معابر شمال شرق سوريا: شريان الحياة المغلق أمام المدنيين
إغلاق المعابر بين مناطق سيطرة "قسد" والحكومة الانتقالية شمال شرق سوريا يحرم آلاف المدنيين من الوصول إلى مستشفيات دمشق، جامعاتهم، وأعمالهم، بينما تتأثر الأسواق المحلية بشكل مباشر بغياب البضائع وارتفاع الأسعار.
-
معابر شمال شرق سوريا: شريان الحياة المغلق أمام المدنيين
"والله أنا مريضة سرطان ولازم آخد الجرعة"، بصوت يملؤه التعب والحيرة، صرخت السيدة عفاف خالد عند معبر "الطبقة" بريف الرقة شمال شرق سوريا، في محاولة يائسة لفتح أبواب المعبر الموصدة منذ أيام، بفعل التوتر العسكري بين حكومة دمشق الانتقالية وقوات سوريا الديمقراطية - "قسد"، وهو ما حرم آلاف الأشخاص من التنقل بين مناطق سيطرة الطرفين.
السيدة عفاف (56 عاماً)، تحصل على جرعة شهرية من العلاج الكيميائي في مشفى "البيروني" بدمشق، لذلك فهي تنتقل من محافظة الحسكة إلى العاصمة برّاً في رحلة طويلة تستغرق أحياناً 14 ساعة كاملة، بسبب وجود العديد من الحواجز العسكرية على طول الطريق، سواء في المناطق التي تسيطر عليها "قسد"، أو تلك الخاضعة لسيطرة الحكومة، لكن السيدة اصطدمت هذه المرة بإغلاق المعبر نتيجة التوتر العسكري، بدون تحديد موعد لافتتاحه مجدداً.
وتقول للميادين نت: "لا يوجد في المنطقة الشرقية بأكملها أيّ مركز لعلاج السرطان أو تقديم الجرعات الكيميائية، ومعظم الأهالي يسافرون إلى دمشق لتلقي العلاج، وهي رحلة شاقّة بسبب المدة الطويلة، كما أنها مكلفة للغاية، فالأمر لا يقتصر على أجور المواصلات، وإنما تكاليف الإقامة في دمشق في حال تأخر موعد الجرعة، أو في حال إغلاق المعبر كما حدث معي قبل شهرين، حينما اضطررت للبقاء مع زوجي لعشرة أيام في العاصمة".
لا يختلف وضع السيدة عفاف خالد عن آلاف المرضى والطلاب والعاملين من سكان المنطقة الشرقية الذين ينتظرون فتح المعابر للذهاب إلى أعمالهم، وأيضاً أولئك الذين ينتظرون على الجانب الآخر من المعبر للوصول إلى عائلاتهم، وهذا الأمر لا يقتصر فقط على معبر "الطبقة - أثريا"، وإنما يمتد إلى كامل المعابر الفاصلة بين مناطق "قسد" ومناطق الحكومة الانتقالية.
وتسيطر "قوات سوريا الديمقراطية" على مناطق شمال شرق سوريا، وهي المناطق المعروفة بمصطلح "شرق الفرات"، والتي تفصلها عن مناطق سيطرة الحكومة الانتقالية مجموعة من المعابر البرية، بداية من دير الزور شرقاً وصولاً إلى ريف حلب غرباً، وهذه المعابر تكون ثنائية السيطرة، حيث يوجد على كل معبر حاجز لـ "قسد" وبعده بعشرات الأمتار حاجز للقوات الأمنية الانتقالية.
المدنيون ضحايا التوتر العسكري
لطالما ارتبط فتح وإغلاق المعابر في مناطق شمال شرق سوريا بمؤشر التوتر السياسي والعسكري بين "قسد" والحكومة الانتقالية، فعند تسجيل أيّ توتر عسكري يتم إغلاق المعابر تحسباً لمعركة وشيكة بين الطرفين، وهو ما حصل مؤخراً بعد الاشتباكات المحدودة في حييّ الشيخ مقصود والأشرفية بمدينة حلب، والتي كادت أن تتحول إلى معركة واسعة، إلا أن الجهود الدولية والإقليمية حالت دون تمدد الاشتباكات، ونجحت الوساطة في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، لكن ذلك لم يمنع إغلاق المعابر بوجه المدنيين بشكل كامل، بدون أيّ مراعاة لوجود مرضى وطلاب وموظفين وشحنات غذائية وطبية.
