من الفاشر إلى طويلة.. نساءٌ يروين رحلة العذاب وانتهاك أجسادهنّ
شهادات نساءٍ وناجين من مدينة الفاشر تكشف حجم الانتهاكات المروّعة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع ضد المدنيين خلال سقوط المدينة، بين التعذيب والاغتصاب والجوع والموت على الطرقات.
-
من الفاشر إلى طويلة.. نساءٌ يروين رحلة العذاب وانتهاك أجسادهنّ
في مدينة الفاشر المنهكة بالحرب، تُروى اليوم حكايات أليمة لنساءٍ وأطفالٍ لم يحملوا معهم سوى ذكريات الخوف والدمار تحت القصف والرصاص.
خرجت نساءٌ كثيرات سيراً على الأقدام في رحلة هروبٍ شاقة، بحثاً عن حياةٍ آمنة بعد أن تحوّلت بيوتهن إلى رماد على الطريق الرابط بين مدينة الفاشر وبلدتي قرني وطويلة.
لم تكن النجاة سهلة، إذ تعرّضت العديد من النساء لانتهاكات على يد قوات الدعم السريع والمجموعات المتحالفة معها عقب سيطرتها على مدينة الفاشر. أُجبرن على البقاء بدون طعام أو ماء، تحت تهديد القتل والضرب والإهانة.
وسيطر الدعم السريع على مقر الفرقة السادسة مشاة في الفاشر في تشرين الأول/أكتوبر المضي بعد نحو عامٍ ونصف من الحصار الخانق على المدينة، التي كانت آخر معاقل الجيش السوداني في إقليم دارفور، عقب سيطرته على مقرات الحاميات والفرق العسكرية في ولايات غرب وجنوب وشرق ووسط دارفور عام 2023.
في بلدة طويلة، التي تبعد نحو 55 كيلومتراً غرب الفاشر، وصل آلاف الناجين والناجيات من مجازر قوات الدعم السريع. نساءٌ أنهكتهن الحرب والجوع والمرض، يروين عبر أصواتهن الحية ما جرى خلال رحلة النجاة.
هذه ليست مجرد قصص نجاة، بل شهادات حيّة تفضح وجهاً آخر للحرب في دارفور. نجت هؤلاء النساء بأجسادهن، لكن ذاكرتهن بقيت مثقلة بالألم والخوف.
تقول فاطمة عبد الرحمن (57 عاماً): "تعرّضنا للضرب والإهانة والنهب، وتم تفتيشنا حتى ملابسنا الداخلية بحثاً عن أي أموال نخفيها. حتى الأطفال لم يسلموا من الضرب". وتتابع فاطمة قائلة: "تمت إهانتنا ونحن في طريق الفاشر قرني. الرجال تم تعذيبهم أشد العذاب، حيث أُجبروا على الجلوس في أوضاع مهينة لشرب الماء".
وتصف كيف تعرض الرجال لتعذيب قاسي بعد أن اصطفّوا في طابور صباحي، "فالرجال تم فصلهم عنا، ووُضعت المياه في خزانات كبيرة ليشربوا منها، وكان عليهم أن يجلسوا مثل الإبل لشرب الماء. بعد ذلك، استمر أفراد الدعم السريع في ضربهم بشكل مبرح، حتى المرضى لم يسلموا من التعذيب والضرب المبرّح، ونتيجة لذلك سقط بعضهم على الأرض. بعد ذلك وصلنا إلى قرني، ثم أمرونا بالمغادرة سيراً على الأقدام نحو بلدة طويلة. بعض المصابين فارقوا الحياة في الطريق نتيجة الجوع والتعذيب".
وتروي مديحة التوم حسين من حي الصحافة معاناتها في رحلة الهروب من مدينة الفاشر قائلة: "خرجنا في الثانية صباحاً وسط إطلاق عشوائي للقذائف. كانت وجهتنا بلدة قرني شمال غرب الفاشر، لكننا تعرضنا لهجوم من مجموعة مسلحة تتبع لقوات الدعم السريع يستقلّون دراجات نارية".
وتتابع :"صادَروا أمتعتنا وهواتفنا بعد تفتيش فردي، وضربونا بشدة. كنت أحمل معي 15 ألف جنيه سوداني، فقاموا بتمزيق ملابسي وضربي بحجة إخفائي المال. بعد ذلك سمحوا لنا بالتحرك إلى قرني، حيث احتُجزنا ثلاثة أيام قبل أن نُسمح بالمغادرة إلى طويلة. وصلنا ونحن منهكون وفاقدون لكل شيء، نحتاج إلى مأوى وطعام ورعاية للجرحى".
أما هاجر بشرى، وهي شابة ثلاثينية مصابة بداء السكري، فتروي معاناتها قائلة: "انقطع عني الدواء داخل الفاشر لسبعة أشهر بسبب انهيار المؤسسات الصحية. كنت أعيش بين الجوع والخوف والألم في سبيل الحصول على جرعة دواء واحدة، نزحت إلى منطقة طُرة شمال غرب الفاشر، سيراً على الأقدام لمسافة 30 كيلومتراً".
وتتابع أنّ "المرض أنهكني، وتسبّب لي بجروح في قدمي بسبب السكري. بقيت أياماً عاجزة في طُرة بدون علاج، واضطررت لاستخدام الأعشاب لتنظيف الجروح. أرجو من المنظمات مساعدتي في تكاليف الإعاشة والسفر لتلقّي العلاج في منطقة آمنة".
من جهته، كشف الناطق باسم المنسقية العامة لمخيمات النازحين واللاجئين بدارفور، آدم رجال، عن تعرض أكثر من 150 امرأة للاغتصاب والتحرش الجنسي أثناء نزوحهن من مدينة الفاشر إلى بلدة طويلة، مضيفاً أن أكثر من 15 ألف شخص وصلوا إلى منطقة طويلة، مشيراً إلى إصابة أكثر من 1300 شخص بالطلقات النارية، فيما يعاني أكثر من 1210 أطفال من سوء التغذية، ويواجه نحو 700 من كبار السن أوضاعاً صحية حرجة.
كما أظهرت الصور والفيديوهات التي بثها عناصر الدعم السريع انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، إذ لا تكاد الناجيات يصدقن نجاتهن حين وصلن إلى مناطق أكثر أمناً، بعد أن عشن رعب الموت في الفاشر. ومع أنهن بدأن حياة جديدة، إلا أنها حياة منقوصة، تلاحقها الذاكرة المثقلة بالرعب والدموع.