"إمارة الخليل".. أخطر مخطط استيطاني يهدد الضفة الغربية

يتصاعد الجدل حول مخطط "إمارة الخليل" كجزء من مشروع ضم الضفة الغربية، وسط دعم إسرائيلي رسمي ورفض شعبي واسع. وترى الأوساط الفلسطينية أنّ المعركة في الخليل تحولت إلى "معركة وجود".

  • "إمارة الخليل".. أخطر مخطط استيطاني يهدد الضفة الغربية

في ظل تسارع الحديث عن مخططات ضم الضفة الغربية إلى كيان الاحتلال الإسرائيلي، وإقرار حكومة الاحتلال بهذا المشروع الاستيطاني، تبرز مدينة الخليل كخاصرة رخوة يعتقد الاحتلال أنّها قد تكون نقطة البداية لتنفيذ مخططاته.

ويمهّد الاحتلال لذلك عبر جملة من الإجراءات الميدانية الهادفة إلى تفكيك البنية الاجتماعية الفلسطينية في الخليل وإضعافها، في محاولة لخلق بيئة قابلة لتمرير مشاريعه. غير أنّ هذه المساعي تواجه إجماعاً شعبياً رافضاً لمخططات الضم والتهويد، ما يجعل المدينة إحدى الساحات المركزية للمواجهة المقبلة.

"إمارة الخليل".. مخطط يعيد سيناريو "روابط القرى"

عاد الحديث خلال الأيام الماضية في وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية عن مخطط "إمارة الخليل"، وهو مشروع تهويدي كشفت عنه صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية في تقرير نُشر بتاريخ 6 تموز/يوليو 2025.

الباحث الفلسطيني زياد ابحيص أوضح أنّ المشروع يستحضر تجربة "روابط القرى" التي حاول الاحتلال تمريرها أواخر السبعينيات، عبر تقديم شخصيات عشائرية محلية في الضفة الغربية، بالتزامن مع هندسة انتخابات بلدية تفرز قيادة فلسطينية متعايشة مع الاحتلال، بما يسمح بإقامة علاقات تبادلية محدودة ورخيصة.

من جهته، رأى المحامي والناشط الحقوقي في مدينة الخليل، سامر نجم الدين، أنّ "إمارة الخليل" لا يزال بالون اختبار يُلوَّح به بين حين وآخر، لكنه لم يتبلور بشكل واضح حتى الآن، في ظل الرفض الشعبي الواسع له.

الكاتبة والأسيرة المحررة لمى خاطر شددت بدورها على أنّ المشروع يحظى بدعم كبير من حكومة الاحتلال، موضحة أنّه يهدف إلى إجهاض المشروع السياسي الفلسطيني القائم على إقامة الدولة الفلسطينية، كما يتيح للاحتلال إنشاء كيانات تابعة له تتولى إدارة الشؤون المدنية والإدارية للسكان، من دون طموحات سياسية، وبالتوازي مع لعب دور مباشر في محاربة المقاومة.

"الخليل أولاً" 

تحتل الخليل مركزية مهمة لدى الاحتلال الإسرائيلي في الضفة، فالاستيطان يستهدف قلب الخليل وبلدتها القديمة، ويرتبط بمشروع إحلال ديني يستهدف المسجد الإبراهيمي فيه، وهو واحد من أهم المقدسات الإسلامية في فلسطين، وخلال تفاهمات أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية والاحتلال، تم الاتفاق على وجود السلطة الفلسطينية في المدينة بعد 4  أعوام من توقيع اتفاق أوسلو في العام 1997.

وهنا يشير الكاتب والمحلل محمد القيق لما يسميه "الخليل أولاً" في عقلية الاحتلال تجاه الضفة الغربية، ويقول القيق: "ترجمت حكومة الاحتلال هذا التوجه بتوقيع اتفاق الخليل في العام 1997، والذي جاء به رئيس وزراء الاحتلال آنذاك (نتنياهو) ووافقت عليه السلطة، وتم خلاله تسليم المسجد الإبراهيمي والمنطقة المحيطة به في الخليل للاحتلال، ومن هنا بدأت الخليل تواجه وحيدةً مخططات الضم والتهويد وحدها". 

ويضيف القيق: "الاستيطان في الخليل يشهد منذ أكثر من 28 عاماً توسعاً متواصلاً، إذ تمتد المستوطنات من قلب المدينة نحو مناطقها الشمالية، وصولاً إلى حدود مخيم العروب". وأوضح أنّ هذا المخيم يُعتبر الحدود الجنوبية لما يُعرف بـ"القدس الكبرى"، مضيفاً أنّ "الاحتلال بعد أن أنهى عملية تهويد القدس يتجه إلى ما يسميه (الخليل أولاً)".

موقف السلطة من الإمارة 

أعلن محافظ الخليل خالد دودين، باسم السلطة الفلسطينية، رفض مشروع ضم المدينة إلى كيان الاحتلال وتمرير ما يُعرف بـ"إمارة الخليل". غير أنّ هذا الموقف الرسمي يثير تساؤلات عدّة بشأن جدّية السلطة في التصدي لهذه المخططات على الأرض.