محمد سليمان (60 عاماً) تقاعد مؤخراً من عمله في إحدى المؤسسات الحكومية في مدينة الحسكة شمال شرق البلاد، وتوجه مستقلاً حافلة نقل الركاب إلى دمشق من أجل إتمام إجراءات التقاعد في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية في العاصمة دمشق، لكنه تفاجأ بعد رحلة 5 ساعات من الحسكة إلى الطبقة بأن معبر "الطبقة - أثريا" مغلق بدون توضيح الأسباب.
وبعد انتظار إضافي أمام المعبر لمدة 6 ساعات، اضطرت الحافلات للعودة إلى الحسكة بعد فقدان الأمل من فتح المعبر قريباً أمام حركة المدنيين.
"لإيمتى هالحالة؟ والله تعبنا من إغلاق المعبر"، كلمات تحدث بها محمد سليمان في طريق عودته من المعبر إلى مدينته الحسكة؛ يقول للميادين نت: "الجميع داخل الحافلة طلاب وموظفون ومرضى يراجعون مشافي دمشق، فلماذا لا يسمحون لنا بالعبور؟ ولماذا كل طرف يلقي بالمسؤولية على الطرف الآخر؟"، ويضيف سليمان: "المدنيون هم الضحية دائماً للصراعات العسكرية".
أما الشاب فراس المجفور، وهو طالب في كلية الصيدلة بجامعة دمشق، فيؤكد للميادين نت أنه يسعى للوصول إلى العاصمة من أجل تقديم امتحان الدورة التكميلية الأخيرة في الجامعة، وفي حال عدم تمكنه من العبور خلال يومين، فإن تخرجه الجامعي سيتأجل إلى العام المقبل، لذلك طالب بفتح المعبر لساعات بشكل يومي من أجل عبور المرضى والطلاب والحالات الضرورية.
أسواق شرق الفرات تترقب
على الجانب الآخر من المعبر، وتحديداً في منطقة "أثريا"، تقف عشرات الشاحنات المحملة بالبضائع والمواد الغذائية، منتظرة السماح لها بالعبور نحو مناطق شرق الفرات، حيث تشكّل هذه البضائع رافداً أساسياً للأسواق المحلية في محافظات الشرق السوري، وبالتالي فإن تأخر الشاحنات يعني حدوث خلل في الأسواق.
وتؤكد مصادر محلية أن إغلاق المعابر ينعكس مباشرةً على الأسعار في الأسواق، وفي كل مرة يتم الإعلان فيها عن إغلاق جزئي أو كامل للمعابر يسارع التجار إلى رفع أسعار مختلف أنواع المواد الغذائية، وسط غياب كامل للرقابة التموينية، وهذا ما يشكّل معاناة إضافية للمدنيين في شرق الفرات.
وفي هذا السياق، أكد بعض أهالي الحسكة للميادين نت أن أسعار مختلف المواد الغذائية والخضار والفواكه وبعض مواد البناء شهدت ارتفاعاً بنسبة 10 إلى 25% خلال الأيام القليلة الماضية.
أمام هذا الواقع، تتصاعد المطالب الشعبية بتحييد المعابر البرية عن أيّ صراع عسكري أو توتر سياسي، لأن تلك المعابر تعتبر شريان الحياة للطلاب والموظفين والمصابين بأمراض مزمنة، وهذا ما يفرض على "قسد" والحكومة الانتقالية ضرورة إيجاد حلول عاجلة لإنهاء معاناة المدنيين بشكل كامل، أو العمل على تحديد ممر إنساني يكون مخصصاً للحالات الطارئة فقط.