليوم الواحد لاستيعاب العدد الكبير من الطلاب نظراً لقلة الأبنية، مما يؤثر على جودة العملية التعليمية. حيث تعاني الصفوف من اكتظاظ يصل إلى 50 طالباً في الفصل الدراسي، وهو ضعف المعدل الذي توصي به المعايير الدولية (25 طالباً). كما تحتاج غالبية المدارس إلى إصلاحات عاجلة، فالعديد منها يعاني من مشاكل في البنية التحتية الأساسية مثل الكهرباء.

ويبلغ عدد المدارس في العراق نحو 28 ألف مدرسة موزعة على مراحل رياض الأطفال والابتدائية والثانوية والمهنية، وفقاً لإحصائيات حديثة صادرة عن وزارة التربية. إلا أن هناك نقصاً كبيراً في الأبنية المدرسية بمقابل تزايد عدد الطلاب الذي تجاوز 12 مليون طالب، مما يستدعي بناء الآلاف من المدارس الجديدة في وقت قريب.

ورغم أن الحكومة العراقية أولت اهتماماً استثنائياً لقطاع التعليم خلال السنوات الأخيرة، وأدخلت مئات المدارس الجديدة إلى الخدمة، إلا أن الإحصائيات تؤكد الحاجة إلى بناء قرابة 10 آلاف مدرسة جديدة لسد العجز الحالي.

ويشكّل نظام الدوام الثنائي "الصباحي والمسائي" في المدارس الحكومية عبئاً إضافياً على العراقيين، خصوصاً العائلات التي لديها أكثر من طالب. وفي هذا السياق يكشف حيدر فاضل من محافظة النجف للميادين نت عن معاناته اليومية بسبب اختلاف أوقات دوام أبنائه، فهو إما يضطر إلى ترك عمله أكثر من مرة خلال اليوم، أو دفع أجور نقل مرتفعة لإعادتهم إلى المنزل.

ويقول فاضل، الذي يعمل سائق سيارة أجرة: "أطالب وزارة التربية باعتماد دوام موحّد لطلاب المدارس الحكومية لتخفيف الأعباء المالية، أو توفير خطوط نقل مدرسية بتكلفة منخفضة لتقليل الضغط عن الأسر العاملة".

أجور مرتفعة

لم يكن لجوء العائلات إلى المدارس الأهلية بالأمر السهل. فهذه المدارس باتت تتنافس فيما بينها بتقديم خدمات تحفيزية للطلاب، من أدوات لوجستية تسهّل عملية التدريس، إلى مناهج إضافية وخطوط نقل، لكنها أيضاً تتنافس بالأجور المرتفعة التي تثقل كاهل العائلات، في ظل غياب نظام رقابي على التكاليف المالية التي تفرضها.

وتتنوع أجور المدارس الأهلية بحسب المرحلة الدراسية والموقع والخدمات المقدمة، لكن بالمجمل تبدأ الأجور من 800 ألف دينار للطالب وتصل إلى نحو 4 ملايين دينار.

ويرى البعض أن المدارس الأهلية لا تخرج من خانة الاستثمار الربحي بعيداً عن الأهداف التربوية والتعليمية، مما أثّر بصورة ملحوظة على هذا القطاع الحيوي، حيث بات التنافس بينها قائماً على القشور أكثر من الجوهر التعليمي.

بالمقابل، يؤكد آخرون أن المدارس الأهلية توفر بيئة تعليمية أكثر مرونة وحداثة مقارنة بالمدارس الحكومية، فهي تعتمد مناهج وأساليب تدريس حديثة تركز على تنمية مهارات التفكير النقدي لا الحفظ والتلقين فقط، كما أن أعداد الطلبة في الصفوف أقل، مما يمنح المعلمين فرصة للتركيز على الفروق الفردية، إضافة إلى اهتمامها بالأنشطة واللغات الأجنبية، وهو ما يساعد على صقل شخصية الطالب وإعداده لسوق العمل منذ الصغر.

وبرغم أن المدارس الأهلية توفر نظاماً تعليمياً متطوراً يساعد على تنمية مهارات الطلاب، إلا أنها تبقى حكراً على فئات اجتماعية محددة بسبب ارتفاع أجورها السنوية، وهو ما يفرض على الحكومة العراقية ضرورة التحرك سريعاً لإنعاش التعليم الحكومي، وبناء مدارس جديدة، وتطوير البنية التحتية للمدارس الحالية، وزيادة الدعم المالي للقطاع ليكون منافساً حقيقياً للتعليم الخاص.

اخترنا لك