الكاتبة لمى خاطر اعتبرت أنّ السلطة ما زالت تراهن على الضغوط الغربية لوقف حكومة الاحتلال عن المضي في خططها، قائلة: "السلطة تراهن على أن يشكل الموقف الغربي ضغطاً على حكومة الكيان، رغم أنّ الواقع السياسي يؤكد أنّ الغطاء الكامل الذي تمنحه إدارة ترامب لحكومة الاحتلال يشجعها على المضي في ضم الضفة وفرض السيادة المطلقة عليها، بما يجهض فكرة الدولة الفلسطينية".

في المقابل، قدّم الحقوقي سامر نجم الدين قراءة مغايرة، إذ رأى في الظرف الراهن فرصة نادرة للسلطة الفلسطينية كي تغيّر تموضعها السياسي، قائلاً: "السلطة تستطيع استغلال الظرف الحالي لاستعادة شعبيتها المسلوبة بسبب موقفها من الحرب على غزة وتمسكها بالتنسيق الأمني. فإذا اتجهت لمواجهة مخططات الاحتلال، ودعمت موقف عشائر الخليل الرافضة لمشروع الإمارة، فإنّ لذلك انعكاساً مهماً على تمتين الجبهة الداخلية وعرقلة تقدم مخططات الاحتلال".

اعتقال أبو سنينة.. تمهيد لمخطط "إمارة الخليل"

يُعدّ رئيس بلدية الخليل تيسير أبو سنينة من أبرز الشخصيات الشعبية في المدينة، إذ يشغل منصبه منذ عام 2017، ويُعرف بدعمه لفعاليات المقاومة الشعبية، وهو أسير محرر نفّذ عملية الدبويا عام 1981، وأمضى عشرات السنوات في سجون الاحتلال.

فجر الثاني من أيلول/سبتمبر 2025، اعتقلت قوات الاحتلال أبو سنينة، في خطوة اعتبرها "إيال جلمان"، رئيس مجلس بلدية المستوطنين في الخليل، بمثابة "إنجاز مهم لعودة الخليل إلى السيطرة التامة للاحتلال وإنهاء أي مظهر للوجود الفلسطيني فيها"، بحسب ما أورده موقع "0404" العبري.

الصحافي محمد القيق رأى أن اعتقال أبو سنينة يأتي ضمن التحضيرات لبدء مشروع ضم الخليل، مشيراً إلى أنّه "من أبرز المعارضين لخطوات الاحتلال ويحظى بقبول شعبي واسع، وقد يكون اعتقاله مقدمة لهندسة اجتماعية جديدة في الخليل، إذ ما يحاول الاحتلال إنجازه في غزة عبر الاغتيالات، يسعى لتطبيقه في الضفة عبر الاعتقالات".

أما الباحث زياد ابحيص، فأكد أنّ الاعتقال يرتبط مباشرة بمخطط "إمارة الخليل"، موضحاً أنّ أبو سنينة كان قبل أيام قليلة من اعتقاله يخاطب مسؤولي السلطة الفلسطينية بلهجة وطنية صريحة، محذراً من أن "المفتاح الأساسي لمشروع الإمارة هو ضرب بلدية الخليل، وأن الواجب يتطلب تجاوز الخلافات السياسية، وتعزيز مجلس البلدية، وإنهاء إجراءات حصاره وشلّ عمله لحماية الخليل وكل فلسطين من هذا المخطط". 

مواقف عشائرية وشعبية رافضة 

بعد اعتقال رئيس بلدية الخليل تيسير أبو سنينة، أصدرت عائلة أبو سنينة بياناً استنكرت فيه اعتقاله، وأعلنت رفضها الكامل لمخططات الضم ومشروع "إمارة الخليل". وجاء في البيان الذي وصل نسخة منه للميادين نت: "يستنكر مجلس عائلة أبو سنينة محاولات بعض الجهات المشبوهة إيجاد أجسام غريبة تدّعي لنفسها شرعية تمثيل محافظة الخليل، متجاوزة العشائر والعائلات والثوابت الدينية والوطنية"، مشددة على أنّ أي مشاركة أو تفاعل مع هذه الأجسام يُعدّ "خيانة وخروجاً على الموقف العائلي الموحّد".

بالتوازي، أصدرت عائلتا أبو هليل وعمرو بيانات مماثلة، فيما سبقتها عائلات أخرى مثل الجعبري والنتشة والقواسمي وعشرات العائلات الخليلية برفض قاطع لمشروع "إمارة الخليل" منذ طرحه قبل شهرين.

الحقوقي سامر نجم الدين رأى أنّ ثمن تمسّك الفلسطينيين بأرضهم في الخليل قد يكون باهظاً، لكنه ضروري لإفشال مخططات الاحتلال وتعزيز الوحدة الشعبية والوطنية.

أما الكاتبة لمى خاطر فحذّرت من أنّ عدوان الاحتلال قد يتطور إلى تهجير السكان ومصادرة ممتلكاتهم وإطلاق يد المستوطنين ضدهم، مؤكدة أنّ ما يمكن أن يُفشل هذه المخططات هو صمود أبناء الخليل ومعهم الشعب الفلسطيني، معتبرة أنّ "المعركة في الخليل اليوم هي معركة وجود".

اخترنا لك